عملية تخفيض قيمة العملة هي إجراء اقتصادي معروف عالمياً ويعني قيام دولة ما بخفض سعر الصرف الرسمي لعملة البلد مقابل مرجعية عملة عالمية مثل الدولار الأميركي أو اليورو بحيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية، ويعرف كذلك بأنه عملية تعديل تنازلية متعمدة لسعر الصرف الرسمي...
عملية تخفيض قيمة العملة هي إجراء اقتصادي معروف عالمياً ويعني قيام دولة ما بخفض سعر الصرف الرسمي لعملة البلد مقابل مرجعية عملة عالمية مثل (الدولار الأميركي أو اليورو) بحيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية، ويعرف كذلك بأنه عملية تعديل تنازلية متعمدة لسعر الصرف الرسمي، تؤدي إلى تقليل قيمتها مقابل عملات أخرى.
ويصٌح الحديث عن تخفيض قيمة العملة (Devaluation) حينما يكون سعر الصرف خاضعاً للإدارة المباشرة للدولة، التي تحدد هذا السعر عبر قرار حكومي، وهذا الاجراء والذي يسمى ايضاً من قبل بعض الاقتصاديين بـ (إجراء الصدمة) تلجأ اليه الدول لسبب هام ورئيسي ولتحقيق هدف هو اصلاح خلل كبير في ميزان المدفوعات للبلد أي عندما تكون حجم الواردات أكثر بكثير من حجم الصادرات فيحدث خللاً واضحاً في ميزان المدفوعات وبالتالي تحدث مشكلة اقتصادية كبيرة تؤثر على حجم النقد في موازنة الدولة.
وعندما تقوم الدولة بتخفيض سعر عملتها المحلية يحدث ارتفاع واضح في أسعار السلع المستوردة من الخارج وبالنتيجة ينخفض حجم الطلب عليها وبالمقابل يرتفع حجم الطلب على المنتجات المحلية وهذا يؤدي الى انعاش واضح للمنتجات المحلية لمحاولة الوصول الى تلبية الطلب الكبير عليها ومن المحتمل جداً انشاء مشاريع ومصانع ومعامل جديدة من قبل القطاع الخاص، وبالنتيجة الطبيعية عندما يزداد المنتج المحلي وينتعش فانه سيوفر فرص عمل جديدة ويقلل من حجم البطالة في البلد وبالتدريج يعود ميزان المدفوعات الى التوازن ويقل تأثير المشكلة الاقتصادية التي حدثت في البلد، أي ان هذا الجراء سيؤدي الى نمو اقتصادي محتمل في البلد.
اتخاذ مثل هذا القرار يحتاج الى دراسات دقيقة ومفصلة للواقع الاقتصادي ودراسة النتائج المحتملة وتثبيت التوقيتات الدقيقة لتطبيقه بحيث يكون تطبيقه تدريجياً وعلى مراحل، والعديد من الدول استخدمت هذا الاجراء الاقتصادي ومعظمها فشلت فيه ومنها بريطانيا التي كانت نتائجه فيها عكسية وأثر بشكل سلبي على الاقتصاد ولم يحقق النتائج المرجوة ويرى المختصون بأنه يجب توفر عاملين رئيسيين في بلد ما لتطبيق مثل هذا الاجراء وهي:
1. مدى قدرة الآلة الإنتاجية الوطنية والمحلي (تكنولوجيا وماليا وبشريا) على تصنيع السلع المستوردة من الخارج بجودة مماثلة أو معقولة وبأسعار منافسة وإحلال منتجات وطنية مكانها.
2. مدى المرونة السعرية للصادرات والواردات، أي بمعنى مدى تجاوب الطلب على الصادرات والواردات مع تغير الأسعار الناتج عن تخفيض قيمة العملة.
لو ناقشنا بهدوء هذا الاجراء مع قرار الحكومة العراقية الأخير بتخفيض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي ونتسائل هل هو صحيح؟ وهل سيخدم الاقتصاد العراقي؟ وهل سيعيد التوازن الى ميزان المدفوعات العراقي؟ وهل سيعيد للصناعة الوطنية مكانتها ودورها الحقيقي؟ وهل ستفتح مشاريع ومصانع ومعامل جديدة من قبل القطاع الخاص؟ وهل سيقلل من معدلات البطالة في البلد؟
الإجابة على هذه التساؤلات العديدة لا يحتاج الى تعمق كثير الى كل مطلع على ما يحدث في العراق فميزان مدفوعاتنا وكما هو معروف ليس فيه صادرات تذكر غير النفط والباقي كله يميل الى كفة الواردات لأننا والحمدلله نستورد كل شيء من الخارج من الإبرة الى الطائرة لتوقف عجلة الصناعة والإنتاج الوطني في جميع القطاعات الحكومية والأهلية منذ عام 2003 ولحد الآن ولأسباب معروفة للقاصي والداني، وبالنتيجة الحتمية فان هذا القرار لن يٌصلح ميزان المدفوعات ولن ينعش المنتج المحلي ولن يؤدي الى فتح مشاريع ومصانع ومعامل جديدة ولن يوفر فرص عمل جديدة ولايقلل من معدلات البطالة في البلد وستبقى صناعتنا وانتاجنا الوطني في سبات لعدم وجود ارادة وطنية حقيقية للنهوض بها ولعدم وجود أي دعم للقطاع الخاص حتى يأخذ دوره الحقيقي في ذلك ولن يفكر أي مستثمر أجنبي او محلي بالمغامرة في انشاء مشروع جديد لأنه يعلم مسبقاً أن مصيره الفشل ولأن جميع مقومات النجاح معدومة وخاصة الكهرباء التي أصبحت تزورنا كل ستة ساعات مرة واحدة وبشكل متقطع.
النتائج الحتمية لهذا القرار المتسرع والغير مدروس بدقة واضحة للعيان فالصدمة التي يجب أن تصيب الاقتصاد وتعيد انتعاشه لن تصيب اقتصادنا مطلقاً ولن تنعشه بل ستصيب المواطن العراقي وخاصة من ذوي الدخول المحدودة، فاسعار السلع المستوردة سترتفع وهي تمثل كل مايحتاجه المواطن في معيشته لعدم وجود بديل محلي لها والفوضى في السوق العراقية ستعمّ وسيزداد جشع التجار لحماية أرباحهم وسيسود احتكار السلع في ظل قلة الرقابة الحكومية وستزداد معاناة المواطن العراقي بشكل كبير في ظل القرارات الجديدة لوزارة المالية في تخفيض رواتب الموظفين ورفع الدعم الحكومي عن الوقود والتي ستطبق في عام 2021 والتي تم تثبيتها في الموازنة الجديدة وأعتقد أن بوادر هذه النتائج واضحة منذ أول يوم لاعلان القرار حيث بدأت أسعار جميع السلع والمواد الغذائية والأدوية بالارتفاع.
هنا أتسائل باسم كل العراقيين هل فكرت الحكومة العراقية في نتائج هذا القرار وآثاره على المواطن المسكين وعلى القطاع الخاص العراقي؟ وهل فكرت في خطوات مدروسة لحماية المواطن الفقير من النتائج التي ستهدد لقمة العيش له ولعائلته وهل فكرت بأن من الأولى لها اتخاذ إجراءات أخرى متاحة غير التلاعب بقوت الفقير وأهمها ضغط الكثير من النفقات الغير ضرورية والمليئة بها صفحات الموازنة مثل مخصصات الدرجات العليا ونفقات الضيافة والآليات والايفادات والحمايات وغيرها الكثير والتي كان من الممكن تقليصها وتقليل حجم العجز في الموازنة المالية بدلاً من اللجوء الى قرار تخفيض العملة الذي سيدفع ثمنه المواطن العراقي وهو الخاسر الوحيد دائماً في هذا البلد.
اضف تعليق