يجب أن يلتفت الإنسان إلى نفسه، ويُحصّنها من الأمراض الأخلاقية التي تمنع من الالتفات لتجارب الآخرين وسماع كلامهم، كالتكبر والغرور والعناد، ويوطنها على قبول ذلك؛ لأن التجارب قضية منطقية يسير عليها العقلاء، حاضراً وماضياً، وإلّا فبماذا يفسر وجود المعلمين والمدربين والمرشدين وأصحاب الخبرة في المجتمع؟ إنها الاستفادة...
ومن هنا يظهر أن التجربة الناجحة مبتنية على مقدمات ناجحة ومؤثرة... قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «خير من شاورت ذوو النّهى والعلم وأولو التّجارب والحزم»(1).
أما المجازفة والتهور فلا تبتني على ذلك، وإنما هي مخاطرة بالنفس، والتعامل مع الأحداث بلا ضوابط أو قوانين عقلائية. وهذه الحالة غالباً ما تنتشر في أوساط الشباب، خاصة في بداية تفتّحهم ونموّهم الجسمي والعقلي، حيث إن أعمارهم تتراوح بين السابعة عشر والثامنة عشر، وهي جزء من مرحلة المراهقة التي يمر بها الشباب. ومن سمات هذه المرحلة عدم النضوج الكافي، وتشوش الأفكار، وعدم الإتزان في التصرفات. وهذه تتلاءم مع روح الشباب الراغبة في الأمور المجهولة، لأنها أشياء جديدة تتفق مع أفكارهم. فهم ربما يفضلون المجهول على المعلومات التجريبية، ويتعاملون في كثير من الأحيان بالعواطف والأحاسيس التي تحكمهم بقوة، بعيداً عن الإتزان والتعقل.
فالإنسان الذي يتعامل بهذه الكيفية مع الأحداث التي تواجهه، أي حسب ما تمليه عليه عواطفه وإحساساته، بالإضافة إلى عدم امتلاكه فكراً واضحاً يتصرف على أساسه، فيخوض الحدث بصفة المغامرة والمجازفة، لا بصفة العقلانية والإتزان ومن دون أي تخطيط مسبق أو تجربة سابقة، فيدخل الحدث وهو فاقد لإمكانية التأثير في المحيط، تكون النتائج معكوسة بخلاف ما يريد.
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «رأي الرجل على قدر تجربته»(2).
حيث يستفاد من هذا الحديث الشريف أن الذي لم تمحصه التجارب والمواقف، فإنه لا رأي سديد له، فتتّسم أعماله ومواقفه بطابع المخاطرة والمجازفة، ويكون مثله تماماً كالذي يرمي بنفسه في البحر، وهو لا يعرف السباحة، فهو في كثير من الأحيان يغرق ويموت، إلّا إذا أنجاه اللّه سبحانه فأرسل إليه من يوصله لبر الأمان؛ ولذلك فإن العقل يفرض على الإنسان الذهاب لتحصيل مقدمات السباحة مثلاً، من التمرن والتعلم على فنون السباحة وما شابه من الأساليب والمقدمات التي تساعد الإنسان بلوغ هدفه وتحصيل النتيجة، وأما غير ذلك فهو مجازفة وتهور.
التجربة وأهميتها
في الغرر عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مدح التجربة وحفظها روايات عديدة، منها:
قال (عليه السلام): «الأمور بالتجربة»(3).
وقال (عليه السلام): «الأمور أشباه»(4).
وقال (عليه السلام): «التجارب لا تنقضي والعاقل منها في زيادة»(5).
وقال (عليه السلام): «الأيام تفيد التجارب»(6).
وقال (عليه السلام): «العقل حفظ التجارب»(7).
وقال (عليه السلام): «حفظ التجارب رأس العقل»(8).
وقال (عليه السلام): «الحزم حفظ التجربة»(9).
وقال (عليه السلام): «من حفظ التجارب أصابت أفعاله»(10).
وقال (عليه السلام): «من الحزم حفظ التجربة»(11).
وقال (عليه السلام): «المجرّب أحكم من الطبيب»(12).
وقال (عليه السلام): «رأي الرجل على قدر تجربته»(13).
وقال (عليه السلام): «ليس كل من رمى يصيب»(14).
وقال (عليه السلام): «الظفر بالحزم و الحزم بالتجارب»(15).
وقال (عليه السلام): «التجارب علم مستفاد»(16).
وقال (عليه السلام): «التجربة تثمر الاعتبار»(17).
