تعرف المدينة وكما تشير المصادر بأنها مستوطنة حضرية ذات كثافة سكانية كبيرة ولها أهمية معينة تميزها عن المستوطنات الأخرى. يختلف تعريف المدينة من مكان إلى آخر ومن وجهة نظر إلى أخرى. في العصر الحديث قامت العديد من الدول بوضع شروط معينة لتحديد ما إذا كانت المستوطنة مدينة أم لا. وقد أصبح الاهتمام بالمدن وتطويرها من أساسيات الكثير من الحكومات، التي دخلت وبحسب بعض المراقبين في تنافس كبير لأجل الوصول الى مركز متقدمة في سلم التقييم العالمي، خصوصا مع وجود اهتمام إعلامي كبير في هذا الجانب، يسعى وبشكل جاد الى إبراز بعض الخصائص والميزات المهمة لتك المدن، هذا بالإضافة الى عرض أهم المشكلات والتحديات التي تخص الصحة والخدمات وسبل العيش والإنفاق وغيرها. حيث أصبحت المدن العالمية خلال الأعوام الماضية مراكز دولية مؤثرة وفعالة في جذب المهارات والاستثمارات، وفيما يخص بعض اخبار هذه المدن، فقد نقلت وسائل الإعلام ان سكان نيويورك سينفقون 60% تقريبا من عائداتهم على الايجار خلال 2015، على ما ذكر الموقع المتخصص "ستريت ايزي" الذي اشار الى ان متوسط ايجار الشقق سيصل الى 2700 دولار في الشهر. وارتفعت الايجارات في نيويورك اكثر بمرتين تقريبا من ارتفاع الاجور بين عامي 2000 و2013 على ما شدد الموقع المتخصص نقلا عن هيئة الاحصاءات. واوضح ان متوسط الايجارات البالغ 2700 دولار يشكل 58,4% من متوسط الاجور في نيويورك.
وسينفق سكان حي بروكلين الجدد المبلغ الاعلى على الايجار خلال السنة الراهنة مع 60% من اجرهم في مقابل 52% في برونكس و48,8% في مانهاتن و41,4% في كوينز و30,1% في ستايتن ايلاند على ما اضاف الموقع الذي يستند على توقعات وضعها انطلاقا من عروض الايجار في العام 2014. وقد تكون النسبة اعلى في بعض الاحياء لتصل الى 67,5% في حي كوني ايلاند المتواضع في بروكلين (الايجار الوسطي يصل الى 1835 دولارا) و86,1% في وليامزبرغ في بروكلين (الايجار الوسطي: 3229 دولارا) و107,2% في تشاينا تاون في مانهاتن (2485 دولارا) على ما جاء في الموقع نفسه. بحسب فرانس برس.
لكن في احياء مانهاتن التي تسجل ايجارات عالية، يتقاضى المقيمون اجرا اعلى ويكون العبء اقل تاليا. ففي حي ترايبيكا يبلغ متوسط الايجارات 5542 دولارا شهريا لكنه يشكل فقط 37,9% من متوسط الاجور. وقد تصل الايجارات في الاحياء الفخمة ولا سيما قرب سنترال بارك الى اكثر من مئة الف دولار في الشهر للشقق الكبيرة.
أغلى المدن
في السياق ذاته احتفظت سنغافورة بالمركز الأول كأغلى مدينة بالنسبة لتكاليف المعيشة في العالم، وذلك حسب بحث أعدته وحدة المعلومات التابعة للإيكونوميست. واحتفظت المدن الخمس الأغلى تكلفة للمعيشة بمواقعها هذا العام، وهي بالترتيب سنغافورة ثم باريس ثم أوسلو ثم زوريخ ثم سيدني. ويشمل البحث 133 مدينة من حول العالم، ويستخدم مدينة نيويورك كمعيار. ويقارن البحث بين 160 سلعة وخدمة مختلفة بما في ذلك كلفة الطعام واللباس والماء والخدمات المنزلية من ماء وكهرباء.
وتوصل البحث إلى أن سنغافورة اعلى تكلفة من نيويورك بنسبة 11 بالمئة بما يخص اسعار المواد الغذائية الأساسية. كما توصل البحث إلى أن سنغافورة - ومعها العاصمة الكورية الجنوبية سول - هي الأغلى في العالم فيما يخص أسعار الملابس، حيث تزيد الأسعار فيها عن الأسعار في نيويورك بنسبة 50 بالمئة. وجاء في البحث "والأهم أن النظام المعقد للاستحقاقات المعمول به في سنغافورة يجعل اسعار السيارات مرتفعة جدا، والنتيجة أن أسعار النقل فيها يبلغ ثلاثة أضعاف الأسعار في نيويورك."
وقالت وحدة المعلومات بالإيكونوميست إنه "من النادر جدا" أن يبقى ترتيب المدن على حاله في تقريرين سنويين متتاليين، خصوصا اذا أخذنا بنظر الاعتبار انخفاض أسعار النفط وانخفاض معدلات التضخم في عدة أسواق. وقالت إن حركة العملات وانخفاض أسعار النفط كان لهما تأثير على كلفة المعيشة في عدة مدن.
فضعف العملة الفنزويلية على سبيل المثال أدى إلى ان تحول العاصمة كاراكاس من سادس أغلى مدينة في العام الماضي إلى واحدى من أقل المدن كلفة هذا العام. ولكن البحث لم يأخذ بالاعتبار الارتفاع الأخير في قيمة الفرنك السويسري. وقالت الوحدة إن زوريخ كانت ستتقدم القائمة لو أخذ سعر العملة السويسرية في الاعتبار. وفقدت طوكيو 11 مركزا بسبب ضعف الين مقابل الدولار وأثر الانكماش على الاقتصاد الياباني. بحسب بي بي سي.
من جانب آخر، تبين أن عددا من المدن الهندية هي الأقل كلفة فيما يتعلق بالمعيشة في العالم، إذ جاءت كل من بنغالور ومومباي وتشيناي ضمن المدن الخمس الأقل كلفة. وقالت وحدة المعلومات بالإيكونوميست إن انخفاض الأجور ودعم الأساسيات قد ساعد في جعل المدن الهندية الأقل كلفة.
عصر الانترنت
الى جانب ذلك ومع حضور متزايد على مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة اكبر في الوصول بالنسبة للسياح العالميين وخصوصا الصينيين وتطبيقات الكترونية، تسعى المعالم الفرنسية التي زادت نسبة ارتيادها 3% سنة 2014 الى جذب زبائن جدد. فقد كانت سنة 2014 ناجحة على الصعيد السياحي اذ تم تسجيل زيارة 9,466 ملايين شخص المعالم الـ97 التي يديرها مركز المعالم الوطنية في فرنسا.
ومع زهاء 1,8 مليون زائر في 2014، يبقى قوس النصر في باريس اكثر المعالم جذبا للزوار يليه دير جبل سان ميشال في شمال غرب البلاد (1,2 مليون زائر) وكنيسة "لا سانت شابيل" التاريخية في قلب العاصمة الفرنسية (اكثر من مليون زائر). وتواصل حصة الاجانب من عدد زوار هذه المعالم الشهيرة ارتفاعها: 70% بالنسبة لقوس النصر و65% الى جبل سان ميشال بغالبيتهم من اليابانيين و65% الى معلم بانتيون (مقبرة العظماء) في باريس، الرابع على قائمة اكثر المعالم الفرنسية جذبا للزوار.
وسيتم فتح درة معمارية جديدة للزوار في حزيران/يونيو هي فيلا كافروا في مدينة كروا قرب ليل (شمال). وهذه التحفة في الهندسة الحديثة من تصميم روبير ماليه ستيفنز والتي انتهي من بنائها سنة 1932 كانت تخضع لاعمال ترميم كبيرة منذ سنة 2008. وأوضح مركز المعالم الوطنية في فرنسا ان اكثر من 75% من البطاقات المباعة مسبقا لدى منظمي الجولات السياحية تعود لسياح اجانب كما ان الطلب الدولي للاختصاصيين زاد بنسبة 30% في السنوات الخمس الاخيرة.
واشار رئيس المركز فيليب بيلافال الى "اننا بحاجة لأن يتعرف الينا السياح الاجانب كي لا يحصروا زياراتهم الى المعالم الواقعة في باريس. هذا الامر حاصل بالنسبة لليابانيين لكنه ليس كذلك مع الصينيين". وفي هذا الاطار، يعتزم المركز دعوة المدون الصيني فان لزيارة فرنسا. وهو متخصص في التراث والثقافة ولديه اكثر من 24 مليون متابع.
