صوت التظاهرات المرتفع أيقظ الحكومة من سباتها ونبهها الى خطورة الموقف وتراكماته التي قد تكون كارثية ليس فقط على هذه الحكومة فحسب وانما قد يهدد النظام السياسي بأسره فسارعت الى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والمعالجات الحكومية التي تصب في صالح الواقع الاقتصادي والمعاشي لأبناء هذه المحافظات...

شهد الشارع العراقي في الفترة الأخيرة تظاهرات واحتجاجات من قبل المواطنين مطالبين بأمور عديدة تمثل ابسط حقوقهم مثل الخدمات والعمل والماء والكهرباء وغيرها من متطلبات الحياة الأساسية، وقد تحركت على اثرها الحكومة العراقية بخطط سريعة وانية تلبيةً لمتطلبات المتظاهرين في محاولة منها لوقف تمدد الاحتجاجات لتشمل بقية المحافظات مما يصعب على الحكومة السيطرة عليها.

وسأسلط الاضواء في هذه المقالة على ثلاث مطالب شعبية يمكننا من خلالها معرفة منطلقات الحلول الحكومية.

1. تحسين الواقع الخدمي وتطوير محطات انتاج الطاقة الكهربائية لزيادة ساعات التجهيز.

2. زيادة الاطلاقات المائية لإنقاذ الواقع الزراعي والحيواني للمحافظات الجنوبية لتفادي نفوق آلاف المواشي نتيجة شحة المياه.

3. الالتفات الى مئات الالاف من ابناء هذه المحافظات العاطلين عن العمل وفتح باب التعيينات الحكومية لاحتضان هذه الفئات وخصوصاً الخريجين منهم.

ان صوت التظاهرات المرتفع أيقظ الحكومة من سباتها ونبهها الى خطورة الموقف وتراكماته التي قد تكون كارثية ليس فقط على هذه الحكومة فحسب وانما قد يهدد النظام السياسي بأسره فسارعت الى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والمعالجات الحكومية التي تصب في صالح الواقع الاقتصادي والمعاشي لأبناء هذه المحافظات.

فكان من هذه الحلول الايعاز الى الجهات المعنية بإكمال العديد المشاريع الخدمية المتوقفة عن العمل منذ عام ٢٠١٤،‏ مع الالتفات الى بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية وصيانة وتطوير المحطات الموجودة حالياً وتوفير الوقود اللازم لتشغيل هذه المحطات بالسرعة القصوى. بالإضافة الى زيادة الاطلاقات المائية للمحافظات الجنوبية والتي تعد الأشد تضرراً من شحة المياه.

كما وجهت الحكومة بأطلاق ملف التعيينات الحكومية ضمن حركة الملاك وفرضت على الشركات الأجنبية العاملة في العراق بتشغيل العمالة العراقية بنسبة ٥٠٪‏ من قيمة العمالة لهذه الشركات.

وسأكتفي بهذه الحلول كنماذج بسيطة لخطة عمل الحكومة في مواجهة ازمة المظاهرات السلمية التي طالت عدد من المحافظات الجنوبية.

وتجب الاشارة ان الادبيات الإدارية صنفت عملية التخطيط الى ثلاث مراحل تختلف من حيث فترة تنفيذها، الأولى هي الخطة الآنية والثانية هي الخطة المتوسطة (٥ سنوات) والثالثة هي الخطة الاستراتيجية (اكثر من ٥ سنوات).

وتعد الحلول السابقة وغيرها مما لا يسع المقال لذكره من الخطط والقرارات الانية السريعة التي من حق الحكومة الخوض في الحلول السريعة لمنع تطور الأمور وانزلاقها الى حد يصعب السيطرة عليه، ولكن تبقى هذه الحلول لتمشية الحال فقط، فان المتابع للشأن الاقتصادي العراقي يعلم تمام العلم ان السياسة المالية للبلاد تشهد ازمة منذ فترة ليست بالقصيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط ومارافقه من اجتياح لعصابات داعش للأراضي العراقية تكبد العراق بسببه كلف مالية ضخمة، بالإضافة للفساد المالي والإداري والذي يعد حجر العثرة الأكبر في تطوير السياسة المالية، وان العمل على توفير الخدمات واكمال المشاريع المعطلة وتأسيس محطات توليد جديدة قد تكون قرارات لا تملك ما يكفيها من سيولة مالية لتنفيذها كما يحب ويشتهي المواطن هذا من جهة.

ومن جهة ثانية فان الواقع المائي لنهري دجلة والفرات يشهد ازمة حقيقية نتيجة حجب دول الجوار لحصة العراق من مناسيب المياه وان أي اطلاق وزيادة لحصة المحافظات الجنوبية من مياه الأنهار قد تكون شبه مستحيلة امام هذا الحجب بالإضافة الى تبدل المناخ للبلاد وما صاحبه من ارتفاع درجات الحرارة زاد من تعقيد القضية المائية للعراق.

اما بخصوص اطلاق التعيينات الحكومية ضمن حركة الملاك فلا يمكن وصفه بغير الحل الآني والبسيط اذا عرفنا ان محافظة البصرة وحدها تجاوز عدد الراغبين اضعاف عدد الدرجات الشاغرة والتي قدرت ب ٤٠ الف درجة وظيفية في الوقت الذي يدخل للسوق العراقية ٢٥٠ الف يد عاملة سنوياً باقل التقديرات فلا اعلم ماذا تفيد ٤٠ او ١٠٠ الف درجة ؟؟؟ هذا بالإضافة الى ان اللجوء الى التعيينات يعد أصل المشكلة في ظل الدولة الريعية وليس حلاً جذرياً لها، ولايمكن قبوله إلا من خلال كونه تداركاً للأحداث وكبحاً للجام الامور.

ان على الحكومة العراقية الحالية والحكومة القادمة العمل على وضع خطط واستراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد تنطلق من حلول حقيقية تهدف لإحداث تنمية مالية واقتصادية مستدامة، من خلال تنشيط دور القطاع الخاص وهجر النهج الريعي للدولة والتعلم من الإخفاقات المتتالية للواقع الاقتصادي، وذلك بالتركيز على باقي قطاعات الإنتاجية والزراعية والخدمية فإنه السبيل الوحيد لاستيعاب العمالة العراقية المتنامية وبكل فئاتها ولعل الجدية والواقعية في استيعاب مطالب الجماهير يكون محفزاً وملزماً للحكومة بوضع حد للفساد المالي والإداري الذي استشرى وبشكل لا سابق له في بدن الدولة ويجب الالتفات الى ان التظاهرات والمطالبات السلمية بالإضافة الى الضغوطات من قبل المرجعية في خطبها تعد بمثابة تخويل لضرب رؤوس الفساد وان على الحكومة الحالية والقادمة استثمار هذا التخويل وإعلان الحرب على الفساد بنفس الهمة والقوة التي رافقت اعلان الحرب على داعش.

* باحث اقتصادي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق