فنّ المُناظرة غير مقتصر على البُعد النظري، بل له عُلقة وثيقة بالمُناظرة العمليّة، فاذا لم يخض الإنسان حلق المناظرات ويشرع بمناظرة الآخرين لا يتسنّى له إتقان فنّ المُناظرة، إنّ البحث هو بيان لفنون المناظرة عند الشيعة الإماميّة وكيف أنهم فاقوا الآخرين في هذا العلم وقدّموا...
كنت قد كتبت كتاباً حول التأليف واسميته (ألف باء التأليف) وهو عبارة عن خلاصة تجاربي في التأليف وقد أثنى عليه بعض عشّاق الكتابة والتأليف.
وبعد فترة درّست بعض الطلبة فنون المُناظرة لدى الشيعة الإماميّة، فلاحظت شدّة إعجابهم بالمباحث ومدى إقبالهم الواضح على الاستفادة منها، فوجدت من المناسب أيضاً أن أجمع هذه الدروس في بحث مستقل لتعمّ الفائدة خاصة أن من كتبوا حول الاحتجاج والمُناظرة لدى الشيعة الإماميّة عادة ما اقتصروا على ذكر المناظرات ولم يتعرّضوا إلى نهج المناظرة وبعض النكات المستوحاة من مناظرات الشيعة الإماميّة، ولم يسلّطوا الأضواء على كيفيّة تربية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لشيعتهم على ذلك.
بالطبع فنّ المُناظرة غير مقتصر على البُعد النظري، بل له عُلقة وثيقة بالمُناظرة العمليّة، فاذا لم يخض الإنسان حلق المناظرات ويشرع بمناظرة الآخرين لا يتسنّى له إتقان فنّ المُناظرة، إلا أنّ ذلك لا يقلّل من أهميّة الاطلاع على أُسس المُناظرة، فمن لم يطّلع المُناظر على ضوابط المُناظرة ويعرف ضوابطها وآدابها وأشكالها لا يتسنّى له اقتحام ميادين المُناظرات، وقد حرصت على دعم الأفكار والمطالب بالأمثلة والشواهد ليسهل فهمها وترسخ في الأذهان.
يبقى القول إنّ البحث هو بيان لفنون المناظرة عند الشيعة الإماميّة وكيف أنهم فاقوا الآخرين في هذا العلم وقدّموا أنصع الصور في فنون المُناظرة، ومن أراد التفصيل فليراجع البحوث المُفصّلة.
حقيقة المُناظرة
قبل التعرّض إلى فنون المُناظرة لدى الشيعة الإماميّة ينبغي أن نُعرّف بعض الاصطلاحات ومنها:
1- المُناظرة لغة من النظير، يقال: ناظر فلاناً أي صار نظيراً له، وناظر فلاناً: باحثه وباراه في المُجادلة، وناظر الشيء بالشيء: جعله نظيراً له، فهي مأخوذة من النظير أومن النظر بالبصيرة، ونظر في الشيء أي أبصره (1).
أمّا في الاصطلاح فهي حوار بين شخصين أو فريقين يسعى كل منهما إلى إعلاء وجهة نظره حول موضوع معيّن، والدفاع عنها بشتّى الوسائل العلميّة والمنطقيّة، واستخدام الأدلّة والبراهين على تنوّعها، محاولاً تفنيد رأي الطرف الآخر، وبيان الحُجج الداعية للمحافظة عليها أو عدم قبولها.
وقيل: إنّها محاورة بين فريقين حول موضوع ما لكل منهما وجهة نظر فيه تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، فالمُناظر يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع رغبته الصادقة بظهور الحق والاعتراف به لدى ظهوره.
2- المُحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب، يقال: حدثته فما حار إليّ، أي ما ردّ الجواب.
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) (2): أي يراجعه الكلام، من حار يحور إذا رجع (3).
3- المُجادلة: الجدل لغة هو اللدد واللجاج في الخصومة بالكلام، وهو عادة ما يقارن لاستعمال الحيلة الخارجة عن العدل والإنصاف، ولذا نهى الإسلام عنها خاصة في الحج في قوله: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (4) وكذا في الإعتكاف.
قال الراغب الأصفهاني: الجدال هو المفاوضة على سبيل المُنازعة والمُغالبة، وأصله من جدلت الحبل أي: أحكمت فتله ومنه: الجَدِيل، وجدلت البناء: أحكمته، ودرع مَجْدُولَة، والأَجْدَل: الصقر المحكم البنية. والمِجْدَل: القصر المحكم البناء، ومنه: الجِدَال، فكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه (5).
وهذه الكلمة منقولة من كلمة (طوبيقا) اليونانية، ولفظ الجدل أنسب الألفاظ العربية لـ (طوبيقا) من سائر الكلمات مثل كلمة: المُناظرة، والمُحاورة، والمُباحثة، وإن كانت كل من هذه الكلمات تُناسب هذه الصناعة بالجملة (6).
3- الاحتجاج: أو المُحاجّة مُنتزعة من مادّة (حجّ) أي القصد، والمُراد به قصد ومواجهة الآخرين بالدليل والبرهان.
وبعبارة أخرى المحاجّة هي تقديم الحجج المدعمة بالأدلة والبراهين بهدف إثبات صحة رأي أو عقيدة معينة أو تفنيدهما.