وقال (عليه السلام): «العاقل من وعظته التجارب»(18).
وقال (عليه السلام): «في كل تجربة موعظة»(19).
وقال (عليه السلام): «كفى عظة لذوي الألباب ما جرّبوا»(20).
وقال (عليه السلام): «كفى بالتجارب مؤدّباً»(21).
وقال (عليه السلام): «أملك الناس لسداد الرأي كل مجرّب»(22).
وقال (عليه السلام): «ثمرة التجربة حسن الاختيار»(23).
وقال (عليه السلام): «من قلّت تجربته خدع»(24).
وقال (عليه السلام): «من تجرّب يزدد حزما»(25).
وقال (عليه السلام): «من كثرت تجربته قلّت غرته»(26).
وقال (عليه السلام): «من أحكم التجارب سلم من المعاطب»(27).
وقال (عليه السلام): «من غني عن التجارب عمي عن العواقب»(28).
الحاجة إلى أصحاب التجارب
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «عليك بمجالسة أصحاب التجارب، فإنها تقوّم عليهم بأغلى الغلاء، وتأخذها منهم بأرخص الرخص»(29).
إن هذا الحديث الشريف يبين لنا ضرورة الاستفادة من تجارب الذين حصلوا عليها بالمشقة والعناء، والاتعاظ بها. وهي من صفات العقلاء، حيث قال (عليه السلام) في مورد آخر: «إنما العاقل من وعظته التجارب»(30).
وعادة فإن كبار القوم هم أصحاب التجارب وعلى الإنسان أن يجالسهم ويستفيد منهم.
وربما يقول الشخص: لماذا نحتاج إلى تجارب الكبار؟
إن الجواب عن هذا السؤال يرتبط بمراحل نمو شخصية الإنسان وتغيراته النفسية وغيرها، فالذي يحتاج إلى صاحب الخبرة هو الإنسان القليل الخبرة في هذه المشكلة أو تلك أو جميع المشاكل. وهؤلاء على نوعين؛ أولهما: بعض الشباب الذين ليست لديهم الخبرة بالحياة، والذين يبدأون تجاربهم من الصفر، حيث إن التغيّرات في مرحلة البلوغ تغيّر الإنسان شكلاً وحجماً، فتتولد لهم مجالات نفسية خاصة يتعاملون بها، فهم قد لا يهتمون بالعقل ويستصغرون أحكامه، فتكون تصرفاتهم غير متزنة، فيرفضون مساعدة من هو أكبر منهم سناً وأكثر تجربة، وهذا قد يكون طبيعياً منهم؛ ولكن على ذوي العقول أن يرشدوهم إلى الصواب.
والنوع الثاني: هم ذوو الخبرة بالحياة، لكن بشكل غير كاف، فيحتاجون إلى من هو أكثر خبرة منهم.
وهنا يجب أن يلتفت الإنسان إلى نفسه، ويُحصّنها من الأمراض الأخلاقية التي تمنع من الالتفات لتجارب الآخرين وسماع كلامهم، كالتكبر والغرور والعناد، ويوطنها على قبول ذلك؛ لأن التجارب قضية منطقية يسير عليها العقلاء، حاضراً وماضياً، وإلّا فبماذا يفسر وجود المعلمين والمدربين والمرشدين وأصحاب الخبرة في المجتمع؟ إنها الاستفادة من تجارب الآخرين العلمية والعملية.
إذاً، فالحاجة للكبار ليست تقليدية، بل ضرورة حياتية تصب في كمال وسعادة الإنسان، وهذا أمر فطري في تكوين الإنسان بحيث لا يمكن الاستغناء عنه أو التنكر له.
وخلاصة القول: إن الإنسان لابدّ له أن يستفيد من التجارب الناجحة، التي جاء بها الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، وتؤكد على ذلك المبادئ الإسلامية الواضحة فإن سيرة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) تبين كل ما هو خير للإنسان وتبعده عن كل ما هو شر، فتحث الإنسان إلى الوحدة، والأخوة، والحرية، والاكتفاء الذاتي، والعفو، ومكارم الأخلاق، والاستشارة، والاستفادة من عقول الآخرين، فإن متابعة أولئك العظماء في أفعالهم وآثارهم في مسيرة حياتهم العظيمة، تكون لنا علماً مستفاداً عند خوض تجاربنا، وتمسكنا بالشريعة الإسلامية... ومتابعة تجارب الصالحين من عباد اللّه تعالى، وسيرة علمائنا الأعلام الماضين منهم والحاضرين، تكون مقدمة لبناء النفس وبناء المجتمع الإسلامي، كما أن علينا أن نورث الأجيال القادمة أيضاً علماً وتجارب ناجحة ليستفيدوا منها في حياتهم.
