فقدان السيطرة الحكومية على المنافذ الكمركية أحد أبرز مصادر الهدر المالي في العراق على امتداد الحكومات العراقية منذ العام 2003، رغم اهمية تلك المنافذ ليس فقط كرافد مالي غزير، وانما ايضا لدورها في تحقيق الامن الاقتصادي وتعزيز السيادة الوطنية. سيطرة الاحزاب السياسية والمافيات في العراق تعيق...
يعد فقدان السيطرة الحكومية على المنافذ الكمركية أحد أبرز مصادر الهدر المالي في العراق على امتداد الحكومات العراقية منذ العام 2003، رغم اهمية تلك المنافذ ليس فقط كرافد مالي غزير، وانما ايضا لدورها في تحقيق الامن الاقتصادي وتعزيز السيادة الوطنية.
وعلى الرغم من المساعي المحدودة لتطوير عمل المنافذ الكمركية خلال السنوات القليلة السابقة من اجل تعظيم الايرادات الحكومية بسبب هبوط اسعار النفط الخام، الا ان سيطرة الاحزاب السياسية والمافيات في العراق تعيق باستمرار اصلاح وتطوير هذا المرفق المالي المهم من اجل ضمان السيطرة على تلك المنافذ وتأمين ايرادات مالية ضخمة، تقدر بـ (10) مليار دولار سنويا وفقا لنواب في اللجنة المالية البرلمانية، لتمويل الاحزاب وضمان الهيمنة على النفوذ والسلطة في العراق.
ورغم اتساع وتطور الحركة التجارية في العراق مع دول الجوار ودول اسيوية واوربية وغيرها، وما اوجبته من تطوير اساليب الادخال الكمركي وأتمتة الحلقات الادارية للكمارك بالكامل وتقليص الاجتهاد البشري في عمليات التخليص الكمركي، الا ان مقاومة هيئات كمركية متعددة وممثلي عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية للجباية الالكترونية حال دون ابرام العديد من الاتفاقات والعقود مع شركات عالمية رصينة رغم العوائد المالية المقدرة بمليارات الدولارات وفقا لخبراء ومختصين.
ولم تفلح جهود الحكومات السابقة في مكافحة الفساد المالي والاداري بحجة مراعاة المصلحة الوطنية وانخراط معظم الاحزاب السياسية في استلاب موارد البلد وتشابك الاطراف السياسية واتفاقها جميعا على تقاسم مغانم البلد بشكل يتغير بتغير سيطرة الاحزاب على مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وفي ايار من العام 2020 انبثقت حكومة السيد الكاظمي في ظروف مالية صعبة لا تحسد عليها، اهمها انهيار اسعار النفط واستلام خزينة خاوية، مع ضرورات ملحة لمواجهة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية على شرائح متعددة من الشعب العراقي. مما الزم الحكومة الجديدة على اعتماد اليات جديدة تعيد هندسة الموازنة العامة في جانبها الانفاقي (ترشيد وضبط والانفاق) وجانبها الايرادي (تعظيم الإيرادات غير النفطية)، وبشكل متزامن يضمن عبور الازمة، خصوصا مع عدم قدرة الحكومة خفض الرواتب واتباع سياسة تقشفية نظرا لتداعيات جائحة كورونا الاقتصادية وما فرضته من حجر صحي وتوقف شبه كلي للأعمال، بحاجة لسياسات مالية توسعية لإنعاش الاقتصاد الوطني.
وكانت اولى الخطوات الحكومية، بعد تدقيق بيانات الموظفين والرواتب المزدوجة وغيرها، تعظيم الايرادات غير النفطية عبر مكافحة الفساد المستشري في المنافذ الحدودية وبسط السيطرة الحكومية على كامل الكمارك العراقية للحد من نهب الايرادات الحكومية وتوجيهها صوب تمويل النفقات الضرورية للحكومة.
لماذا ينبغي ضبط الكمارك العراقية؟
يعتقد الكثير من المراقبين بان ضبط المنافذ الكمركية يساهم فقط في تعظيم الايرادات الحكومية، في حين تترتب العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مسك وضبط الكمارك بشكل محكم ورشيد ولعل اهمها:
1- يبيع البنك المركزي العراقي مبالغ طائلة من العملة الاجنبية (تتأرجح حول 150 مليون دولار يوميا)، ويخصص جزء كبير من تلك المبيعات، عبر المصارف الخاصة، لتغطية فواتير الاستيرادات المزورة في كثير من الاحيان من قبل جهات كمركية.