قال تعالى على لسان نبيّه إبراهيم (عليه السلام): (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (7).
4- المُنزاعة: التنازع والمُنزاعة هي المُجاذبة، وقد نُهي عنها في القرآن حيث قال تعالى: (لَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (8).
5- المُخاصمة: هي الجدل (9)، وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): فلا تخاصموا الناس لدينكم فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب (10).
6- المُماراة: المراء على وزن حجاب، وهو الكلام في شيء ما فيه مرية أو شك، وقد نُهي عنه في الأحاديث الشريفة ومن ذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ترك المراء وهو مُحق بُنى له بيت في أعلى الجنّة، ومن ترك المراء وهو مُبطل بنى الله له بيتاً في أعلى رياض الجنّة (11).
وهو من المُحرّمات في الحج والاعتكاف وإلى ذلك يُشير العلاّمة الحلي (رحمه الله) قائلاً: العشرون: يحرم عليه -أي الحاج- المماراة والكلام الفحش (12).
وقال (رحمه الله) أيضاً: مسألة (183): يحرم على المُعتكف المُماراة، لقول الباقر (عليه السلام): ولا يُماري (13).
7- المُكابرة: قال في (تاج العروس): مادّة (كبُر): كابره على حقّه: جاحده وغالبه عليه، وكوبر على ماله، وإنّه لمكابر عليه: إذا أخذ منه عنوة وقهراً (14).
فروق الاصطلاحات
ليس هناك شك أنّ بين الإصطلاحات المذكورة توجد فوارق وإلى ذلك يشير الشيخ الطبرسي (رحمه الله) قائلاً: المُخاصمة، والمُجادلة، والمُناظرة، والمُحاجّة، نظائر، وإن كان بينها فرق، فإنّ المُجادلة هي المُنازعة فيما وقع فيه خلاف بين اثنين، والمُخاصمة: المُنازعة بالمُخالفة بين اثنين على وجه الغلظة.
والمُناظرة: فيما يقع بين النظيرين.
والمُحاجّة: في محاولة إظهار الحجّة، وأصل المُجادلة من الجدل، وهو شدّة الفتل (15).
وقبل بيان الفروق بين الإصطلاحات لا بأس أن نُشير إلى المُشتركات ومنها:
1- أنّ المُناظرة وغيرها تشترك في الهدف منها وهو إقناع الطرف المقابل.
2- الاشتراك في مواد القضايا والاستدلال، فإنّ المُناظر أو المُجادل بل حتى الذي ينازع الآخرين يستفيد في غالب الأحيان من نفس مواد الاستدلال والقضايا من أجل خصم الطرف المقابل.
وبالطبع معرفة هذه الفروق له مدخليّة كبيرة في بيان المُناظرة المُفيدة من دونها ولذا لا مندوحة هنا من بيان هذه الفروق ومنها:
1- الفرق بين المُناظرة، والحوار، والجدال: هناك اشتراك بين الحوار والمناظرة وهو أنهما يجتمعان في طلب الحق، ولكن هناك فرق بينهما وهو أنّ المناظرة تعتمد على التفكر والنظر أكثر وهذا جلي من لفظها بخلاف الحوار فهو يدل على مطلق تبادل الكلام.
أمّا الفرق بين المجادلة والحوار والمناظرة فهو فرق أساسي لأنّ المجادلة مأخوذ في مفهومها المنازعة لإلزام الخصم ولا يفرق سواء أكان ذلك كلام المُجادل فيه فاسداً أم صحيحاً، أمّا المناظرة فهي تبادل الحديث بين طرفين للوصول إلى الحق.
2- الفرق بين المُناظرة، والمُنازعة: فإنّ المُنازعة عادة ما تكون مقرونة بالغضب والسعي من أجل الغلبة على الطرف المقابل بأيّ نحو كان، بخلاف المُناظرة فهي قائمة على البرهان والمنطق وتجنّب الخصومة والابتعاد عن الأخلاق السيّئة.
3- الفرق بين الجدل، والمراء، والمُخاصمة: قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): أقول هذه الألفاظ الثلاثة مُتقاربة المعنى وقد ورد النهي عن الجميع في الآيات والأخبار وأكثر ما يُستعمل المراء والجدال في المسائل العلميّة والمُخاصمة في الأمور الدنيويّة، وقد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار الفضل والكمال والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم و ذلّته.
وقيل: الجدل في المسائل العلميّة والمراء أعم، وقيل: لا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال، فإنّه يكون ابتداءاً واعتراضا و الجدل أخص من الخصومة، يقال: جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدّت خصومته وجادل مجادلة وجدالاً إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب و الخصومة لا تعتبر فيها الشدّة ولا الشغل (16).
يبقى القول: في بعض الأحيان نستخدم في البحث سائر الاصطلاحات الأخرى بلحاظ المُشتركات العامّة بينها وبين المُناظرة فلا يُشكل علينا بالخروج عن ضوابط البحث الموضوعي.
حقائق عن علم المُناظرة
بعد أن بيّنا حقيقة المُناظرة لابد من بيان بعض الحقائق عن علم المُناظرة، فنقول: علم المُناظرة يمنح المُناظر مجموعة من الضوابط على ضوئها يتمكن المُناظر الدفاع عن رأيه أو الهجوم على رأي الطرف المقابل.
