الغرباوي لا يقتصر في شعره على التعبير عن تجربته الشخصية فقط، بل يحمل في نصوصه صدى واقع مجتمعه، بما في ذلك تناقضاته وأبعاده السياسية والاجتماعية. نجح في تقديم هذه الثنائيات، من تفاؤل وتشاؤم، بأسلوب فني بارع جعلها أشبه بتذاكر ذهبية تمنح القارئ فرصة للتأمل...
ضيف حوارنا اليوم هو الأستاذة الاء محمد جفات الحسيني، الباحثة الأكاديمية المتميزة والمحللة الأدبية ذات الرؤية العميقة في فهم النصوص الأدبية والشعرية. من خلال أبحاثها ودراساتها، قدمت العديد من الإسهامات القيمة في مجال النقد الأدبي، خصوصًا في تحليل الأعمال الشعرية المعاصرة.
في هذا الحوار، سنتناول مع الاء محمد جفات الحسيني تجربتها النقدية، ونغوص في رؤاها حول الشعر العراقي المعاصر، وتحديدًا في ما يخص الشاعر رحيم الغرباوي. رحيم الغرباوي هو شاعر عراقي معاصر، ناقد وأكاديمي، له إسهامات متميزة في الشعر والنقد الأدبي، حيث يعد أحد أبرز الأصوات في المشهد الشعري العراقي والعربي. يقدم الغرباوي رؤى فنية وفلسفية عميقة في أعماله الشعرية، حيث يتناغم الشعر مع الفكر الفلسفي والتراث الثقافي والديني. في هذا الحوار، نناقش بعض جوانب من تجربته الشعرية وكيفية توظيفه للأسطورة، الرمزية، والثنائيات الضدية في التعبير عن رؤاه للحياة والموت، فضلاً عن تأثير الثقافة الدينية والاجتماعية في شعره.
نتطلع إلى الاستماع لآراء الاء الحسيني حول هذه المواضيع وأثرها في الأدب العربي المعاصر، فضلاً عن توجيه الضوء على دور النقد الأدبي في تفسير هذه الأبعاد بشكل أعمق.
كيف ترين علاقة الشاعر رحيم الغرباوي بين الشعر والفلسفة في أعماله؟
يربط الشاعر رحيم الغرباوي بين الشعر والفلسفة بشكل لافت، خاصة في مجموعتيه الشعريتين رماد الخصب ورؤى أسطورية. من خلالهما، يقرأ الإنسان والحياة بعمق فلسفي، حيث تتجلى رؤاه بحدس الفيلسوف الساعي إلى استكشاف حقائق الأشياء. ويُعد الرمز في أعماله وسيلة جوهرية تُسهِم في تشكيل رؤى فلسفية تساعده على بلوغ هذه الحقائق بوضوح ودقة.
هل تعتقدين أن الشاعر قد نجح في إيصال رؤيته للحياة عبر الثنائيات الضدية؟
أعتقد أن الثنائيات الضدية تمثل نافذة صغيرة قد لا تكون كافية للإحاطة بكل ما يدور في ذاتية الشاعر رحيم الغرباوي، لكنها تظل أداة ذات تأثير ملموس في نفوس القراء. فعندما يتوغل المتلقي في تلك الثنائيات، يشعر بأن الشاعر قد نجح في إيصال رؤيته للحياة من خلال هذا الكم الكبير من الضديات التي تعكس وتلامس الواقع المجتمعي بعمق ودقة.
كيف كانت تأثيرات الثقافة الدينية في تشكيل أسلوب الشاعر رحيم الغرباوي؟
تظهر الثقافة الدينية كعنصر بارز في شعر رحيم الغرباوي، إذ تشكل حضوراً طاغياً في ذاته ونتاجه الشعري. من خلال استلهامه العادات، التقاليد، والطقوس المتجذرة في المجتمع الشرقي، استطاع الشاعر أن يمنح نصوصه عمقاً وأصالة. يعتمد الغرباوي في توظيف قصيدته بشكل كبير على الدين الإسلامي عبر التناص مع رموزه واستحضار معانيه، مما جعله مصدراً غنياً يمنح النصوص قوة مضمونية ويضفي عليها مسحة قدسية تنجذب إليها النفس الإنسانية. هذا التوظيف للتراث الديني أغنى تجربته الشعرية وساهم في التأثير المباشر على المتلقي.
