تشير دراسة متخصصة ان حوالي 57 دولة من بلدان العالم النامي تعاني من عدم توفر وسائل التدخل الأساسية لإنقاذ الحياة مثل التطعيمات لاسيما في مرحلة الطفولة، بالإضافة إلى ضآلة الميزانيات المالية المخصصة للرعاية الصحية، فضلا عن نقص حاد في عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالبلدان النامية بسبب هجرة الكوادر الصحية...
غالبا ما يدور في أذهاننا سؤال يتردد يتجسد في لماذا وعلى الرغم من تبني ستراتيجيات تنموية في بعض الدول النامية الا انها لم تحقق قفزات نوعية هامة كتلك التي شهدتها الدول المتقدمة، وبصراحة إن الاجابة تكمن في ان العديد من هذه الدول تفقد حلقات قد تراها غير ذات أهمية في حين هي تمثل جوهر عملية التنمية ونجاحها واستمراها على مدار السنين والتي منها اقتصاديات الصحة التي لحد الان مازالت العديد الدول سيما الدول العربية تعاني من تراجع او عدم حصول تطور كبير في هذا المجال كما هو الحال في الدول المتقدمة. وهذا ماينعكس في عدم نجاح مهمة التنمية بشكلها السليم.
صحة الاقتصاد هو مجال الاقتصاد الذي يركز على الفعالية والكفاءة والسلوك وقيمة الاستهلاك والإنتاج من الرعاية الصحية والصحة العامة. وقد تناول الدكتور "الفاتح مختار"، أستاذ الإقتصاد بالوصف والتحليل اقتصاديات خدمات الرعاية الصحية في الدول النامية وأثرها على التنمية، مبيناً لمفهوم اقتصاديات خدمات الرعاية الصحية، وأهمية اقتصاديات الخدمات الصحية، والسياسات الصحية، وموضحاً للقوى العاملة الصحية، ومحللاً لأثر اقتصاديات الرعاية الصحية في الدول النامية على التنمية.
وجاءت أهم النتائج التي توصل إليها البحث بان هناك حوالي 57 دولة من بلدان العالم النامي تعاني من عدم توفر وسائل التدخل الأساسية لإنقاذ الحياة مثل التطعيمات لاسيما في مرحلة الطفولة، بالإضافة إلى ضآلة الميزانيات المالية المخصصة للرعاية الصحية. كما أوضحت النتائج أيضاً أن هناك نقص حاد في عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالبلدان النامية بسبب هجرة الكوادر الصحية والطبية الي البلدان الصناعية بحثاً عن فرص عمل أفضل مما جعل هذه الدول تتضرر كثيراً من هذه الهجرة التي أثرت سلباً على مسار التنمية فيها.
وبناءاً على نتائج البحث جاءت التوصيات والمقترحات بأنه ينبغي على المسئولين في الدول النامية توفير وسائل التدخل الأساسية لإنقاذ الحياة مثل التطعيمات لاسيما في مرحلة الطفولة والحمل، والاهتمام بتخصيص ميزانية مناسبة لقطاع الرعاية الصحية تساهم في توفير خدمات الرعاية الصحية لكل مواطن من مواطني الدول النامية لأنه سبب أساسي من أسباب تحقيق التنمية.
وهكذا يواصل واضعو سياسات القطاع الصحي والباحثون نقاشاتهم حول الطرق التي يمول بها النظام الصحي, ومدى ملائمة الطرق المطروحة لتواكب الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول, وما هي الطريقة الأنسب لكل دولة. ولا يقتصر استعراض طرق تمويل الأنظمة الصحية علي الدول منخفضة الدخل أو الدول النامية لكنه يبقي بنفس القدر من الأهمية عند وضع سياسات صحية لدول متقدمة او ذات الدخل المرتفع.
يمكن تعريف ما يسمي ب"تمويل الصحة" بالكيفية التي يتم بها استدرار الموارد المالية وتخصيصها واستخدامها في إطار النُظم الصحية ، ويتسع هذا التعريف ليشمل تحديد مصادر التمويل وكيفية جمع الأموال وإداراتها من أجل توفير خدمة صحية تتسم بالجودة والكفاءة والإتاحة وتذليل العقبات المالية التي يمكن أن تحرم قطاعات السكان من الإستفادة من الخدمات الصحية. من هنا تبرز أهمية الحسابات القومية للصحة والتي تهدف إلي فهم التدفقات النقدية خلال النظام الصحى لتمكن صانع القرار السياسى والاقتصادى داخل قطاع الصحة من أجل التوجيه الرشيد للموارد من خلال التعرف على مصادر ومقادير التمويل فى النظام الصحى و الجهات المتحكمة فى إنفاق تلك المصادر و الجهات المقدمة لمختلف الخدمات الطبية، وكيفية توزيع الإنفاق على الخدمات والتدخلات والأنشطة المختلفة بالإضافة إلي معرفة الشرائح المستفيدة من الخدمات الصحية .
