القرآن الكريم إذا عملنا به نحصل على الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وإلّا فالخسارة في الدنيا والآخرة، وهذا ما نراه اليوم، فالمسلمون في مشاكل جَمّة، حيث الحروب موجودة في بلادهم، وكذلك القتل ونهب ثرواتهم. والسبب في ذلك هو أن غالب المسلمين لم ينصروا اللّه فلم ينصرهم...
يقول اللّه سبحانه وتعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ)(1).
دعائم النظام الأكمل
إن النظام الأكمل هو النظام الذي يشتمل على قائد ودستور وأتباع.
فإذا لم يوجد أتباع فلا يمكن تطبيق النظام، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا رأي لمن لا يطاع»(2)، والنظام يتوقف على قائد، وهذا القائد هو الذي يدير الأمر، ويتوقف على دستور يكون هو المرجع في كل شيء.
ولذلك حتى في أرقى الدول يوجد هناك رئيس تنفيذي، كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، أو غير ذلك، وهناك دستور وجماهير، فإذا كان الرئيس صالحاً والدستور كاملاً والناس ملتزمين فهذه الدولة تكون في تقدّم، وإلّا فالدولة في تأخّر.
1- القيادة
لقد أرسل اللّه سبحانه وتعالى الأنبياء وبعدهم الأوصياء، وقد عصمهم اللّه واصطفاهم، واجتباهم واختارهم وطهّرهم؛ وهم لا يخطأون أبداً فلذلك يكونون هم القادة.
2- الأتباع
قد تكون المشاكل والأخطاء بسبب الأتباع، يقول اللّه سبحانه وتعالى: (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ)(3).
ولنذكر مثالين:
في معركة أحد كان عدد المسلمين حدود رُبع عدد المشركين، فكان المسلمون سبعمائة والمشركون ثلاثة آلاف ـ على أقل تقدير ـ لكن خطط الرسول الحربية صارت سبباً لانتصار المسلمين في الجولة الأولى، ثم أكثرهم خالفوا أمر الرسول فتركوا مواقعهم وتركوا أمر اللّه ففروا من المعركة فدارت الدائرة على المسلمين.
وفي معركة صفين كان جيش الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حدود نصف عدد جيش معاوية، ومع ذلك حيث كانت خطط الإمام الحربية صحيحة كاد جيش الإمام (عليه السلام) أن ينتصر، وجيش معاوية أن ينهزم، لأن مالك الأشتر (رضوان اللّه عليه) وصل إلى قرب خيمة معاوية، أي: مركز القيادة، لكن الخوارج لم يسمحوا أن يتم هذا النصر، فقد كانوا عشرين ألف شخص، اجتمعوا حول أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقالوا له: إمّا أن تقول لمالك الأشتر أن يرجع أو نقتلك، وكان هذا بداية الوهن في صفوفهم، فأدّى ذلك بعد حين إلى استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيطرة بني أمية.
3- الدستور
ودستور الإسلام هو القرآن الكريم، ثم كلام الرسول والأئمة (عليهم السلام)، الذي هو المفسّر للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ)(4) وقال سبحانه: (ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ)(5) فكلام الرسول والأئمة (عليهم السلام) هو تفسير للقرآن؛ لأن القرآن ورد فيه كل شي، قال تعالى: (مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ)(6).
ففي القرآن كل شيء ولا يمكننا الوصول إليها لأنها من بطون القرآن إلّا أن الرسول والأئمة (عليهم السلام) هم الذين بينوا لنا ذلك، فكلامهم تبيين للقرآن.
والحاصل: إن هذا هو الدستور ـ القرآن الكريم ـ الذي يجب أن نعمل به، فإذا عملنا به نحصل على الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وإلّا فالخسارة في الدنيا والآخرة، وهذا ما نراه اليوم، فالمسلمون ـ مع الأسف ـ في مشاكل جَمّة، حيث الحروب موجودة في بلادهم، وكذلك القتل ونهب ثرواتهم. والسبب في ذلك هو أن غالب المسلمين لم ينصروا اللّه فلم ينصرهم، قال تعالى: (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ)(7)، فاللّه سبحانه وتعالى ينصرنا بشرط أن نعمل بشكل صحيح.