كما ان المركز يسعى الى زيادة حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي في 2015، بعد ان باتت هذه الوسائل من "اكثر مصادر الارشاد بالنسبة للمهتمين بالتراث". وسيتم تنظيم احداث خاصة بمستخدمي "انستاغرام" من بينها خصوصا زيارات خاصة الى بعض المعالم. وبالاضافة الى الانترنت، يبقى التلفزيون من اكثر الوسائل تأثيرا. فبعد انتخاب الدير الملكي في برو بمدينة بور ان بريس (شرق) في المرتبة الاولى من جانب مشاهدي قناة "فرانس 2" الفرنسية العامة، شهد هذا الموقع بعد عرض الحلقة التلفزيونية زيادة في عدد زواره بنسبة 96% بالمقارنة مع سنة 2013 بين ايلول/سبتمبر ونهاية العام الماضي. بحسب فرانس برس.
كذلك سيتم وضع الية تفاعلية تتناول "روح المقاومة" لمناسبة نقل جثامين اربعة فرنسيين الى معلم بانتيون الشهير في باريس في 27 ايار/مايو المقبل باعتبارهم مقاومين في الحرب العالمية الثانية. ويضم هذا المعلم الواقع في قلب باريس جثامين كبار الشخصيات التي طبعت تاريخ فرنسا. كما سيتم اعداد تطبيقات رقمية في فيلا كافروا (شمال) تسمح باكتشاف اقسام الموقع كما كانت في ثلاثينات القرن الماضي، كذلك الامر في فيلا سافوا دو لا كوربوزييه في منطقة بواسي بضواحي باريس الغربية.
المدن الذكية
على صعيد متصل وبعد أن اجتاح الإعصار هدهد ميناء فيزاخاباتنام بجنوب الهند في اكتوبر تشرين الاول الماضي وحطم الجسور وأغرق الاراضي الزراعية ودمر قوارب الصيد تنفس الكثيرون الصعداء.. فقد أنقذت أرواح عشرات الآلاف من السكان نتيجة نجاح تجارب سابقة للاجلاء الجماعي إلى الملاجئ وهو درس تعلمته السلطات من تجارب طويلة مع الفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار والرياح العاتية والعواصف التي اجتاحت خليج البنغال.
لكن فيما كانت المدينة التي يقطنها مليونا نسمة والتي يشيع استخدام اسمها الدارج فيزاج تتأهب كي تكون احدى أول "المدن الذكية" يعترف المسؤولون بضرورة بذل المزيد من الجهود لمساعدتها في التكيف مع أنماط المناخ الأكثر تطرفا وهو تحد يقره كثيرون في المدن العالمية الكبرى السريعة النمو.
وقال إن. يوفاراج كبير المسؤولين الاداريين بالمنطقة "من الأهمية بمكان بالنسبة إلى مدينة مثل فيزاخاباتنام أن تكون متجاوبة مع المناخ" مضيفا ان جهود السلطات المحلية وحكومة ولاية اندرا براديش تتضافر مع مجموعة من الوكالات لتحقيق ذلك. وخلال الاشهر القادمة تتنافس مدن اخرى في ارجاء الهند للانضمام إلى خطة حجمها 1.2 مليار دولار أطلقها رئيس الوزراء ناريندا مودي لتحسين جودة الحياة في المناطق الحضرية السريعة النمو بالبلاد.
ومشروع "المدن الذكية" في 100 مدينة بشتى ارجاء الهند يهدف إلى خلق أحوزة عمرانية تستخدم فيها مبادرات صديقة للبيئة عالية المستوى التكنولوجي ما يحقق الادارة المثلى للموارد بما في ذلك المياه والطاقة وتحسين الخدمات للمواطنين. ويقول المسؤولون الحكوميون إن هذه المدن تحتاج إلى تسيير وسائل النقل العام بها من خلال الطاقة النظيفة ومصابيح الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية والمباني الخضراء مع تبني مفهوم خفض الكربون لكن كي تكون هذه المدن ذكية حقا فعليها أن تفكر في آثار التغير المناخي.