ثم إنّ لفظ المُناظرة يُطلق ويُراد به أحد معنين:
الأول: هو العلم الذي يمنح المُناظر مجموعة من الضوابط التي على ضوئها يتمكن المُناظر الدفاع عن رأيه أو الهجوم على رأي الطرف المقابل.
الثاني: اسم للمحاورة التي تجري بين اثنين فأكثر بقصد ظهور الحق.
وبعبارة أخرى: إنّ لفظ المُناظرة تارة يُطلق ويُراد به قواعد هذا الفن، وأخرى يُطلق على اسم مُصطلح من مصطلحات هذا العلم وهو المُحاورة بين اثنين بقصد ظهور الحق.
واحترزنا بقيد (بقصد ظهور الحق) عن المُجادلة والمُكابرة، فهي محاورة بين اثنين لا لإظهار الحق بل لإلزام الخصم.
لماذا نناظر؟
لكي يتضح الجواب على السؤال أعلاه ينبغي ن نلقي نظرة سريعة على الدواعي التي تقود الموالي إلى المناظرة ومنها:
1- القرآن يدعو إلى المناظرة: هناك أكثر من آية في القرآن الكريم يظهر منها الدعوة والتأكيد على المُجادلة ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (17)، فالآية لا تنهى عن المُجادلة بل تدعوا إلى المُجادلة بالتي هي أحسن.
وقال عزّ من قائل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (18).
وفي أحوال نبي الله نوح (عليه السلام) جاء أنّه كان كثيراً ما يُجادل قومه لهدايتهم، قال تعالى: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (19).
وفي بعض الآيات هناك إشارات إلى مجادلة ومناظرات الأنبياء (عليهم السلام) ومنها ما ورد في نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مع نمرود، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (20).
وقال تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُون) (21).
وغيرها من الآيات التي يظهر منها تأكيد القرآن الكريم على المُجادلة والمُناظرة ولكن بشرائط خاصة.
2- تأكيد أهل البيت (عليهم السلام) على المُناظرة: أكد أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديثهم الشريفة على المُناظرة، والمُجادلة، والمُخاصمة، وحثّوا عليها ومن ذلك ماورد في الخبر أنّ شامياً قصد الإمام الصادق (عليه السلام) وأراد مناظرته، فأشار عليه بمناظرة بعض أصحابه، فأبى الشامي وقال: صرت إليك لأناظرك، إنّما أريدك لا فلاناً، فقال (عليه السلام): إن غلبته فقد غلبتني (22).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبان بن تغلب: ناظر أهل المدينة، فإنّي أحب أن يكون مثلك من رواتي ورجالي (23).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): حاجّوا الناس بكلامي، فإن حاجّوكم كنت أنا المحجوج لا أنتم (24).
وعن أحمد بن محمد (بسنده) عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال لي: خاصموهم وبيّنوا لهم الهدى الذي أنتم عليه، وبيّنوا لهم ضلالهم وباهلوهم في علي (عليه السلام) (25).
وقد جعل الإمام الصادق (عليه السلام) مؤمن الطاق للمناظرة في الكلام، وهشام بن الحكم للمناظرة في الإمامة والعقائد، بل بلغت مرتبة هشام وعلوّه شأنه عند الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه دخل عليه بمنى وهو غلام أوّل ما اختط عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة: كحمران بن أعين، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبو جعفر الأحول، وغيرهم، فرفعه على جماعتهم وليس فيهم إلّا من هو أكبر سنّا منه، ولمّا رأى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: هذا ناصرنا بقلبه، ولسانه، ويده.
وقال (عليه السلام) له بعد أن أجابه على سؤاله عن أسماء اللّه عزّ وجلّ واشتقاقها: أفهمت يا هشام فهماً تدفع به أعدائنا المُلحدين مع اللّه عزّ وجلّ؟.
فقال هشام: نعم.
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): نفعك اللّه به وثبّتك.
قال هشام: فو اللّه ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا (26).
بل كان المعصومون (عليهم السلام) أنفسهم يناظرون الآخرين والشواهد على ذلك كثيرة، ويكفى مطالعة كتاب (الاحتجاج)، وكتاب (مواقف الشيعة)، وكتاب (مناظرات في الإمامة) وأمثالها من الكُتب التي جُمعت فيها مناظرات أهل البيت (عليهم السلام).
3- الثواب العظيم: لا يخفى أنّ المُناظرة هي نوع من دعوة الآخرين، والمُناظر-إن كان يدعو إلى الحق- فهو يُشارك الأنبياء (عليهم السلام) في رسالتهم ألا وهي الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (27).
وفي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): من أعاننا بلسانه على عدوّنا أنطقه الله بحجّته يوم موقفه بين يديه عزّ وجلّ (28).
4- وسيلة للهداية: من أهم وسائل هداية الآخرين وجذبهم إلى الحق هي المُناظرة، وكم هم الذين اتبّعوا الحق بسبب المُناظرة، وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً الإمام علي (عليه السلام) قال: ياعلي لا تُقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس (29).
وقد ذكر الشيخ فارس الحسون (رحمه الله): أنّ 80% من المُتشيّعين في الآونة الأخيرة تشيّعوا بسبب كتاب (المُراجعات) وهو مناظرة بين علم من أعلام الشيعة ورئيس الأزهر.