هل يعد الشعر عند الغرباوي وسيلة للتعبير عن قضايا اجتماعية أم أنه أداة لتفسير الواقع الداخلي؟
أرى أن الشعر عند رحيم الغرباوي يجمع بين التعبير عن القضايا الاجتماعية وتفسير الواقع الداخلي معاً. فالشاعر المعاصر، بما في ذلك الغرباوي، نجح في توظيف أدواته الفنية لمعالجة قضايا مجتمعه، مستخدماً الشعر كوسيلة لنقل ما يختلج في ذاته الشاعرة. هذا التوظيف يعكس مواكبته لتطورات الواقع وتأثيراته، سواء كانت سلبية أم إيجابية، على المستويات الفكرية والأيديولوجية.
ينطلق الغرباوي من العاطفة مروراً بالمنطق، مما يتيح له تحقيق تواصل عميق مع الذاكرة الجمعية. وهذا يجعله أكثر احتياجاً للتماس الجذور العميقة للقضايا التي يعبر عنها، حيث ترتبط هذه القضايا بمجتمع له جذور ممتدة ومتأصلة في هموم وخيبات الواقع المعاصر، بكل ما يحمله من أحداث وشخصيات.
كيف يمكن تفسير استخدام الغرباوي للأسطورة في شعره؟ هل هو مجرد زخرف أدبي أم يحمل رسائل عميقة؟
يُعد الغرباوي من شعراء الرؤيا الذين استطاعوا التعبير عن رؤاهم باستخدام الرموز الأسطورية والصوفية والتاريخية، ليجسدوا هموم الجماهير وتطلعاتهم وآمالهم في مستقبل أفضل. يتعامل الشاعر مع الأسطورة كوسيلة متعددة الأبعاد، تُستخدم لتجسيد المعتقدات وتفسير القضايا السياسية والدينية. من خلال الشخصيات الأسطورية، يبني الشاعر عوالم شعرية تُتيح له التعبير بحرية ودون خوف عن رؤاه وأفكاره، محولاً هذه الشخصيات إلى رموز تخدم أهدافه الفنية والفكرية.
توظيف الأساطير في شعر الغرباوي يفتح آفاقاً للتأويل، حيث تعمل الأسطورة كصورة من صور الفكر الإنساني البدائي الراسخة في اللاوعي الجمعي. وقد نجح الشاعر في ربط هذه الرموز بالواقع المعاصر، مستلهماً منها نفس الغاية التي تدفع الشعراء إلى استحضار الشخصيات التراثية أو الأحداث التاريخية، حيث يتم الجمع بين الحاضر والماضي في توازن شعري عميق. بالنسبة للغرباوي، تبدو الأسطورة كأيقونة للإدراك الإنساني الغارق في الغموض، وقد استلهمها الشاعر من مرجعيته الثقافية، ليخلق نصاً شعرياً يمزج بين الأبعاد التراثية والحداثية.
في دراستكِ عن الثنائية بين الحياة والموت في شعر الغرباوي، كيف يظهر مفهوم الانبعاث في شعره؟
يمثل مفهوم الانبعاث أحد أبرز تجليات الخصب التي ظهرت بشكل واضح في الشعر الحديث والمعاصر، خاصةً عبر الأساطير. فالانبعاث يتجسد في الشعر من خلال إيحاءات متعددة، حيث يحمل طاقة رمزية تتيح تعدد القراءات والتأويلات. يوظف الشاعر هذا المفهوم عبر استلهام المعتقدات لتسليط الضوء على القضايا السياسية والدينية والاجتماعية، مما يجعل الشخصية الأسطورية تتحول إلى رمز شامل ومعنى عميق.
من خلال هذا الرمز، يمنح الشاعر مساحة للتأويل الناتج عن تكثيف لغته الشعرية بالعبارات الرمزية المكثفة. وهذا التكثيف لا يعكس فقط انفعالات الشاعر، بل يعبر عن تجربة شعورية وشعرية ذات أبعاد زمنية مترابطة، تربط بين الماضي والحاضر بعمق يعزز فهم الثنائية بين الحياة والموت، ويعيد صياغة مفهوم الانبعاث كحركة دائمة نحو التجدد والحياة.