وتتوقع لجنة الأمم المتحدة الحكومية الدولية بشأن تغير المناخ أن يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في العالم في زيادة قدرها 82 سنتيمترا في منسوب مياه البحار في أواخر القرن الحالي بسبب ذوبان الجليد واتساع رقعة المياه مع زيادة حرارة المناخ الامر الذي يهدد المدن الساحلية من شنغهاي وحتى سان فرانسيسكو. ومن المتوقع أيضا وقوع المزيد من حوادث الطقس المتطرفة والشديدة ما يزيد المخاطر التي تواجهها مدن في دول عرضة للكوارث مثل الهند إذ يعيش عدد كبير من عدد سكانها البالغ 1.2 مليار نسمة في مناطق معرضة للفيضانات والعواصف والجفاف.
وفيما تتوقع الامم المتحدة تضاعف عدد البشر في مدن الهند وبلداتها الى 814 مليونا تقريبا بحلول عام 2050 يجب على المحليات ان تعمل الآن على الحد من الوفيات والدمار الناجم عن الكوارث. وقال بيندو لوهاني نائب رئيس قسم التنمية المستدامة ببنك التنمية الاسيوي إن الفيضانات التي اجتاحت العاصمة الفلبينية مانيلا عام 2013 التهمت 2.3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد في حين أدت الفيضانات عام 2011 في بانكوك إلى تقليص الناتج المحلي الاجمالي للربع الاخير من ذلك العام بنسبة 9 في المئة.
ويقول خبراء إن هناك الكثير من الأمثلة في شتى أرجاء العالم كي تستوحي منها الهند الخطوط العامة المتعلقة بتخطيط المدن. على سبيل المثال وضعت السلطات البلدية في هانوي برنامجا لمواجهة ارتفاع منسوب مياه البحار الأمر الذي يضيف مزيدا من الضغوط على السدود المقامة على النهر الاحمر. وفي بانكوك ساعدت بوابات الفيضانات وانشاء السواتر حول المدينة وشبكة الصرف التي تعمل بالمضخات في التقليل من مخاطر الفيضانات في اعوام 2006 و2010 و2011.
وفي بنجلادش أسهم مشروع تأميني مرتبط بالمناخ تديره جمعية بروشيكا الخيرية في تعويض السكان الذين يعيشون في ألفين من المساكن العشوائية عن مخاطر الكوارث في مدن مثل داكا. وتقول صحيفة تصدرها وزارة التنمية العمرانية بالهند إن أي "مدينة ذكية" بحاجة لمعالجة نقص حاد في أنظمة الصرف وهو ما ينجم عنه كثرة المياه الجوفية (التغدق) أثناء الأمطار الموسمية الأمر الذي يؤدي إلى تفشي الأمراض مثل الملاريا وحمى الدنج.
وقالت الصحيفة "يتعين على المدن ان تنتهج اسلوبا رصينا لادارة المياه" مثل تحويل المياه الزائدة إلى البحيرات والمسطحات المائية الأخرى. وفيزاج مجرد واحد من ثلاثة أماكن اختارتها الحكومة حتى الآن كي تصبح "مدنا ذكية" والمدينتان الاخريان هما راجاسثان والله اباد بولاية اوتار براديش. وستتلقى هذه المدن قدرا من التمويل من الحكومة المركزية لكن يتعين عليها تدبير القدر الأكبر من رأس المال الخاص بها من خلال اقامة شراكة مع شركات محلية وأجنبية لتشجيع الاستثمار والمساعدة الفنية.
وقال مسؤولون إنه في فيزاخاباتنام يجري انشاء مركز قيادة لتحسين مواجهة الكوارث فيما تستخدم المدينة نماذج محاكاة للتنبؤ بالسناريوهات إذا زاد منسوب مياه البحار بسبب الاعاصير. والادارة التي وقعت اتفاقا مع شركات أمريكية تعكف أيضا على تحويل آلاف من المنازل المصنوعة بالطين والقش والخاصة بأسر الصيادين إلى مبان خرسانية مع مراجعة قوانين البناء حتى يتم تركيب مكونات زجاجية قادرة على الصمود في وجه الرياح العاتية. بحسب رويترز.