وقال السيّد الميلاني أيضاً: فهناك المئات من الناس في مختلف البلدان تشيّعوا ببركة كتاب المراجعات لآية الله السيّد عبدالحسين شرف الدين (قدّس سرّه).
وتلك قصّة العلامة الحلّي وتشيّع أمّة بكاملها على أثر مناظرة واحدة قام بها مع كبار علماء عصره من أهل السنّة في البلاد الإيرانيّة (30).
5- نشر الفكر: لا شك أنّ المُناظرة وسيلة مهمّة للتواصل الفكري واطلاع الآخرين على الفكر، بل من خلال المُناظرة يُعرف مدى رصانة الفكر وأصالته من ركاكته، وكمثال على ذلك فإنّ كثيراً من الذين ناظروا علماء الشيعة أقرّوا برصانة فكرهم وحصافة آرائهم.
يقول الشيخ الأحمدي في مقدمته لكتابه في المناظرات المسمى بـ (مواقف الشيعة): من تدّبر في هذه الاحتجاجات يستفيد منها الأمور التالية:
ألف: يعرف ميزان القوّة العاقلة والتفكر والدقّة عند الشيعة، وأنّهم علماء وحكماء وعقلاء، بل في القمّة من العقليّات، وأنّ لهم النشاط السامي في التفكر والتحقيق، والغور في المسائل النظرية، وتمييز الحق من الباطل، لا يسأمون ولا يملّون، فيقف طبعاً عندئذ على ضعف مخالفيهم من هذه الجهات (31).
ولمّا ناظر هشام بن الحكام عمرو بن عبيد وأفحمه بأسلوبه الرائع المنطقي أدرك عمرو أنّه هشام، لعلمه أنّ هكذا فكر ومنطق لا يوجد إلا لدى أتباع الإمام الصادق (عليه السلام)، بل إنّ هكذا فكر لم يهتدي إليه إلا لدى خواص الشيعة أمثال هشام بن الحكم، ولذا سأله بعد أن أحس بضعف منطقه وتغلّب هشام عليه، فقال: أنت هشام؟
فقلت: لا.
فقال لي: أجالسته؟
فقلت: لا.
قال: فمن أين أنت؟
قلت: من أهل الكوفة، قال: فأنت إذا هو (32).
6- بيان العقائد: تساهم المُناظرة بشكل كبير في بيان العقائد الحقّة وتصحيح عقائد الناس، ولذا عمد كثير من الأنبياء إلى المنُاظرة ومنهم نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الذي ناظر قومه في عقيدتهم بالأصنام.
قال تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ*وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ*وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (33).
7- بيان الحقائق: فإنّ المُناظرة تُظهر للآخرين الحقائق وتُطلعهم على خفايا ما غاب عنهم حول الطرف المقابل، خاصة الشيعة فقد وقعوا على طول التأريخ موضع التُهم والافتراءات من قبل الكثير ولم يسنح لهم الزمن في بيان عقائدهم إلا في بعض الحُقب الزمنيّة المختصرة.
ولذا تجد أنّ الشيعة عبر التأريخ يناظرون ويدافعون عن عقيدتهم ويوضّحون للعالم حقائق مذهبهم الأصيل.
بالطبع ينبغي للمُناظر أن يُراعي الدقّة في مناظراته لأنّه يعكس انطباعاً وحقائق عمّا يناظر فيه، ولذا نهى الأئمة (عليهم السلام) بعض الأصحاب عن المُناظرة وجوّزوها لغيرهم.
فمن كلام للشهيد الثاني (رحمه الله) في بيان شروط المناظرة، قال: اعلم أنّ المُناظرة في أحكام الدين من الدين ولكن لها شروط ومحل ووقت فمن اشتغل بها على وجهها وقام بشروطها فقد قام بحدودها و اقتدى بالسلف فيها، فإنّهم تناظروا في مسائل، وما تناظروا إلا لله ولطلب ما هو حق عند الله تعالى (34).
8- دفع الشُبهات: في بعض الأحيان تعم الشُبهات بين الناس وتنتشر التُهم ممّا يحدو بأهل الاختصاص والخبرة إلى أن يظهروا علومهم ويزيحوا الريب، وكما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ظهرت البدع في أمّتي فليُظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله (35).
9- التواصل المنطقي مع الآخرين: فمن الضروري بمكان أن تبتني علاقة المجتمع الواعي على المنطق والاحترام، وقد يقال: إنّ خير وسيلة لهذا التواصل المنطقي مع الآخرين هي المناظرة حيث يتواصل الجميع من خلالها بالمنطق والحكمة.
ولذا كان الأنبياء والرسل يناظرون أُممهم ويتواصلون معهم عبر المناظرة ويظهرون لهم العقائد السليمة.
10- إظهار المحاسن والمساوئ: فمن خلال المناظرة تتضح محاسن ومساوئ الأديان والمذاهب وغيرها من الرؤى والأفكار، وما لم يخوض الإنسان حلق المناظرة ويتكلّم لا تظهر محاسن ومساوئ عقائده ورؤاه وأفكاره، وكما في الحديث عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: تكلّموا تُعرفوا فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه (36).