هل يعكس التشاؤم والتفاؤل في شعر الغرباوي تجربته الشخصية أم هو انعكاس للواقع السياسي في العراق؟
السؤال يحمل في طياته عمقاً إنسانياً، حيث لا شك أن الشعر يعكس مشاعر صاحبه، ولكن بلغة فنية غير مباشرة. تعتمد البنية الشعرية عند الغرباوي على الانفعال والتكثيف، مما يمنح نصوصه قوة وجاذبية تجذب القارئ. بأسلوب يجمع بين الصورة المدهشة واللغة العميقة المكتنزة بالمعاني، تتجلى في أشعاره مشاعر الأمل والحزن، الفقد والفرح، الشوق والاستغناء.
الغرباوي لا يقتصر في شعره على التعبير عن تجربته الشخصية فقط، بل يحمل في نصوصه صدى واقع مجتمعه، بما في ذلك تناقضاته وأبعاده السياسية والاجتماعية. نجح في تقديم هذه الثنائيات، من تفاؤل وتشاؤم، بأسلوب فني بارع جعلها أشبه بتذاكر ذهبية تمنح القارئ فرصة للتأمل والاحتفاظ بها كجزء من تجربة وجدانية وإنسانية عميقة.
كيف تفسرين استخدام الشاعر للصور الثابتة والمتحركة في شعره؟ وهل هناك علاقة بين هذه الصور وحالة الشاعر النفسية؟
تُعد الصورة الشعرية الثابتة والمتحركة أحد المحاور الأساسية التي تدور حولها محاولات فهم الفعل الإبداعي عند الشاعر. فقد أصبحت هذه الصور جزءاً مهماً في بناء القصيدة، حيث يستخدمها الشاعر للتعبير عن رؤاه ومشاعره وانفعالاته. من خلال هذه الصور، يتم تجسيد المعنى وتوضيحه. لا شك أن لهذه الصور علاقة وثيقة بالحالة النفسية للشاعر، فهي بمثابة القالب الذي يسكب فيه أفكاره ومشاعره، بما يعكس تطلعاته وآماله، ويعبّر عن حالاته النفسية في سعيه نحو المستقبل البعيد.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ أثناء تحليل الثنائيات الضدية في شعر الغرباوي؟
لا أرغب في الإفصاح عن التحديات والصعوبات التي واجهتني أثناء دراستي، إذ أن تلك العثرات كانت ممتعة ومثيرة، ومنحتني الصبر والإصرار للغوص العميق في أدق تفاصيل الدراسة. وبالتالي، يمكن اعتبارها إضافة نوعية أثرت إيجابياً في مسيرتي الأكاديمية.
كيف يمكن فهم العلاقة بين المقدس والمدنس في شعر الغرباوي من خلال تحليلكِ لهذه الثنائية؟
يُعد الشاعر رحيم الغرباوي من الشعراء الذين يمتلكون ثقافة دينية واسعة، وقد برع في توظيف المقدس في قصائده، خاصة من خلال استدعاء الرسل والأنبياء. فالشاعر يرى أن هناك ارتباطًا عميقًا بين تجربته وتجربة الأنبياء، حيث يشترك كل من النبي والشاعر الأصيل في حمل رسالة إلى أمته، مع الفارق أن رسالة النبي سماوية. كلاهما يتحمل المعاناة والعذاب في سبيل رسالته، ويعيش غريبًا في قومه، محاربًا أو على الأقل غير مفهوم من قبلهم. وفي النهاية، يرتبط كل من النبي والشاعر بقوى عليا غير مرئية.
من ناحية أخرى، يستحضر الشاعر تاريخ المدنس، مستعرضًا شخصيات مثل شمر وابن زياد، الذين تميزوا بماضيهم الفاحش في سفك الدماء ونشر الفساد. وقد اتقن الشاعر توظيف مشاهد قصصية تروي كيف دمّر هؤلاء الأشخاص البلاد وأهلكوا العباد بأفعالهم.
ما الذي يجذبكِ في أسلوب الشاعر عند الحديث عن المعاناة؟ هل هو أسلوب التقطيع الرمزي أم التركيز على التفاصيل؟
بعيدًا عن جمالية الأسلوب، فإن الضربة الشعرية التي تظهر بملامح صعبة التأويل هي ما يميز الأسلوب الجمالي بحد ذاته.