ورحب السكان المحليون بسياسة توفير مزيد من المساكن المؤقتة السهلة التركيب لكن القلق يساورهم بشأن كيفية الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة في أعقاب اي كارثة. وقال ارجيلي داسو (43 عاما) الذي فقد منزله بمنطقة جاجواكا الجنوبية بسبب الاعصار هدهد "يجب أن تساعد الحكومة صيادين مثلي في بناء مساكن متينة.. كي تكون مدينتنا ذكية وحتى لا نعاني إذا ما اصابنا اعصار مرة أخرى".
مصابيح الغاز
في شارع صغير هادئ قرب ويستمنستر آبي محاط بمنازل رائعة جورجية الطراز تعود للقرن الثامن عشر يصعد غاري آشر على سلم ويضبط مصابيح الغاز وينظف الزجاج بتأن ودقة. عند نزوله من السلم يلقي نظرة رضا على النور الدافئ الصادر من المصباح خارقا برد ليلة من ليالي الشتاء اللندني.
فرغم التقشف في الميزانية والاقتصاد في الانارة العامة مع تخفيف قوتها، لا تزال العاصمة البريطانية تضم 1500 مصباح يعمل على الغاز وتحتاج الى تدخل الانسان في فترات منتظمة. فهذا ما تبقى من عشرات الاف المصابيح التي جهزت بها المدينة قبل اكثر من مئتي عام وكانت حينها رائعة تكنولوجية حديثة بثت الحياة في مئات الشوارع الغارقة في العتمة والخطرة ليلا.
واليوم لا يدرك غالبية سكان لندن وجود هذه المصابيح الشاهدة على مرحلة غابرة. الا ان السلطات تحميها وتذهب ايضا الى اقامة مصابيح اخرى كما حصل قرب سوق كوفنت غاردن المسقوف. والمصابيح القديمة هي مصدر الانارة الوحيد ليلا في متنزه سانت جيمس بارك قرب قصر باكينغهام ناقلة المارة الى اجواء روايات تشارلز ديكنز. ويؤكد آشر (50 عاما) الذي يشرف على فريق من اربعة مضيئي مصابيح "انها جميلة جدا وتوفر انارة رائعة الطف من تلك التي توفرها الكهرباء".
ونصف مصابيح الغاز هذه لا تزال تعمل بنظام توقيت ميكانيكي ينبغي ضبطه كل اسبوعين. اما الاخرى فمجهزة بجهاز اوتوماتيكي يتطلب تبديل بطاريته كل ستة اشهر اضافة الى اعمال الصيانة. ويؤكد آشر "اننا نلتمس التاريخ في كل زاوية من زوايا الشوارع. هذا عمل مميز". وقبل ادخال هذه المصابيح كانت شوارع لندن خطرة ليلا. وكان البعض يستعين بخدمات "لينك بوي" وهم صبيان يحملون مشعلا لتوجيه المارة في العتمة. الا ان "لينك بوي" قد يقود الزبون الى كمين ايضا.
وعرفت لندن اول مشروع لانارة الشوارع في العام 1807 واثار حينها ردود فعل متفاوتة خصوصا بعد حدوث انفجارات لان السيطرة على هذه التكنولوجيا لم تكن تامة. لكن المصابيح لم تنتشر فعلا الا عندما فرض الملك جورج الرابع تعميمها على الشوارع في العام 1814. وبعض هذه المصابيح كانت، الى جانب الانارة التي توفرها، تحرق انبعاثات الميثان المتصاعدة من المجارير مثل "ويب سوير لامب". بحسب فرانس برس.
ولا يزال احد هذه المصابيح ويحمل اسم "ايرون ليلي" في الخدمة الى جانب فندق "سافوي" قرب نهر التيمز. وبعدما تعرضه لاضرار العام 1950 اثر اصطدام شاحنة به، رمم واستعاد رونقه. وبقيت الكثير من المصابيح تضاء وتطفأ يدويا حتى السبعينات. وقد صمدت في وجه الغارات النازية ومنافساتها الكهربائية. اما عدوها اللدود الان فهي حركة السير. وقد تم رفع غالبيتها عن مستوى الطريق لتكون بمنأى عن مرايا الحافلات او الشاحنات الخارجية. الا انها لا تزال تتعرض لاضرار جسيمة. ورغم ذلك يؤكد ايان بيل من شركة "بريتيش غاز" المكلفة صيانتها، ان "ازالة هذه المصابيح امر غير وارد. بل ان العكس سيحصل بسبب نداءات لنشر المزيد منها".