وكمثال على يذكر لنا الشيخ التيجاني-الذي يعد اليوم من المُدافعين عن التشيّع- كيف ناظر صغار طلبة الحوزة في النجف الأشرف، فاكتشف سعة اطلاعهم ومدى تصلّبهم في العقيدة وكيف شعر آنذاك أنّه صار أمامهم كالتلميذ أمام الأستاذ، فقال: أدخلني صديقي إلى مسجد في جانب الحرم مفروش كُلّه بالسجّاد، وفي محرابه آيات قرآنية منقوشة بخط جميل، ولفت انتباهي مجموعة من الصبيان المُعمّمين جالسين قرب المحراب يتدارسون وكُلّ واحد في يده كتاب، فأعجبت لهذا المنظر الجميل، ولم يسبق لي أن رأيت شيوخاً بهذا السنّ أعمارهم تتراوح ما بين الثالثة عشر والسادسة عشر، وقد زادهم جمالا ذلك الزي فأصبحوا كالأقمار.
إلى أن يقول: طلب إليهم صديقي أن أجلس معهم ريثما يذهب للقاء (السيّد)، ورحّبوا بي وأحاطوني بنصف دائرة، وأنا أنظر في وجوههم وأستشعر براءتهم ونقاوة سريرتهم، وأستحضر في ذهني حديث النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: يولد المرء على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، وقلت في نفسي: أو يشيّعانه.
ثم يسترسل في نقل مناظرته مع هؤلاء الفتية من طلاب العلم إلى أن يقول: سألوني من أيّ البلاد أنا؟
قلت: من تونس، قالوا: هل يوجد عندكم حوزات علمية؟
أجبتهم: عندنا جامعات ومدارس، وانهالت علي الأسئلة من كُلّ جانب، وكُلّها أسئلة مركّزة ومحرجة، فماذا أقول لهؤلاء الأبرياء الذين يعتقدون أنّ في العالم الإسلامي كُلّه حوزات علمية تدرّس الفقه وأصول الدين والشريعة والتفسير، ومايدرون أنّ في عالمنا الإسلامي وفي بلداننا التي تقدّمت وتطوّرت، أبدلنا المدارس القرآنية بروضات للأطفال يشرف عليها راهبات نصرانيات، فهل أقول لهم إنّهم ما زالوا متخلّفين بالنسبة إلينا؟
وسألني أحدهم: ما هو المذهب المتّبع في تونس؟
قلت: المذهب المالكي، ولاحظت بعضهم يضحك، فلم أهتمّ لذلك، قال: ألا تعرفون المذهب الجعفري؟
فقلت: خير إن شاء الله، ما هذا الاسم الجديد؟
لا، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة، وما عداها فليس من الإسلام في شيء.
وابتسم قائلا: عفواً إنّ المذهب الجعفري هو محض الإسلام، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة: لولا السنتان لهلك النعمان، سكتُّ ولم أبدِ جواباً، فقد أدخل عليّ اسماً جديداً ما سمعت به قبل ذلك اليوم، ولكنّي حمدتّ الله أنّه -أي إمامهم جعفر الصادق- لم يكن أستاذاً للإمام مالك وقلت: نحن مالكية ولسنا أحنافاً!
فقال: إنّ المذاهب الأربعة أخذوا عن بعضهم البعض، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي، والشافعي أخذ عن مالك، وأخذ مالك عن أبي حنيفة، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فكُلّهم تلاميذ لجعفر بن محمّد، وهو أوّل من فتح جامعة إسلامية في مسجد جدّه رسول الله، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدّث وفقيه.
وعجبت لهذا الصبيّ الذكيّ الذي يحفظ ما يقول مثل ما يحفظ أحدنا سورة من القرآن، وقد أدهشني أكثر عندما كان يسرد عليّ بعض المصادر التاريخية التي يحفظ عدد أجزائها وأبوابها، وقد استرسل معي في الحديث وكأنّه أستاذ يعلّم تلميذه.
وشعرت بالضعف أمامه، وتمنّيت لو أنّي خرجت مع صديقي ولم أبق مع الصبيان، فما سألني أحدهم عن شيء يخصّ الفقه أو التاريخ إلاّ وعجزت عن الجواب.
سألني: من أقلّد من الأئمّة؟
قلت: الإمام مالك!
قال: كيف تقلد ميتاً بينك وبينه أربعة عشر قرناً، فإذا أردت أن تسأله الآن عن مسألة مستحدثة فهل يُجيبك؟
فكّرت قليلا وقلت: وأنت جعفرك مات أيضاً منذ أربعة عشر قرناً فمن تقلّد؟
أجاب بسرعة هو والباقون من الصبية: نحن نقلّد السيّد الخوئي فهو إمامنا.