لقد نزلت الملائكة يوم بدر لنصرة المسلمين، وأمّا يوم أحد فلم تنزل، وذلك لأن أكثر المسلمين خالفوا كلام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ولم يسمعوا له، فقد أمر الرماة أن لا ينزلوا من الجبل، ولكن أكثرهم خالفوا كلامه، وتركوا الجبل، وأمر المسلمين بالثبات لكن أكثرهم فرّ من المعركة فحدث ما حدث.
الاهتمام بالقرآن
يجب علينا أن نلتزم بما يقوله القرآن الكريم، ونجعله أمامنا، ونعمل به، وقد ورد في وصف الرسول (صلى الله عليه وآله)أنه: «كان خُلُقه القرآن»(8)، فماذا يعني هذا؟
إن كل إنسان عنده خَلْق وخُلُق، والخَلْق هي الصورة الظاهرية والشكل، وأمّا الخُلُق فهو الصورة الباطنية، ومعنى (كان خُلقه القرآن) هو أن الصورة الباطنية مطابقة مع القرآن مائة بالمائة، وهذا ما صرح به القرآن الكريم بقوله: (فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ)(9)، وكذلك قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ)(10).
والاهتمام بالقرآن يكون ضمن أمور:
الخطوة الأولى التي ينبغي على الإنسان أن يفعلها هي تعلّم قراءة القرآن، فالكثير من الناس لا يتمكّنون من قراءة القرآن.
والخطوة الثانية هي فهم معاني الآيات، لأن بعض الكلمات الفصيحة العربية غير متداولة في لساننا الدارج، والكلمة إذا لم تكن متداولة لا يعرف الإنسان معناها ـ عادة ـ وهذا بخلاف الكلمة المتداولة في الإعلام والتي تستعمل كثيراً فكل الناس يعرفون معناها. وفهم معاني كلمات القرآن أصبح الآن أمراً سهلاً ميسوراً، وذلك لوجود التفاسير، والمعاجم اللغوية.
وأمّا الخطوة الثالثة فهي العمل بالقرآن، إذ لا تنفع القراءة من غير عمل، وفي الحديث: «رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه»(11)، فالذين خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) في النهروان كانوا أربعة آلاف شخص من قرّاء القرآن، إلّا أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وصفهم بقوله: «يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم»(12)، فهؤلاء لم ينزل القرآن إلى قلوبهم، ولم يفهموه.
إن فهم القرآن أمر ضروري جداً، لكي يعمل به فيكون شفيعاً له، لأن القرآن الذي لا يُعمل به يشتكي يوم القيامة، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا)(13)، فالشاكي هو الرسول، والمشكي إليه هو اللّه سبحانه وتعالى، والقضية المرفوعة هي هجران القرآن، فالحكم سلفاً واضح، ويكون لصالح الرسول والقرآن.
وعن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنه قال لرجل: «أتحب البقاء في الدنيا؟ فقال: نعم، فقال: ولم؟ قال: لقراءة قل هو اللّه أحد، فسكت عنه فقال له بعد ساعة: يا حفص، مَن مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن عُلّم في قبره ليرفع اللّه به من درجته، فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال له: اقرأ وارقَ، فيقرأ ثم يرقى»(14). فكلما قرأ آية صعد درجة من درجات الجنة، وكلما عمل الإنسان كانت درجته يوم القيامة أعلى.
إنه يجب على المسلمين احترام القرآن الكريم، ولذا لا بدّ من الاستماع إلى القرآن حين تلاوته، فقد قال اللّه تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)(15)، فاستماع القرآن يوجب رحمة اللّه سبحانه وتعالى.
لقد ورد في حديث شريف: «القرآن عهد اللّه إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية»(16). فينبغي على كل إنسان أن يقرأ ما استطاع من القرآن، وكل بحسب مقدرته، وما يسمح به وقته. وهذا هو احترام للقرآن، والإنسان الذي يحترم القرآن يوفقه اللّه عزّ وجلّ، وبخلاف ذلك، فالإنسان الذي لم يحترم القرآن فإن اللّه سبحانه وتعالى يسلب التوفيق منه، وكل ذلك مقدمة للعمل به ليفوز الإنسان بسعادة الدارين.
اضف تعليق