الباعة الجوالون في بانكوك
من جانب اخر يشكل الباعة المتجولون عصب مدينة بانكوك، فهم يمدونها بالطعام والثياب و الأقراص المدمجة، لكن السلطات قررت منعهم من العمل في الشوارع المكتظة، في قرار من شأنه ان يهدد لقمة عيش الاف الاشخاص. ويأتي هذا القرار رغبة من السلطات في جعل الارصفة في الشوارع المكتظة اكثر راحة للمشاة. ففي بانكوك، الحاضرة الاقتصادية الكبرى في جنوب شرق آسيا، يستحيل مثلا دفع عربة اطفال دون التعرج بها يمينا وشمالا بين البائعين الجوالين وعرباتهم التي تعرض فيها المأكولات والملبوسات.
ويقول فالوب سواندي المستشار في بلدية بانكوك "يمكن اعتبار الباعة الجوالين جزءا من رونق المدينة، لكن ذلك يقتضي شيئا التنظيم". وتأتي هذه الاجراءات التي يطلق عليها اسم "عملية عودة الارصفة الى المشاة"، ضمن خطة شاملة ترمي الى "تلميع" صورة تايلاند بعد الانقلاب في ايار/مايو من العام 2014. وعلى ذلك، حظرت السلطات عمل البائعين الجوالين، ولا سيما في بعض الشوارع المعروفة، مثل شارع خاو سان رود الذي كان قبل صدور القرار لجنة بائعي الاقراص المدمجة المقرصنة والحقائب التي تحاكي اشهر الماركات الفاخرة.
وتقول الشرطة انها ستسمح لالاف البائعين الجوالين ان يواصلوا عملهم بشرط احترام القواعد، وهي ان ينكفئوا الى الشوارع الداخلية الاقل ازدحاما، وان يعملوا فقط في الليل. مانغكول هو واحد من ثلاثة الاف بائع في سوق خلونغ تهوم، في الوسط التاريخي لبانكوك، وقد امرت السلطات بنقل هذا السوق الى مكان آخر يبعد عنه بضعة كيلومترات. ويقول مانغكول الذي يبيع المشروبات على عربة نقالة منذ ثلاثين عاما وهو يسكب القهوة لزبائنه "في حال لم يغيروا رأيهم فان الاف الاشخاص سيعانون من تبعات هذا القرار".
وتشكو جوتيغان بائعة الاطعمة الجوالة في حي سيلوم التجاري من هذا القرار، وتقول "لن اعود قادرة على دفع الاقساط الدراسية لاولادي". وهذا الحي هو احد المناطق المشمولة بالقرار. وسيكون على البائعين الجوالين بموجب القرار الجديد ان يتخلوا عن عملهم في النهار على ان يقتصر على الليل فقط، وهذا يعني ان مداخيلهم ستنخفض الى النصف، بحسب البائعة الجوالة ذات الثلاثين عاما.
ويشدد المجلس العسكري الحاكم قبضته على الاعمال الممنوعة في البلاد، ويشن باستمرار عمليات تحظى بتغطية اعلامية واسعة لمكافحة المخدرات او العاب القمار، ولا سيما بسبب اتصال هذه الاعمال بالفساد المستشري في صفوف الشرطة. وفي الصيف الماضي، وجهت الى ضابط في الجيش تهمة ابتزاز بائعين جوالين في احد الاحياء التي تنشط فيها الدعارة في بانكوك. وفرضت اجراءات مشددة ايضا في المنتجعات السياحية، مثل فوكيت في جنوب البلاد الذي اخلي من البائعين الجوالين ومؤجري كراسي البحر.
وتثير هذه الاجراءات بعض القلق في صفوف الخبراء، على غرار نارومول نيراثرون الاستاذة الجامعية التي تتخوف من ان تكون هذه العمليات سطحية، ولا تراعي تقديم اماكن بديلة للبائعين. وتقول "الرصيف ليس فقط للمشاة، انه ايضا مكان لكي بكسب البعض قوت حياتهم". وتكاد تكون نسبة البطالة في تايلاند معدومة، وذلك تحديدا بفضل امكانية البيع في الشارع وهي مهنة يقتات عليها الاف الاشخاص. بحسب فرانس برس.
