أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في مجال الاقتصاد للباحث الأمريكي ثالر على اسهاماته في نظرية الاقتصاد السلوكي، و جاء في البيان الصادر عن الأكاديمية، "دمج ثالر الفرضيات النفسية مع التحليلات المتعلقة بصنع القرار الاقتصادي. اذ بحث العقلانية الجزئية و الافضليات الاجتماعية وضبط الذات و غيرها من العوامل الانسانية و مدى تأثيرها على القرارات الفردية و مسيرة السوق بصورة منهجية".
ويعمل الاقتصادي ريتشارد هـ. ثالر حاليا بروفيسور في العلوم السلوكية والاقتصاد في كلية بوث لادارة الاعمال لجامعة شيكاغو، و سيحصل ثالر على 9 ملايين كرون سويدي إلى جانب الجائزة (شهادة و ميدالية ذهبية) التي ستقدم يوم العاشر من كانون الأول ديسمبر في ذكرى وفاة العالم ألفريد نوبل.
جذور الاقتصاد السلوكي
الاقتصاد السلوكي ( Behavioral economics) هي الدراسة التي تعنى بتحليل القرارات الاقتصادية والمالية التي يتخذها كل من الأفراد والمؤسسات التي تقوم بوظائف اقتصادية بما في ذلك المستهلكون، المقترضون والمستثمرون عن طريق دراسة العوامل الاجتماعية والفكرية. بالرغم من كثرة النقاش حول واقعية هذا العلم الجديد نسبيا، فان الادلة التي يستند إليها هذا العلم قوية إلى حد ما، وليس من السهل تجاهلها. ان المختصين بعلوم السلوك لا يهتمون فقط باثار الأفراد والمؤسسات على الأسواق بل يهمهم أيضا قرارات العامة وافراد المجتمع على صعيد اقتصادي، ويُعد (آدم سميث) أول من تطرق الى مسألة تأثير العوامل النفسية في اتخاذ القرارات من خلال كتابه (نظرية المشاعر الاخلاقية) عام 1759، الا ان هذا الموضوع لم يتم الأخذ به بنظر الاعتبار بسبب صعوبة عملية التنبؤ بسلوك الانسان، الا أنه ان الاقتصاد السلوكي عاد للساحة من جديد في بدايات القرن العشرين بعد دراسة تأثير العوامل النفسية في حدوث الكساد العظيم في 1929، ومن خلال مساهمات عدد من الباحثين الاقتصاديين مثل (دانييل كانيمان) الحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2002، لمساهمته في دمج التحليل الاقتصادي مع علم النفس.
ثم توالت بعد ذلك المساهمات والبحوث مثل مساهمة (هيربيرت سايمن) في تطوير مفهوم العقلانية المحدودة عام 1955، والذي يوضح أنه يجب فهم عقول الأفراد مع الأخذ بعين الأعتبار البيئة التي نشأ فيها هؤلاء الأفراد، اذ أن قراراتهم ليست دائماً مثالية، فهناك دائماً حدود لقدرة الانسان على معالجة المعلومات نظراً لمحدودية معرفته أو قدراته الحسابية أو غيرها.
قواعد الاقتصاد السلوكي
نجح ريتشارد ثالر في إرساء العديد من الأعمدة العلمية والمفاهيم الجديدة، وهي تكامل الاقتصاد مع علم النفس، وأثر الوقف مع محدودية العقلانية، والعدالة ولعبة الديكتاتور مع التفضيلات الاجتماعية، والمخطط-الفاعل وانعدام ضبط النفس، وأخيرًا وليس آخرًا الوكزية وتحسين ضبط النفس، وكالأتي :
١) تكامل الاقتصاد مع علم النفس
استطاع ريتشارد ثالر إدراج الافتراضات الواقعية النفسية في مجال تحليل صنع القرار الاقتصادي. وذلك من خلال رصد عواقب محدودية العقلانية، والتفضيلات الاجتماعية وانعدام ضبط النفس.. كما تمكن من تبيان تأثير السمات الإنسانية بشكل منهجي، على كل من قرارات الفرد ونتائج السوق، على حد سواء.
٢) “أثر الوقف” ومحدودية العقلانية
طور ثالر نظرية المحاسبة الذهنية في عملية صنع القرار المالي، مبينًا لجوء الناس إلى صناعة القرار من خلال حسابات منفصلة في أذهانهم، مع تركيزهم على التأثيرالضيق للقرار بدلًا من تقييمهم لتأثيره الكلي. بالإضافة، إلى توضيح أن الميل إلى تجنب المخاطر لدى الناس، هو سبب ارتفاع تقديرهم للأشياء في حوزتهم في مقابل نظيراتها غير المملوكة. هذه الظاهرة تسمى “أثر الوقف”.
٣) العدالة، لعبة الديكتاتور والتفضيلات الاجتماعية
بلغ وقع البحث النظري والتجريبي الذي قام به ثالر على مبدأ العدالة حدًّا فاعلًا جدًا.. فقد نبه إلى قوة تأثير مخاوف المستهلكين بشأن هذا المبد، حيث أثبت أن المستهلكين لهم قوة منع الشركات من رفع الأسعار في فترات ارتفاع الطلب على عكس الأمر في فترات ارتفاع التكاليف. قام بناء على ذلك مع مجموعة من زملائه بتصميم لعبة *الديكتاتور* وهي أداة تجريبية تم تطبيقها في كثير من البحوث على مجموعات مختلفة من الناس حول العالم، من أجل قياس السلوك والمواقف تجاه مبدأ العدالة.
٤) المخطط الفاعل وانعدام ضبط النفس
تمكن ثالر من تسليط الضوء على المشاهدات القديمة، التي ترى بصعوبة الحفاظ على استمرارية قرارات السنة الجديدة. فأنشأ نموذج المخطط-الفاعل كإطارعمل، في سبيل تحليل ماهية نقصان ضبط النفس لدى الشخص. يتماهى هذا النموذج مع نظيره المستخدم- حاليًا- لدى كل من علماء النفس وعلماء الأعصاب لوصف التوتر الداخلي عند الشخص فيم بين التخطيط على المدى الطويل والأفعال على المدى القصير.
٥) مصطلح الوكزية وتحسين ضبط النفس
الوكزية صاغ ثالر هذا المصطلح (مشتق من الوكز، وهي حركة تنبيه لطيفة بالكوع). هذا المفهوم، يمكنه أن يساعد المرء على بلوغ درجة أعلى في ضبط النفس، سواء أكان في مجال التوفير لمرحلة التقاعد أو في سياقات أخرى مختلفة، على حد سواء
اضف تعليق