ما دلالة استخدام الشاعر لرمزية الزمن الأسطوري والخلود في شعره؟
الزمن الأسطوري السرمدي يتجاوز قدرة البشر على الفهم، ويُعد مجالاً حيوياً متجدداً في دلالاته؛ إذ لا يرتبط بفترة زمنية محددة، مما يساهم في تغذية ذاكرة الإنسان ويمنحه فرصة لتعميق اللاوعي الجمعي، حيث يتراكم مخزونه الثقافي. إن الزمن الأسطوري الأزلي دائري ومتكرر، ويستند إلى تتابعية زمنية لا بد من استمراريتها. وقد تشكل لدينا تصور حول كيفية تحديد مفهوم الزمن الأسطوري الأزلي، من خلال النظام المسيطر عليه والعناصر التي تساهم في تكوينه وصياغته، إلى جانب تفاعل الجدليات الثقافية والدينية وصراعها.
وفي شعر الغرباوي، يظهر الزمن الأسطوري بشكل خاص في زمن المآسي التي تتمركز في الذات البشرية، حيث تصبح جزءًا من الوحدات الثقافية. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن الزمن الأسطوري لا يُحدد بدقة، بل يُلمح إليه بشفافية عالية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الصراع بين ملحمة جلجامش وملحمة الخلق، حيث يكشف
عن مراحل تقاربية، مما يساهم في نقل إحساس الاستمرارية الزمانية السرمدية إلى الذات الإنسانية. وهذا يمنح الزمن الأسطوري سمة العظمة، رغم ما يحويه من عناصر لا عقلانية ومأساوية.
هل تعتقدين أن الشاعر يستخدم الأسطورة للهرب من الواقع أم لتسليط الضوء على معاناة الإنسان؟
الشاعر قد درس الأسطورة ولديه كتاب يتناول فيه الأساطير الغربية والشرقية، وهو على دراية كاملة بكيفية توظيفها في الشعر. لذلك، يمكنني الجزم بأنه استخدم الأسطورة بشكل مقصود، معبراً عن مشاعره تجاه قضايا الوطن والمجتمع والحياة.
كيف ينظر الغرباوي إلى المستقبل من خلال استشرافه للأمل في شعره؟
أراه متفائلاً بالمستقبل في نصوصه الشعرية، حيث يعبر عن استشرافه للمستقبل من خلال الرموز التي تشير إلى انبعاث الحياة من جديد، كما يلمح إلى الحرية والوفرة.
كيف توازنين بين الفضاء الشعري الذي يخلق الشاعر في نصوصه والأفكار المضمرة التي يحملها؟
بصراحة، يتمتع الشاعر بقدرة فائقة على توظيف الرموز والتناصات وأساليب البيان العربي، فهو ناقد بارع وله إسهامات واضحة في مجال النقد، بالإضافة إلى مؤلفاته في البلاغة مثل كتابه "الوافي في تعلم البلاغة". لذلك، فهو متمكن من استخدام التلميح والترميز والإشارة، حيث يمتلك الأدوات اللازمة لإيصال أفكاره المضمرة بفعالية.
ما هي أهمية الرموز الأسطورية والتاريخية والطبيعية في تشكيل المعنى في شعر الغرباوي؟
يتميز الشعر الحداثي بطابعه الإشاري ورؤيته التي تتواكب مع توق الأنبياء والفلاسفة والشعراء، فهو يحتاج إلى لغة رمزية لنقل تلك الرؤى إلى المتلقي. يُعد الشعر الحداثي بمثابة كشف وحدس ورؤية تفتح آفاقاً جديدة لم تُطأ من قبل. والغرباوي، باعتباره أستاذ النقد الحديث، يمتلك أدواته الرؤيوية وتقنياته الشعرية التي تجعله يكتب بعناية ووعي عميق، حيث لا يكتب إلا بقصدية عالية، مستفيداً من الرموز الأسطورية والتاريخية والطبيعية في تشكيل المعنى وإثراء النصوص.
كيف يشكل الشاعر رحيم الغرباوي حالة الصراع بين الوجود والعدم في شعره؟
الوجود في شعر الغرباوي ليس وجودًا سارتريًا، بل هو وجود مؤمن بالله سبحانه وتعالى. يرى الكون وما فيه على أنه فيوضات إلهية أوجدها العقل الأول، وهو متأثر بشكل كبير بالقرآن والإسلام. وفي شعره، لا يرى في عوالم الميتافيزيقا عدماً، بل يعتبرها وجوداً مستمراً، لأنه يؤمن أن الأدب هو كشف أبدي لا نهاية له.