وبحسب بلدية بانكوك، فان عدد البائعين الجوالين يناهز عشرين الفا، الا ان دراسات تعود الى العام 2000 تتحدث عن رقم اكبر بكثير يصل الى 400 الف. ويأتي كثير من الباعة الجوالين من مناطق ريفية في شمال البلاد وشمالها الشرقي، ويعيشون في ظروف سيئة في مدن صفيح في ضواحي بانكوك. ويثير هذا الامر استياء في صفوف سكان العاصمة، وقد اطلقت حملة على فيسبوك طلبت من السلطات "تنظيف" شوارع بانكوك. لكن عددا من البائعين لا يبدو ان يستعدون لتطبيق القرار. ويقول احدهم طالبا عدم الكشف عن اسمه "حين سيأتي رجال الشرطة سنختبئ، وحين يرحلون نعود الى العمل".
أفضل رئيس بلدية
في السياق ذاته تم اختيار ناهيد نانشي، وهو مسلم من أصول أفريقية، كأفضل رئيس بلدية في العالم. ويشغل نانشي منصب رئيس بلدية كالغاري الكندية منذ 2010. ولم يتوقع نوراد نانشي عندما غادر بلده الأصلي تنزانيا منذ 42 عاما متوجها إلى كندا أن يتم انتخاب ابنه ناهيد نانشي في يوم من الأيام أفضل رئيس بلدية في العالم.
هذا المسلم ذو البشرة السوداء الذي تولى منصب عمدة مدينة كالغاري بكندا في 2010، استطاع أن يقنع أفراد "المؤسسة الدولية لرؤساء بلديات العالم" ليصوتوا لصالحه ويختاروه كأحسن رئيس بلدية في العالم في وقت سابق رغم المنافسة الشديدة. ووصفه أفراد هذه المؤسسة العالمية "بالرجل المحبوب من قبل كل الكنديين، الذي يقضي كل أوقاته في الشغل ولا يتردد أمام أية مهمة، حتى ولو كانت صعبة أو مملة، إضافة إلى أنه من بين المستخدمين المدمنين لمواقع التواصل الاجتماعي".
تعليقات أخرى تثني على نزاهة هذا المسلم الكندي من أصول تنزانية في العمل وأخلاقه الحميدة وكرمه وانفتاحه السياسي والديني. البعض الآخر معجب بقدرته على التغيير بشكل إيجابي المدينة التي يترأسها والمساعدات التي قدمها في 2013 حينما تعرضت كالغاري إلى فيضانات قاتلة أرغمت أكثر من 700 ألف شخص على مغادرة منازلهم خلال شهور عديدة. لم يصل إلى المكانة التي هو عليها بسهولة، بل بعد سنوات طويلة من الدراسة والمثابرة. فبعد جامعة كالغاري، انتقل إلى جامعة "هارفارد" العريقة حيث نال شهادة في مجال الإدارة العامة ليلتحق بعد ذلك بمكتب "ماكنزي" للاستشارات.
وقد اقترحت عليه الأمم المتحدة منصبا عريقا في سويسرا، لكنه رفض ذلك وفضل البقاء في مدينته حيث فتح مركزا استشاريا قدم من خلاله مساعدات كثيرة للمؤسسات الحكومة المتواجدة هناك. في 2010، قرر اقتحام عالم السياسة والمشاركة في الانتخابات البلدية. وكانت حظوظه تبدو ضئيلة جدا آنذاك، لا سيما في مدينة محافظة، إضافة إلى أنه ابن مهاجر ومسلم من أفريقيا ومرشح باسم حزب اليسار. بحسب فرانس برس.
لكن بفضل الحملة الانتخابية التي قام بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تمكن من إقناع عدد كبير من سكان كالغاري، خاصة الشباب الذين صوتوا لصالحه ليتولى منصب رئيس بلدية كالغاري في 2010 وليصبح بذلك أول رئيس بلدية مسلم في كندا. في 2013 أعيد انتخابه من جديد بسهولة كبيرة وحصل على 73 بالمئة من الأصوات. ويعتبر ناهيد نانشي ثاني الشخصيات المؤثرة في كندا بعد رئيس الحكومة الكندية ستيفان هاربر.
اضف تعليق