q
ان تخفق الحكومات في أدائها ولها اكبر احتياط نفطي في العالم، وان تخفق وهي ثاني مُصَدِر للنفط في منظمة أوبك، وان تخفق وهي انفقت مئات المليارات في مشاريع هدفها الرئيسي ان تضمن عدم اخفاق الحكومة، وان تخفق رغم توسلات المواطنين وآلامهم وهم يسحقون تحت صخرة الإهمال والفساد...

بعد سلسلة الحرائق التي اجتاحت عدد من مستشفيات البلاد في الفترة السابقة، واخرها الحريق في وزارة الصحة والفاجعة الأليمة في مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، لم يبقى امام المواطن سوى ان يرفع يديه بالدعاء، لاستمطار الحل، عسى ان تجد به الحكومة مخرجًا لمعاناة شعبها، فلم يبقى سوى ذلك من حل، بعد ان فشلت اكثر من تريليون دولار (1,000,000,000,000) طوال قرابة عقدين من الزمن في تحقيق ابسط حقوق المواطن، وبعد الإخفاقات المتتالية غير المنطقية وغير المبررة، ليس لهذه الحكومة فحسب بل لكل الحكومات منذ عام 2003 ولغاية الان، "وان كان نصيب هذه الحكومة من الإخفاق هو الأكبر بين اخواتها".

ولعل القارئ يسأل لماذا اعتبر اخفاق الحكومة غير منطقي؟ وهل معنى هذا ان هناك اخفاق منطقي واخر غير منطقي؟ والاجابة نعم.. يوجد اخفاق منطقي واخر غير منطقي، وان اخفاق حكومتنا من النوع غير المنطقي وغير المبرر، فقد نجد بعض الاعذار لبعض الحكومات التي لا تملك الثروة او موارد الطبيعية، وقد نجد بعض العذر لحكومة يبلغ تعداد شعبها مئات الملايين، او لعل الاخفاق يصيب حكومة لبلد يسوده التخلف والجهل، وليس لها ما للعراق من تاريخ وارث حضاري عريق....

اما ان تخفق الحكومات في أدائها ولها اكبر احتياط نفطي في العالم، وان تخفق وهي ثاني مُصَدِر للنفط في منظمة أوبك، وان تخفق وهي انفقت مئات المليارات في مشاريع هدفها الرئيسي ان تضمن عدم اخفاق الحكومة، وان تخفق رغم توسلات المواطنين وآلامهم وهم يسحقون تحت صخرة الإهمال والفساد والبيع بالآجل لروح ومستقبل الشباب، وان تخفق الحكومة اخفاقاً مركباً بعد اخفاقها السابق في مستشفى ابن الخطيب، والعالم كله شاهد وسمع صراخ الابرياء وهم يحترقون بنار الغدر والإهمال واللامبالاة، وبعد كل هذا يعود الشارع العراقي ليفجع بأبنائه وهم يحترقون احياء في اتون مستشفى الحسين التعليمي في محافظة الناصرية، وما كل ذاك الا سلسلة في حلقة طويلة من الاخفاقات في مجال الصحة، والتعليم، والزراعة، والصناعة، والطاقة، والإنتاج، والامن، والرياضة، والمواصلات، والخدمات، والعلاقات الداخلية والخارجية، والقائمة تطول وتطول ولا تقصر، فهذا امر غير منطقي وغير مفهوم، ولا حل له سوى الدعاء بعد ان احتلبت خيراتنا جيوب الفاسدين وارصدتهم، وخسرنا أبنائنا ما بين شهيد وغريق وحريق، وبعد ان خسرنا امالنا واحلامنا التي صبغت بلون الدم، ونحن ننتظر الفرج على دكة الإهمال، وبذلك استنفذ المواطن كل امل وكل حل الأرض لهذه الحكومات المتعاقبة على الفشل ولعل الدعاء يمطر علينا بحلول من السماء تخرجنا مما نحن فيه.

ان حريق مستشفى الحسين ليس الأول من نوعه "وكم أتمنى ويتمنى الجميع ان يكون الأخير" فقد سبقه قبل عدة ساعات حريق في وزارة الصحة في الطابق الذي يضم القسم المال والإداري!!! ومن قبله فاجعة حريق مستشفى ابن الخطيب الذي تسبب بإزهاق أرواح قرابة 90 مواطن راحوا ضحية الإهمال والفساد وسوء الإدارة والاخفاق في الأداء، ولعل الإشارات والتصريحات والتلميحات التي يسمعها المواطن من بعض المسؤولين والنواب والقادة من احتمالية ان تكون هذه الاستهدافات هي سلسلة مخططة لأعمال إرهابية متتالية تستهدف القطاع الصحي، وبالتحديد مستشفيات العزل الصحي الخاصة بمصابين مرضى كورونا يجعل الشارع العراقي اما تساؤلات عن جدوى الجهد الحكومي لردع مثل هذه الاعمال الإرهابية؟

وعن مصير اللجان التي شكلت في الحالات المشابهة؟ وأسباب الاكتفاء بالعقوبات الإدارية دون العقوبات الرادعة التي تهدئ من روع الشارع، وتجبر الإرهابيين والمتجاوزين على أرواح الأبرياء، على إعادة حساباتهم الف مرة قبل الخوض في حقوق وامن وسلامة المواطن المنهك الذي لم يبقى فيه مكان لطعنة جديدة بسكين الإخفاق واللامبالاة والاستهانة بالدم العراقي.

يقال في الامثال ما لا يكسرك فانه يقويك... فهل ما أصاب أهلنا في مستشفى الحسين في الناصرية وقبلها مستشفى ابن الخطيب والتعثرات الحكومية المتتالية في ملف الصحة والامن وغيرها، قادر ان يكسر المواطن العراقي ام سيقويه؟ والاجابة انه لن يكسر، ولن يقوي، فهوَ لن يكسر إرادة المواطن العراقي في الحياة، لكنه لن يقوي الحكومة، وسيهدد مصداقيتها فيما بقي امامها من فترة وجيزة لا تتجاوز بضعة أشهر، بل ان تراكم الازمات والاخفاق الواضح في احتوائها والحد منها ينذر بخطر كبير قد يقتلع العملية السياسية من جذورها الهشة.

ولو كان للأحزاب والجهات الماسكة للزمام السياسي في البلاد، ان تفكر بحكمة وروية، لتبين لها حجم الخطر الذي يحيط بالعملية السياسية برمتها، فاذا كانت ذاكرة بعض السياسيين تمتاز بانها هشة وضعيفة، ولا ترى ابعد من انفها، فان ذاكرة الشارع العراقي لا تنسى من أهملها واستغلها وسرقها وجعل دماء أبنائها تراق كالسيول الجارفة لا لشيء الا لترتوي افواه الفاسدين من خيراتهم المنهوبة.

اضف تعليق