2- يسهم ضعف وفساد المنافذ الكمركية في دخول مختلف انواع الممنوعات الى العراق كالمخدرات والاسلحة وغيرها، فضلا على دخول الارهابين والمطلوبين للعدالة.
3- تعظم سياسات مكافحة الفساد في المنافذ الكمركية من معدل الايرادات الكمركية المتدفقة يوميا، وعلى طول السنة المالية، نظرا لضخامة وتنوع الاستيرادات العراقية من مختلف دول العالم.
4- يعزز ضبط التقييس والسيطرة النوعية على البضائع والسلع الاجنبية من جودة المنتجات الداخلة الى العراق ووفقا للمواصفات العالمية.
5- يسهم خضوع السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والطبية للفحص المختبري والتأكد من صلاحية وجودة المنتج في حماية المواطن من دخول سلع غذائية وطبية مضرة بالصحة العامة.
6- يحد ضبط المنافذ الكمركية من سياسات الاغراق عبر دخول السلع الاجنبية المنافسة لمثيلتها المحلية الى الاسواق بأسعار منخفضة جدا، خصوصا فيما يخص السلع الزراعية والغذائية المحددة من قبل الحكومة.
7- ضمان انسيابية دخول السلع والبضائع الضرورية الى البلد دون احتكار تجار وجهات متحكمة في السوق طمعا في مضاعفة الارباح وتحقيق غايات تجارية ضيقة.
آليات ضبط المنافذ الكمركية
لا شك بان المعركة ضد الفساد المتغلغل في المنافذ الكمركية بحاجة لإرادة وطنية وسياسات غير تقليدية ومتابعة وتدقيق مستمر من لدن كافة المؤسسات الحكومية المعنية. وعلى مستوى اليات الاصلاح والتطوير للمنافذ الكمركية، يمكن اقتراح ما يلي:
1- تحديث البنى التحتية وأتمتة الإجراءات وتدريب العاملين وتأمين شبكات الاتصال لكافة المنافذ الكمركية في العراق.
2- توحيد معدلات التعرفة الكمركية بين المركز وإقليم كوردستان لضمان عدم تحول تجارة العراق صوب الاقليم وتكرار تجربة حكومة العبادي.
3- تغليظ القوانين بحق الفاسدين كجهات وافراد واعطاء الجيش والامن الوطني والجهد الاستخباري مساحة اوسع في مراقبة اداء المنافذ الكمركية.
4- العمل على تنفيذ النافذة الواحدة في التخليص الكمركي، واتباع الأساليب الإلكترونية المحوسبة في ذلك، والحد من احتكاك المستوردين مع الجهات المتعددة في المنافذ الحدودية من أجل الحد من احتمالات الفساد.
5- مراجعة الإعفاءات المتعددة في قانون الكمارك والحد من الصلاحيات في منح الإعفاءات من خلال اصدار اوامر حكومية موحدة.
6- تطبيق إجراءات أمنية موحدة، وحديثة، بأنظمة اتصالات سريعة، ومركزية، وأمينة.
7- اغلاق المعابر والمنافذ الحدودية غير الرسمية التي تهيمن عليها الأحزاب والعشائر في كافة المنافذ الحدودية.
8- الغاء الإعفاءات التي تحصل عليها بعض الجهات النافذة والمستثمرين وبعض الدول المجاورة.
9- ضبط وتنظيم اجازات الاستيراد ومطابقتها بشكل دقيق مع البضائع والسلع الداخلة الى البلد.
10- اعتماد النظم الإلكترونية في جميع المنافذ لتحقيق مراقبة دقيقة ومتابعة مسؤولة في استيفاء الإيرادات الكمركية بشكل كامل ودقيق.
11- بسط سيطرة الحكومة الاتحادية على كافة المنافذ الحدودية، وبضمنها منافذ العراق الشمالية، وخضوع جميع المنافذ للإجراءات الاصلاحية وبدون استثناء.
اضف تعليق