وبلغة الارقام أنفقت بلدان إقليم شرق المتوسط 92 بليون دولار أمريكي على الصحة في عام 2008. وهذا لا يعادل إلا مقدار 1.6% من الإنفاق الصحي العالمي على 8% من سكان العالم. وأنفقت ستة بلدان من البلدان المرتفعة الدخل في الإقليم وحدها حوالي 34% من ذلك المقدار، ولا يشكل سكانها سوى 6.6% فقط من سكان الإقليم.
وإقليمياً لا يخصص للصحة سوى 7.8% من مجمل الإنفاق الحكومي. وفي غالبية البلدان المنخفضة الدخل، يتكفل المواطنون بدفع 60% من الإنفاق الصحي من أموالهم الخاصة، وقد يصل هذا الرقم إلى 80% في بعض البلدان. ويعد هذا الإنفاق من المال الخاص سبباً رئيسياً في تكاليف كارثية تتحملها الأسر وتدفع بها إلى هاوية الفقر، وتحد التغطية الشاملة للرعاية الصحية من الموانع المالية أمام الحصول على الخدمات الصحية. ويتم التحول إلى التغطية الشاملة من خلال زيادة النسبة المئوية للسكان والخدمات والتكاليف التي تغطيها نظم الدفع المسبق.
هناك خيارات كثيرة للتغطية الشامله أهمها التمويل الصحي عن طريق الضرائب باستخدام الإيرادات الضريبية في تمويل النظام الصحي، والخيار الثاني هو التامين الصحي الاجتماعي والذي يتم تنفيذه عن طريق تحصيل اشتراكات محددة (أقساط تأمينية) للانتفاع بالخدمات الصحية من العمال والشركات والحكومات وتجميع كل هذه الاشتراكات في صندوق واحد او اكثر. علي ان تقوم الحكومات بدفع اشتراكات الغير قادرين .
ويجب أن نعرف أنه لا يوجد نظام تأمين صحي يستطيع تحمل كامل تكاليف الخدمات الصحية المقدمة, وعليه يتوجب علي المنتفعين دفع نسبة من التكاليف عند تلقي الخدمة شريطة أن لا تكون هذه النسبة مرتفعة إلي الحد الذي يثقل كاهل المنتفعين ويذهب بالتامين الصحي الاجتماعي بعيداً عن الغرض الذي تم تأسيسه وتطبيقه من أجله والذي يستلزم أيضاً ضرورة استخدام التمويل بأفضل طريقة ممكنة دون الإفراط في الاستخدام او التفريط فيه.
ويجدر الإشارة إلى أن التحول إلي التغطية الشاملة المدارة ليس بالأمر الهين أو اليسير, فقد يستغرق هذا التحول عدة سنوات بل وربما عدة عقود, ثمة عوامل يمكن أن تحدد وتيرة التحول منها:
1-القبول النسبي المجتمعي والوعي بأهمية التضامن الاجتماعي لتأسيس نظام تأمين صحي تضامني، وهذا يحتاج الى جهود وطنية تعمل على ترسيخ مفاهيم التشارك والتفاعل الاجتماعي.
2-الثقة المتبادلة بين المجتمعات والحكومات، وهذا ما يمثل عائق كبير، اذ ان هناك دائماً أزمة ثقة بين الحكومة ومجتمعها.
3- ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والذي يعزز قدرة الأفراد والحكومات على تأسيس نظام تأمين صحي فعال، وقادر على استيعاب التطورات والتغيرات المستمرة.
4- توافر واضعو السياسات الصحية والمخططون والاداريون المهرة لإدارة النظام وتسييره بفاعلية، وذلك ضمن وجود ستراتيجية واضحة المعالم والاهداف تُعد ويتم الاشراف عليها وادارتها من قبل خبراء محليين ودوليين.
اضف تعليق