ولم أفهم أكان الخوئي أعلم أم جعفر الصادق، وبقيت معهم أحاول تغيير الموضوع، فكنت أسألهم عن أيّ شيء يلهيهم عن مسألتي، فسألتهم عن عدد سكّان النجف؟ وكم تبعد النجف عن بغداد؟ وهل يعرفون بلداناً أُخرى غير العراق؟ وكلّما أجابوا أعددت لهم سؤالاً غيره حتّى أشغلهم عن سؤالي لأنّي عجزت وشعرت بالقصور، ولكن هيهات أن أعترف لهم وإن كنت في داخلي معترفاً، إذ إنّ ذلك المجدّ والعزّ والعلم الذي ركبني في مصر تبخّر هنا وذاب، خصوصاً بعد لقاء هؤلاء الصبيان، وعرفت الحكمة القائلة:
فقل لمن يدّعي في العلم فلسفةً، عَرفِتَ شَيئاً وغابت عنك أشياء، وتصوّرت أنّ عقول هؤلاء الصبيان أكبر من عقول أُولئك المشايخ الذين قابلتهم في الأزهر، وأكبر من عقول علمائنا الذين عرفتهم في تونس (37).
11- سيرة السلف: جرت سيرة السلف الصالح منذ عهد الأئمة (عليهم السلام) على المُناظرة والحوار.
يقول الشيخ المُفيد (رحمه الله): وكان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر، ويعتمدون الحجاج ويجادلون بالحق، ويدمغون الباطل بالحُجج والبراهين، وكان الأئمة (عليهم السلام) يحمدونهم على ذلك ويمدحونهم ويثنون عليهم بفضل (38).
وكمثال على ذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام) للطيّار: يا عبدالرحمن، كلّم أهل المدينة، كان أبو الحسن (عليه السلام) يأمر محمد بن حكيم أن يجالس أهل المدينة، وأن يكلّمهم ويخاصمهم (39).
وروي أنّ أبا هذيل العلاّف قال لهشام بن الحكم: أناظرك على أنّك إن غلبتني رجعت إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعت إلى مذهبي.
فقال هشام: ما أنصفتني! بل أناظرك على أنّي إن غلبتك رجعت إلى مذهبي، وإن غلبتني رجعت إلى إمامي (40)، الأمر الذي يكشف عن أنّ أصحاب الأئمة كانوا يرجعون في مناظراتهم إليهم (عليهم السلام).
12- رفع الخلافات: عادة ما تُساهم المُناظرة بشكل كبير في رفع الخلافات بين الأطراف وتُقرّب بينهم، وهذا في حدّ ذاته له قيمته وأهميّته خاصة أنّ الله عزّ وجلّ ولحكمة ما خلق الناس مختلفين وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (41).
13- لرفع مُسائلة الآخرة: في بعض الأحيان يشعر المُناظرة أن لا فائدة من مناظرة الآخرين ولكنّه يناظرهم كي لا يكون مسؤولاً يوم القيامة وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (42).
طُرق المُناظرة
للمُناظرة طرق مُتعدّدة وأساليب مختلفة نشير إلى بعضها باختصار ومنها:
1- طريقة المباحثة: وكانت هذه الطريقة كما يُنقل رائجة في إيران قبل الإسلام، وقد انتقلت بعد ظهور الإسلام في إيران إلى طلبة العلوم الدينية بشكل واسع حتى عصر المشروطة حيث بلغت أوج زمانها فشهدت البلاد العديد من المُناظرات في الحوزات العلمية والجامعات وغيرها من المحافل.
وقيل: إنّ هذه الطريقة من المُناظرة طالت حتى محاضرات الوعّاظ حيث كان الشارع العام يتأثّر بمواعظ الوعّاظ ويختلفون فيها بين مؤيّد ومخالف فيتناظرون ويُدلي كل برأيه إزاء ما يتعرّض إليه الواعّاظ من مطالب.
2- المُناظرات الجماعيّة: وهي مناظرات تعقدها جهات معيّنة ويُشارك فيها العديد من ذوي الاختصاص، وتمتاز هذه الطريقة عن غيرها بإمكان مشاركة المُستعمين في المُناظرة وأحقيّتهم بإبداء آرائهم في البحث.
3- المُناظرة الديالكتية: كلمة (ديالك تيك) كلمة يونانيّة تعني المُناظرة والمُباحثة بكيفيّة خاصة، وكان سقراط يتبعها هذه الطريقة لرفع أخطاء الأطراف المُقابلة وكيفيّتها: أن يشرع المُناظر بالسؤال عن أمور بديهيّة ويُشير إلى مقدّمات مسلّمة يجلب من خلالها إقرار الطرف المقابل بإمور ثم يتدرّج بسؤالاته ومقدّماته بحيث يجد الطرف المُقابل نفسه أنّها سلّمت بمُدّعاه دون أن تعلم.
وتُسمّى هذه الطريقة من المُناظرة في العلوم الحديثية بطريقة سقراط.
4- طريقة المُؤتمرات: وهي أن يعقد مؤتمراً حول موضوع خاص يشارك فيه أهل الاختصاص والتحقيق وتقام المناظرة بينهم، ويبدي كل منهم آرائه ويوضح مطالبه خلال جلسات المؤتمر (43).
أقسام المُناظرة
تنقسم المُناظرة إلى قسمين:
1- مناظرة إيجابية: وعُبّر عنها في القرآن: بالمُناظرة بالتي هي أحسن.
2- مناظرة سلبية: وعُبّر عنها في الأحاديث: بالمُناظرة بغير التي هي أحسن.
وقد تعرّض أهل البيت (عليهم السلام) إلى القسمين في أحاديثهم الشريفة ومنهم الإمام الصادق (عليه السلام) عندما ذُكر عنده الجدال في الدين، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) قد نهوا عنه، فقال (عليه السلام): لم ينه عنه مطلقاً، ولكنّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله يقول: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؟ (44)، وقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؟ (45).
فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم حرمه الله على شيعتنا، وكيف يُحرّم الله الجدال جملة وهو يقول: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) (46).
وقال الله تعالى: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)؟ (47).
فجعل علم الصدق الاتيان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟
قيل: يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن؟.
قال (عليه السلام): أمّا الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقّاً يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة، لأنّك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المُبطلين، أمّا المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجّة له على باطله، وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المُحق في يد المبطل.
وأمّا الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله تعالى حاكيا عنه: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (48).
فقال الله تعالى في الردّ عليه: قل يا محمد: (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (49).
فأراد الله من نبيّه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟
فقال الله: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) أفيعجز من ابتدأ به لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟
بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) (50)، أي: إذا كان قد كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنّه على إعادة من بلي أقدر، ثم قال: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (51).
أي: إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن يقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لأنّ فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم، وأمّا الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقّاً لا يمكنك أن تفرّق بينه وبين باطل من تجادله، وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرّم لأنّك مثله، جحد هو حقّاً وجحدت أنت حقّاً آخر (52).
خصائص المُناظرة الإيجابية
حتى تكون المُناظرة إيجابية مُفيدة ينبغي أن تتوفّر فيها أمور منها:
1- الإخلاص: قال الشهيد الأول في كتابه (مُنية المُريد) في شروط المُناظرة وآدابها: اعلم أنّ المُناظرة في أحكام الدين من الدين ولكن لها شروط ومحل ووقت، فمن اشتغل بها على وجهها وقام بشروطها فقد قام بحدودها واقتدى بالسلف فيها، فإنّهم تناظروا في مسائل وما تناظروا إلا لله ولطلب ما هو حق عند الله تعالى، ولمن يناظر لله وفي الله علامات بها تتبيّن الشروط والآداب (53).
وفي الحديث: من تعلّم العلم ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو يصرف وجوه الناس إليه ليرئسوه ويعظموه، فليتبوأ مقعده من النار (54).
2- إثبات الحق: لابد أن تكون المُناظرة لإثبات الحق وبيان الحقائق للناس وليست المُناظرة في نفسها مطلوبة.
يقول الشهيد الثاني (رحمه الله) في شروط المناظرة: ولمن يناظر الله وفي الله علامات، بها تتبين الشروط والآداب:
الأولى: أن يقصد بها إصابة الحق وطلب ظهوره كيف اتفق، لا ظهور صوابه وغزارة علمه وصحة نظره، فإنّ ذلك مراء، قد عرفت ما فيه من القبائح والنهي الأكيد (55).
وقال في الشرط السادس: أن يكون في طلب الحق كمنشد ضالة، يكون شاكراً متى وجدها، ولا يفرق بين أن يظهر على يده، أو يد غيره، فيرى رفيقه معينا لا خصما، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق، كما أو أخذ طريقا في طلب ضالة، فنبهه غيه على ضالته في طريق آخر، والحق ضالة المؤمن يطلبه كذلك، فحقّه إذا ظهر الحق على لسان خصمه أن يفرح به ويشكره، لا أنه يخجل ويسود وجهه ويربد لونه، ويجتهد في مجاهدته ومدافعته جهده (56).
وقال الشيخ صالح المازندراني (رحمه الله) في بيان قول الإمام الصادق (عليه السلام) لهشام: (مثلك فليكلّم الناس): دلَّ على الإذن في المُناظرة لإثبات الحقِّ لمن هو مثله في العلم والأخذ بالسنّة النبويّة إلى يوم القيامة (57).
3- اللين: وهو شرط أساسي في المُناظرة الحسنة، وذلك لأنّ الخشونة في المُناظرة عادة ما تكون لها آثار سلبية منها إيجاد الحواجز دون قبول الآخرين للحق.
ومن هنا دعا الباري تعالى نبيّه موسى ووصيّه هارون أن يعتمدا على اللين في دعوتهما لفرعون الطاغي الذي ادّعى الإلوهيّة، فقال عزّ من قائل: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (58).
وفي الحديث عن محمد ابن أبي عمير، قال: قلت لموسى بن جعفر (عليه السلام): إخبرني عن قول الله عزّ وجلّ لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)؟
فقال (عليه السلام): أمّا قوله: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) أي كنّياه وقولا له يا أبا مصعب وكان اسم فرعون: أبا مصعب الوليد بن مصعب (59).
4- الإلتزام بالأخلاق: ومن يراجع مناظرات الشيعة الإماميّة ويدقّق فيها يلحظ بوضوح مدى التزامهم بالأخلاق الرفيعة وحرصهم عليها.
ومن هنا كان على المناظر ألا يرفع صوته فوق المألوف المتعارف، لأنّ ذلك لا يكسبه إلا ضعفاً، ولا يكون إلا دليلا على الشعور بالمغلوبية، بل يجب عليه أن يلقي الكلام قوي الأداء لا يشعر بالتردد والارتباك والضعف والانهيار، وإن أداه بصوت منخفض هادئ فإن تأثير هذا الأسلوب أعظم بكثير من تأثير أسلوب الصياح والصراخ.
وأن يتواضع المناظر في خطاب خصمه، ويتجنّب عبارات الكبرياء والتعاظم، والكلمات النابية القبيحة.
