إن الدور الاساسي لرئيس أي بلد هو تعزيز النمو المستدام لاقتصاد بلده، ويتبع الرئيس الأمريكي في سبيل تحقيق هدفه هذا، حزمة من السياسات، التي في غالبها هي وصفات المدرسة النيوكلاسيكية، إحدى أبرز المدارس الاقتصادية، يعمل الرئيس ترامب على ضبط إيقاع وتناغم أربع مجالات اساسية تشكل ركائز استراتجيته الاقتصادية...
إن الدور الاساسي لرئيس أي بلد هو تعزيز النمو المستدام لاقتصاد بلده، ويتبع الرئيس الأمريكي في سبيل تحقيق هدفه هذا، حزمة من السياسات، التي في غالبها هي وصفات المدرسة النيوكلاسيكية، إحدى أبرز المدارس الاقتصادية.
يعمل الرئيس ترامب على ضبط إيقاع وتناغم أربع مجالات اساسية تشكل ركائز استراتجيته الاقتصادية:
مجال سياسة التجارة الخارجية.
مجال السياسة الضريبية.
مجال السياسة النقدية.
مجال السياسة التنظيمية.
وللتذكير، فإننا في هذا المقال لا نؤيد او نعارض سياساته الاقتصادية، بل نشرح ونبين فقط وجهة نظره وخلفيته الاقتصادية التي يستند إليها.
اولاً: السياسة التجارية
التجارة الحرة، هو موافقة دولتان أو مجموعة من الدول على بيع البضائع لبعضها بدون فرض رسوم جمركية، وحينها يتمكن مصنعو كل دولة من الوصول إلى مزيد من الأسواق، ويدفع مستهلكو كل دولة اسعاراً اقل لقاء شراءهم لمنتجات أفضل وأرخص.
ولضمان النمو الاقتصادي المستدام، يؤمن اقتصاديو جانب العرض (النقوديون أو النيوكلاسيك) بضرورة تحرير التجارة بين البلدان، ورفع قيود ومعيقات على التجارة الدولية، سواء اكانت تعرفة جمركية او غيرها، وهذا هو ما يؤمن به الرئيس ترامب.
قد يبدو الامر مشوشاً، ان نسمع بأن الرئيس ترامب من مؤمني ومشجعي التجارة الحرة بين البلدان، وهو المعروف بفرضه الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، وهو الذي اقترن اسمه بالحرب التجارية مع الصين.
الحقيقة أن الرئيس الأمريكي يسعى للـ "العدالة التجارية" من خلال فرض الرسوم الجمركية، ولا يسعى للحرب التجارية مع الصين.
العودة للأساسيات:
تفرض البلدان معدلات مختلفة من الرسوم الجمركية، والتي هي في الأساس ضرائب على البضائع المستوردة. تعد الرسوم الجمركية الامريكية ولسنوات طويلة من بين أدنى معدلات الرسوم الجمركية في العالم.
وفقاً للصورة أعلاه، تبلغ متوسط الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة (1.68%)، بينما متوسط التعرفة التي تفرضها الصين على البضائع الواردة تبلغ 4.33 %، وهذا ما يعتبره الرئيس الأمريكي وضعاً غير عادلاً للتجارة بين (أمريكا والصين)
في تغريدة له (أعلاه)، يقول الرئيس ترامب، يفرض الأمريكيين 2% كرسوم جمركية على السيارات الصينية، بينما يفرض الصينين رسوماً تصل إلى 25%، يصف ترامب هذا الوضع بانه تجارة ليست عادلة، بل تجارة غبية!
ليست الصين فقط التي تفرض رسوم جمركية مرتفعة، فجزر البهاما مثلاً تفرض نسبة تصل إلى 26 %، ولكن لا تثير البهماس حساسية وغضب الرئيس الأمريكي، كما تثيرها الصين، والسبب بسيط:
بالنسبة للولايات المتحدة فإن الصين هي أكبر شريك تجاري حيث بلغ حجم التبادل التجاري 636 مليار دولار في عام 2017، إلا إن الجزء الأكبر لهذا الرقم يأتي من الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، فكما هو معروف، فإن (حجم التبادل التجاري) = حجم الصادرات + حجم الواردات، وعندما تكون الواردات أكثر من الصادرات، فإن البلد يدير عجزاً تجارياً مع شريكه.
ومع إن التبادل التجاري بلغ 636 مليار، إلا إن العجز التجاري بلغ 337 مليار دولار بحسب مكتب التحليل الاقتصادي بوزارة التجارة.
وإذا اخذنا بنظر الاعتبار أن أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، هم: الصين، المانيا، المكسيك واليابان، فإن الولايات فإن عجز أمريكا التجاري مع الصين يعادل مجموع العجز البالغ مع الدول الثلاث الأخرى.
وهذا كله ما يثير غضب الرئيس الأمريكي الذي يرى أن الرسوم الجمركية المرتفعة للصينين تقلل صادرات الولايات المتحدة للصين، وبرأيه فإن هذه التعرفة الجمركية هي إحدى أسباب العجز التجاري البالغ (337 مليار دولار)
إذا أردنا ان تكتمل الصورة، لنرجع قليلاً للوراء، وتحديداً إلى سنة 2001 حينما انضمت الصين منظمة التجارة العالمية (WTO)، وهو ما منح الآلاف من الشركات الصينية حق وإمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية.
كانت شروط انضمامها للمنظمة، ان تقوم الصين بتقليل الحواجز التجارية، فتح الأسواق، زيادة الشفافية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وإصلاح نظامها القانوني لضمان الاتساق مع التزامات منظمة التجارة العالمية.
إن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، ساعدها من بين أسباب أخرى، على ان تنمو بثماني مرات أكبر مما كانت عليه وقت الانضمام.
بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، انتفعت الصين اقتصادياً واستطاعت الوصول إلى الأسواق العالمية بيسر وسلاسة، إلا أنها كانت بطيئة في التمسك بجانبها من الصفقة، وهذا ما دفع بالممثل التجاري الأمريكي لرفع تقريره الذي يتحدث فيه عن فشل الصين بالوفاء بالتزاماتها.
إن النظرة السريعة على خلفية انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، تساعدنا على فهم وجهة نظر الرئيس ترامب، الذي يسعى لإلزام الصين بشروط الاتفاقية التي وقعت عليها، وإعادة التوازن للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين لتحقيق المزيد من التجارة العادلة والمتبادلة.
إن الرئيس دونالد ترامب يدعم التجارة الحرة على مستوى العقيدة، كما دعا إليها منظرو المدرسة النيوكلاسيكية، ولكن يريد أيضاً تجارة عادلة ونزيهة على مستوى الإتفاقيات المنعقدة، هكذا هي وجهة نظر الرئيس الأمريكي وفريقه الرئاسي الذي عبروا عنها في تغريداتهم عبر تويتر.
وفي النهاية، يهدف الرئيس الأمريكي من وراء التكتيكات المختلفة التي يمارسها إلى وضع استراتيجيته موضع التنفيذ، الاستراتيجية التي يهدف من خلالها إلى خفض العجز التجاري، وخلق فرص عمل جديدة داخل الولايات المتحدة، وصولاً إلى الهدف الأكبر الذي يسعى للوصول إليه، وهو رفع معدل نمو الاقتصاد الأمريكي إلى أكثر من 3% سنوياً.
فهل ستنجح استراتيجية وتكتيكات الرئيس الأمريكي في مجال التجارة الخارجية؟!.
اضف تعليق