الوصايا تجارب العظماء
ومن هنا نرى العظماء كانوا يوصون لغيرهم بتجاربهم، ويتركون وصايا لأولادهم ولسائر الناس بما يرونه من صالح الدين والدنيا، حتى يجعلوا في أيديهم تلك التجارب التي حصلوا عليها في حياتهم.
كما يشاهد ذلك بوضوح في وصايا لقمان لابنه، وكذلك في وصايا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولأبي ذر، وهكذا وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام)، إلى غير ذلك مما هو كثير في تاريخ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وتاريخ العلماء والصالحين.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام) يوصيه: «من الوالد الفان، المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدنيا، الساكن مساكن الموتى، والظاعن عنها غداً، إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام ورهينة الأيام ورمية المصائب، وعبد الدنيا وتاجر الغرور، وغريم المنايا وأسير الموت، وحليف الهموم وقرين الأحزان، ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الأموات.
أما بعد، فإن فيما تبيَّنتُ من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر(31) علي، وإقبال الآخرة إلي ما يزعني(32) عن ذكر من سواي والاهتمام بما ورائي، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي وصرح لي محض أمري، فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعبٌ وصدقٍ لا يشوبه كذبٌ، ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي، مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت، فإني أوصيك بتقوى اللّه أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله، وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللّه إن أنت أخذت به، أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوِّه باليقين، ونوِّره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذِّره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكِّره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليلٍ قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تُكلَّف، وأمسك عن طريقٍ إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خيرٌ من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك، وجاهد في اللّه حق جهاده ولا تأخذك في اللّه لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقّه في الدين، وعوّد نفسك التصبر على المكروه، ونعم الخلق التصبر في الحق، وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك؛ فإنك تلجئها إلى كهفٍ حريزٍ ومانعٍ عزيزٍ، وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحاً؛ فإن خير القول ما نفع.
واعلم أنه لا خير في علمٍ لا ينفع، ولا ينتفع بعلمٍ لا يحق تعلمه، أي بني، إني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني أزداد وهناً بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالاً منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيءٍ قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك، لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مئونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه.
أي بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمرٍ نخيله(33)، وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك، أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نيةٍ سليمةٍ ونفسٍ صافيةٍ، وأن ابتدئك بتعليم كتاب اللّه عزّ وجلّ وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره...
ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبَّ إليَّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة، ورجوت أن يوفقك اللّه فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه.
واعلم يا بني، أن أحب ما أنت آخذٌ به إلي من وصيتي: تقوى اللّه، والاقتصار على ما فرضه اللّه عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك؛ فإنهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهمٍ وتعلمٍ لا بتورط الشبهات وعلق الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك، وترك كل شائبةٍ أولجتك في شبهةٍ، أو أسلمتك إلى ضلالةٍ، فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هماً واحداً فانظر فيما فسرت لك، وإن لم يجتمع لك ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء(34) وتتورط الظلماء، وليس طالب الدين من خبط أو خلط والإمساك عن ذلك أمثل، فتفهم يا بني وصيتي...
واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلّا على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك؛ فإنك أول ما خلقت به جاهلاً ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك، ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك. فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك.
واعلم يا بني أن أحداً لم ينبئ عن اللّه سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فارض به رائداً وإلى النجاة قائداً، فإني لم آلك نصيحة وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك.
واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبداً ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية، عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، و قلة مقدرته وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعته، والخشية من عقوبته والشفقة من سخطه، فإنه لم يأمرك إلّا بحسن، ولم ينهك إلّا عن قبيح.
يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها، وزوالها وانتقالها، وأنبأتك عن الآخرة وما أُعدّ لأهلها فيها، وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها وتحذو عليها، إنما مثل من خَبَرَ الدنيا كمثل قومٍ سَفْرٍ نَبا(35) بِهِم منزل جديب(36) فأموا(37) منزلاً خصيباً وجَناباً(38) مريعاً، فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق وخشونة السفر وجشوبة المطعم ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشيءٍ من ذلك ألماً، ولا يرون نفقةً فيه مغرماً، ولا شيء أحب إليهم مما قربهم من منزلهم وأدناهم من محلتهم، ومَثَل من اغترّ بها كمثل قومٍ كانوا بمنزلٍ خصيبٍ فنبا بهم إلى منزلٍ جديبٍ، فليس شيءٌ أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه.
يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قَلَّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب، فاسع في كدحك، ولا تكن خازناً لغيرك، وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك.
واعلم أن أمامك طريقاً ذا مسافةٍ بعيدةٍ ومشقةٍ شديدةٍ، وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالاً عليك، وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمِّله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادرٌ عليه؛ فلعلك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.
واعلم أن أمامك عقبةً كئوداً(39)، المخف فيها أحسن حالاً من المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المسرع، وأن مهبطك بها لا محالة، إما على جنةٍ أو على نارٍ، فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتبٌ، ولا إلى الدنيا منصرف.
واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيرك بالإنابة، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنةً، وحسب سيئتك واحدةً، وحسب حسنتك عشراً، وفتح لك باب المتاب وباب الاستعتاب، فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره، من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب(40) رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته؛ فإن العطية على قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك لما هو خيرٌ لك، فلرب أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له.
واعلم يا بني، أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنك في قُلعةٍ ودار بلغةٍ(41) وطريقٍ إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، ولابد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك، وأنت على حالٍ سيئةٍ قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذاً أنت قد أهلكت نفسك.
يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتةً فيبهرك، وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبأك اللّه عنها ونعت هي لك عن نفسها وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلابٌ عاويةٌ وسباعٌ ضاريةٌ، يهرّ(42) بعضها على بعضٍ، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، نَعَمٌ معقلةٌ وأخرى مهملةٌ، قد أضلت عقولها وركبت مجهولها، سروح(43) عاهةٍ بوادٍ وعثٍ، ليس لها راعٍ يقيمها ولا مسيمٌ(44) يسيمها، سلكت بهم الدنيا طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها وغرقوا في نعمتها، واتخذوها رباً، فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها. رويداً يُسفِر الظلام كأن قد وردت الأظعان يوشك من أسرع أن يلحق.
واعلم يا بني، أن من كانت مطيته الليل والنهار، فإنه يسار به وإن كان واقفاً، ويقطع المسافة وإن كان مقيماً وادعاً، واعلم يقيناً أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك، فخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب، فإنه رب طلبٍ قد جر إلى حَرَبٍ(45)، وليس كل طالبٍ بمرزوقٍ، ولا كل مجملٍ بمحرومٍ، وأكرم نفسك عن كل دنيةٍ، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً، وما خيرُ خيرٍ لا ينال إلّا بشر، ويسرٍ لا ينال إلّا بعسرٍ، وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت ألّا يكون بينك وبين اللّه ذو نعمةٍ فافعل، فإنك مدركٌ قسمك وآخذٌ سهمك، وإن اليسير من اللّه سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه، وإن كان كل منه.
وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء(46)، وحفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يدي غيرك، ومرارة اليأس خيرٌ من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفة خيرٌ من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساعٍ فيما يضره، من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر، قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، إذا كان الرفق خُرقاً(47) كان الخُرق رفقاً، ربما كان الدواء داءً والداء دواءً، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح، وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى(48)، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك، بادر الفرصة قبل أن تكون غصةً، ليس كل طالبٍ يصيب، ولا كل غائبٍ يئوب.
ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد، ولكل أمرٍ عاقبةٌ، سوف يأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطرٌ، ورب يسيرٍ أنمى من كثيرٍ، لا خير في معينٍ مهينٍ، ولا في صديقٍ ظنينٍ، ساهل الدهر ما ذل لك قعوده، ولا تخاطر بشيءٍ رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج، احمل نفسك من أخيك عند صرمه(49) على الصلة، وعند صدوده(50) على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كأنك له عبدٌ وكأنه ذو نعمةٍ عليك، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله، لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك، وامحض أخاك النصيحة حسنةً كانت أو قبيحةً، وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعةً أحلى منها عاقبةً ولا ألذ مغبّةً(51).
ولِن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين، وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيةً يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما، ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه، ولا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخٍ من أضعت حقه، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبن فيمن زهد عنك، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
واعلم يا بني أن الرزق رزقان: رزقٌ تطلبه ورزقٌ يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى، إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، وإن كنت جازعاً على ما تفلّت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك، استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه، ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلّا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلّا بالضرب.
اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين، من ترك القصد جار، والصاحب مناسبٌ، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى، ورب بعيدٍ أقرب من قريبٍ، وقريبٍ أبعد من بعيدٍ، والغريب من لم يكن له حبيبٌ، من تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له، وأوثق سببٍ أخذت به سببٌ بينك وبين اللّه سبحانه، ومن لم يبالك(52) فهو عدوك، قد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً.
ليس كل عورةٍ تظهر، ولا كل فرصةٍ تصاب، وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده، أخِّر الشر فإنك إذا شئت تعجلته، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه، ليس كل من رمى أصاب.
إذا تغير السلطان تغير الزمان، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، إياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك. وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفنٍ(53) وعزمهن إلى وهنٍ، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت ألّا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملِّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانةٌ وليست بقهرمانةٍ(54)، ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها، وإياك والتغاير في غير موضع غيرةٍ، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقَم والبريئة إلى الريب.
واجعل لكل إنسانٍ من خدمك عملاً تأخذه به، فإنه أحرى ألّا يتواكلوا في خدمتك، وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول، استودع اللّه دينك ودنياك، واسأله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة، والسلام»(55).
***
إلى غيرها من الوصايا الكثيرة المذكورة في كتب الروايات.
وهي تجارب وسلوك الخبراء التي قدموها لغيرهم، فينبغي الاستفادة منها إذا أراد الإنسان أن يعيش حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يبصرنا ويرشدنا إلى ما هو الخير والصلاح إنه سميع مجيب.
«اللّهم صل على محمد وآله، وبلّغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن الأعمال...»(56).
من هدي القرآن الحكيم
من مقومات التجربة استعمال العقل
قال تعالى: {كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ}(57).
وقال عزّ وجلّ: {وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ}(58).
وقال سبحانه: {وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ}(59).
وقال جلّ وعلا: {كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ}(60).
الإيمان سر نجاح التجارب
قال تبارك وتعالى: {ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ...}(61).
وقال عزّ وجلّ: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ}(62).
وقال سبحانه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ}(63).
وقال جلّ وعلا: {وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ}(64).
القرآن العظيم التجربة الناجحة
قال عزّ وجلّ: {قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ * يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ}(65).
وقال تعالى: {وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ}(66).
وقال سبحانه: {فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ}(67).
وقــال جـلّ وعـلا: {وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ}(68).
التأسي بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والصالحين
قال تبارك وتعالى: {قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَآ إِلَٰـهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فََٔامِنُواْ بِــٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ}(69).
وقال سبحانه: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا}(70).
وقال عزّ وجلّ: {وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ}(71).
وقال جلّ وعلا: {قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ}(72).
من هدي السنّة المطهّرة
استعمال العقل من مقومات التجربة
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إنما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له»(73).
وقال الإمام علي (عليه السلام): «بالعقل صلاح كل أمر»(74).
وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «العقول أئمة الأفكار، والأفكار أئمة القلوب، والقلوب أئمة الحواس، والحواس أئمة الأعضاء»(75).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «العقل دليل المؤمن»(76).
الإيمان سر نجاح التجارب
قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان»(77).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فبالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الإيمان»(78).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «وبالإيمان يُعمر العلم»(79).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ}(80): «هي الإيمان باللّه يؤمن باللّه وحده لا شريك له»(81).
القرآن العظيم سر النجاح
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «فعليكم بالقرآن... من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل...»(82).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «واللّه اللّه في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم»(83).
وقالت موالتنا الزهراء÷: «للّه فيكم عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب اللّه بينة بصائرها، وآي منكشفة سرائره... وقائداً إلى الرضوان أتباعه، ومؤدياً إلى النجاة أشياعه...»(84).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي»(85).
التأسي بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «هُدي من سلّم مقادته إلى اللّه ورسوله وولي أمره»(86).
وقال (عليه السلام): «واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي، واستنّوا بسنته فإنها أهدى السنن...»(87).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «فتأس بنبيك الأطيب الأطهر (صلى الله عليه وآله) فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاءً لمن تعزّى، وأحب العباد إلى اللّه المتأسي بنبيه، والمقتص لأثره...»(88).
وقال الإمام سيد الساجدين (عليه السلام): «ألا وإن أبغض الناس إلى اللّه من يقتدي بُسنة إمام ولا يقتدي بأعماله»(89).
اضف تعليق