هل تعتقدين أن الغرباوي ينجح في تصوير صورة مأساوية للواقع العراقي؟ وكيف يعكس هذا عبر شعره؟
نعم، يمتلك الغرباوي قصائد مأساوية تعبر عن الواقع العراقي الذي خلفته الحروب والتفجيرات. وقد تجلى هذا في نقده للعديد من الوقائع، حيث طالب الحكومات بتحمل مسؤوليتها في إنقاذ الشعب من مآسيه. كما تناول في شعره الفتوى التي أصدرتها المرجعية للجهاد في سبيل الوطن وحمايته.
كيف تمثل الثنائيات بين الظلم والعدل في شعره جسرًا لفهم الوضع الاجتماعي والسياسي في العراق؟
بالتأكيد، كل شيء في الكون مبني على ثنائيات، والناصح دائمًا يقف مع التقوى ضد الفجور، ومع العدل ضد الظلم. وفي شعره، نجد أن معظم قصائده تنتقد السياسات الظالمة، حيث يرفع صوته مدافعًا عن الحق ويسعى لإعلاء كلمة العدالة، مما يعكس فهمه العميق للوضع الاجتماعي والسياسي في العراق.
كيف يعبّر الشاعر عن حالة الاغتراب من خلال أسلوبه الأدبي؟ وهل تعتقدين أنه يلمس أوتار القارئ؟
الشعر في كثير من جوانبه يعكس حالة الاغتراب، سواء كان اغترابًا نفسيًا أو مكانيًا. لكنني لاحظت أن الاغتراب النفسي يطغى على الاغتراب المكاني في شعره. كما أن الشاعر يعبّر عن اغترابه بصدق عميق ينبع من قلبه، ليصل إلى قلب القارئ. في اغترابه، يعالج قضايا معقدة استنفدت قواه في بعض الأحيان، خاصة في قصائده الوجدانية التي تحمل في طياتها مشاعر قوية، مما يجعله يلمس أوتار القارئ ويثير تأثره.
في تصوركِ، ما هو الدور الذي تلعبه اللغة الشعرية في نقل المعنى العميق في نصوص الغرباوي؟
لغة الشاعر الشعرية تتمتع بالمتانة والقدرة البلاغية، وهو المتمرس في أساليبها، مما مكنه من الغوص في أعماق ذاته للتعبير عن حقيقة وجوده الداخلي. وكأنما من خلال شعره، يشير إلى أن الحقائق تكمن في مشاعرنا وتجاربنا العميقة.
هل تعتقدين أن شعر الغرباوي يتسم بالحتمية الوجودية أو يفتح أبواب الأمل والتغيير؟
شعره مليء بروح التفاؤل، حيث يرى أن الإنسان هو صاحب الإرادة ولا يوجد شيء حتمي طالما أننا خلقنا بقدرة على التغيير، كما يوضح في كتاباته النقدية وآرائه في بعض مؤلفاته.
في ظل تحليل النصوص، كيف تجدين التوازن بين المعاناة الفردية والجماعية في شعر الغرباوي؟
أراه يعيش بين حالتين: الأولى، في شعره العاطفي حيث يعبر عن معاناته الفردية، والثانية، في شعره الاجتماعي حيث يعكس معاناة المجتمع، كونه إنسانًا نبيلاً ومواطنًا يحب شعبه. لذلك، نراه يرفض كل ما يسيء إلى أبناء وطنه، بما في ذلك الطائفية المقيتة.
بناءً على ما تم تناوله في هذا الحوار، يظهر أن الشاعر رحيم الغرباوي ليس مجرد شاعر يعبّر عن مشاعره الشخصية، بل هو مفكر يدمج بين الشعر والفلسفة ليخلق لغة فنية تُعبر عن هموم الإنسان في بعديه الفردي والجماعي. إن استخدامه للأسطورة والرمزية والاهتمام بالثنائيات الضدية يجعل من شعره مجالًا خصبًا للتأويل والتحليل. تظل أعماله مصدرًا غنيًا للبحث والدراسة في الأدب العربي المعاصر، حيث يعكس فيها الواقع العراقي بصدق وأصالة، محققًا توازنًا بين المعاناة الشخصية والتطلعات الإنسانية.
اضف تعليق