ويتظاهر بالإصغاء الكامل لخصمه، ولا يبدأ بالكلام إلا من حيث ينتهي من بيان مقصوده، فإن الاستباق إلى الكلام سؤالا وجوابا قبل أن يتم خصمه كلامه يربك على الطرفين سير المحادثة، ويعقد البحث من جهة، ويثير غضب الخصم من جهة أخرى.
خصائص المُناظرة السلبيّة
ليست المُناظرة على اطلاقها مذمومة لأنّنا ذكرنا أنّ الأنبياء والأوصياء وأهل البيت (عليهم السلام) كانوا يناظرون ويوصون الآخرين بالمُناظرة بل هناك أمور تجعل المُناظرة سلبية مذمومة وهي:
1- المُناظرة بالباطل: وهو أنّ لا يطلب المُناظر الحق في مناظرته بل يصرّ على الباطل، قال تعالى: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) (60).
وقال عزّ من قائل: (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) (61).
وفي الخبر أنّه قيل للإمام العسكري (عليه السلام): يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن وبالتي ليست بأحسن؟
قال (عليه السلام): أمّا الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجادل به مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقاً يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين، أمّا المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجّة له على باطله، وأما الضعفاء منكم فتغم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل (62).
2- المُناظرة التي توجب الفساد: وهي أيضاً مذمومة كأن يناظر باسم المذهب ويُهزم، أو يناظر بأدلّة واهية ممّا يوجب انعكاس صورة سلبيّة على المذهب أو تؤدّي مناظرته إلى زعزعة عقائد الآخرين من أهل الحق، وقد أشار الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه عن المُناظرة بغير التي هي أحسن، فقال: فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المُبطلين، أمّا المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجّة له على باطله، وأمّا الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المُحق في يد المبطل (63).
3- المُناظرة بغير علم: قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) (64).
وقال عزّ وجلّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (65).
وقال: (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (66).
4- المُناظرة لإرضاء النفس: وهو أن يُجادل المُناظر من أجل أغراضه الشخصيّة وميولاته الذاتيّة لتصغير الآخرين والنيل منهم، وهي غير جائزة شرعاً.
يقول الشيخ الفيض الكاشاني (رحمه الله): اعلم أنّ المُناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند اللَّه تعالى المحمودة عند عدوّ اللَّه إبليس ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والرياء والحسد والمنافسة...إلى أن يقول: وكما أنّ الَّذي خيّر بين الشرب وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقيّة الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حبّ الإفحام والغلبة في المُناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلَّها في النفس وهيّج فيه جميع الأخلاق المذمومة (67).
5- المُناظرة بعد بيان الحق: وهو مذموم منهي عنه، قال تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ) (68).
وقال عزّ من قائل: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (69).
ومن كلام للشهيد الثاني (رحمه الله) في ذمّ المناظرة بعد تجلي الحق، قال: ومن آيات هذا القصد أن لا يوقعها إلا مع رجاء التأثير، فأما إذا علم عدم قبول المناظر للحقّ، وأنه لا يرجع عن رأيه وإن تبين له خطئه، فمناظرته غير جائزة، لترتّب الآفات الآتية وعدم حصول الغاية المطلوبة منها (70).
6- المُناظرة بغير دليل: قال تعالى: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (71).
7- المُناظرة الشيطانية: وهي المُناظرة ذات الدوافع الشيطانية، وقد ذمّ الشارع هذا النوع من المُناظرة وجعلها في عداد إطاعة الشيطان الذي هو شرك عظيم، قال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون) (72).
وروى عن عبد العظيم الحسني، عن أبي الحسن الرضا) عليه السلام) قال: يا عبد العظيم أبلغ عنّي أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومُرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم (73).
شاهد على المُناظرة السلبيّة
قال السيّد ابن طاووس (رحمه الله) في كتاب (كشف المحجّة): رويت من كتاب أبي محمد عبد الله بن حمّاد الأنصاري، ونقلته من أصل قرئ على الشيخ هارون بن موسى التلعكبري، رواه عن عبد الله بن سنان، قال: أردت الدخول على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي مؤمن الطاق: استأذن لي على أبي عبد الله (عليه السلام)؟
فقلت له: نعم، فدخلت عليه، فأعلمته مكانه، فقال: لا تأذن له علي.
فقلت: جعلت فداك، انقطاعه إليكم، وولاؤه لكم وجداله فيكم، ولا يقدر أحد من خلق الله أن يخصمه.
فقال (عليه السلام): بل يخصمه صبيّ من صبيان الكتاب، فقلت: جعلت فداك، هو أجدل من ذلك، وقد خاصم جميع أهل الأديان فخصمهم فكيف يخصمه غلام من الغلمان وصبي من الصبيان؟
فقال (عليه السلام): يقول له الصبي: أخبرني عن إمامك، أمرك أن تخاصم الناس؟ فلا يقدر أن يكذب علي فيقول: لا، فيقول له: فأنت تخاصم الناس من غير أن يأمرك إمامك، فأنت عاص له، فيخصمه يا بن سنان، لا تأذن له عليّ، فإنّ الكلام والخصومات تفسد النيّة وتمحق الدين (74).
اضف تعليق