q
كانت أزمة مرض فيروس كورونا سببا في إبراز هذه الفوارق القائمة على النوع الاجتماعي (الجندر) بشكل أوضح ويتعين على الأطر الإقليمية، والمنظمات المتعددة الأطراف، والمؤسسات المالية الدولية أن تدرك أن النساء سيلعبن دورا حاسما في حل الأزمة، وأن التدابير المتخذة في التعامل مع الجائحة وتداعياتها الاقتصادية...

على الرغم من وجود علاقة بين دور كل من المرأة والرجل، إلا أن مفهوم النوع الاجتماعي "الجندر" كمصطلح يعد حديث العهد في عالمنا العربي؛ حيث بدأ انتشاره على الساحة العربية بالثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، انتشر مفهوم النوع الاجتماعي في الغرب في القرن التاسع عشر من خلال ثلاث موجات نسوية التوجه (Feminism) ظهرت في أميركا الشمالية، ومن ثم انتقلت إلى أوروبا الغربية العام 1988؛ حيث طالبت النسويات بالمساواة بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق، لذلك فهو مفهوم يعد غربي الجنسية وشرقي الملامح.

يُطلق مصطلح النوع الاجتماعي "الجندر" على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من المرأة والرجل، وتتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقا لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل: الدين والطبقة الاجتماعية والعادات والتقاليد والعرق والبيئة والثقافة والإعلام، النوع الاجتماعي يجب أن يترادف معه مصطلحا تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، نقصد بتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية المساواة جميعا بين الرجل والمرأة في جميع النواحي، إن كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية، ونقصد به أيضا الحد من التمييز القائم على الجنس.

الفرق بين الجنس والجندر

الجنس هو مجموعة الخصائص البيولوجية والفسيولوجية الخاصة بكل من الذكر والأنثى حسب منظمة الصحة العالمية، فالجنس يبين الاختلاف البيولوجي (الكروموسومات والهرمونات) الذي يُميز الذكر بالإخصاب، ويُميز الأنثى بوجود الرحم، وما يترتب على ذلك من الحمل والولادة، وبالطبع اختلاف شكل الأعضاء التناسلية الخارجي، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

النوع الاجتماعي أو "الجندر" هو الأدوار والسلوكيات والأنشطة والصفات المحددة اجتماعيا، بحيث يعتبرها مجتمع ما مناسبة للنساء أو الرجال، يتم بناء النوع الاجتماعي من خلال التنشئة الاجتماعية، وتختلف من مجتمع إلى آخر حسب العادات والتقاليد والقيم والمعايير والاتجاهات ومستوى المساواة ﺑﻳن اﻟﺟنسين والعدالة في تكافؤ الفرص، كما يمكن تغييرها وتعديلها.

الأدوار حسب الجندر

الأدوار التي يحددها المجتمع للمرأة والرجل معا، تُكتسب من خلال التنشئة الاجتماعية، وتتغير بمرور الزمن وتتباين داخل الثقافة الواحدة ومن ثقافة إلى أخرى:

الدور الإنجابي: لا يرتبط إنجاب الأطفال والحمل والولادة فقط بالمرأة، بل ينتج عن هذا الدور عدد من المسؤوليات المشتركة والمهام المنزلية والعائلية، والتي يقوم بها المرأة والرجل معا، مثل مسؤولية تنشئة الأطفال ورعايتهم وتربيتهم وغيرها من الأعمال المنزلية.

الدور المجتمعي: يعد الدور المجتمعي امتدادا للدور الإنجابي، ويمتد من الاهتمام العائلي إلى الاهتمام المجتمعي، يتوزع هذا الدور بين المرأة والرجل على حسب الثقافة المجتمعية، ويؤدى هذا الدور بشكل تطوعي للمساهمة في تطوير المجتمع.

الدور الإنتاجي: وهي الأدوار التي يقوم بها كل من النساء والرجال مقابل أجر؛ ويشتمل على الإنتاج وجلب الدخل سواء كان في السوق أو في المنزل تفيد مؤشرات الفجوة الجندرية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2018 إلى وجود أربعة محاور رئيسية للمرأة في العالم وهي: الصحة والتعليم والمشاركة السياسية والتمكين الاقتصادي، وتشير الأرقام إلى أن نسبة مشاركة المرأة في السياسة والاقتصاد متدنية، بينما نسبة مشاركتها في قطاع الصحة والتعليم مرتفعة؛ بناءً على هذه المؤشرات يجب التصدي لهذه الفجوة وإيجاد حلول لرفع نسبة مشاركة المرأة في القطاعين الاقتصادي والسياسي، كما يجب زيادة دور المرأة في عملية اتخاذ القرار وتخفيض الفروقات في الأجور بين المرأة والرجل وتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تحكم سلوك المرأة والرجل بهدف القضاء على الفجوات الجندرية.

الدور السياسي: احتكر الرجال المناصب السياسية والقيادية ومراكز اتخاذ القرار في العالم، وما يزال دور المرأة في هذا المجال مقيدا ونسبة مشاركتها ضئيلة.

صرامة عقائدية ونزعة أصولية

تقوم العقيدة الجندرية على فصل صارم بين ما تسميه "النوْع البيولوجي" و"النوْع الاجتماعي"، وهو مفهوم يستند إلى مقولات تأسيسية تنزع إلى أسبقية الوجود على الماهية، أو بتعبير سيمون دي بوفوار بأنّ إحداهنّ "لا تُولَد امرأةً؛ بل تصبح كذلك"، وهي مقولة قد تحتمل وجوهاً تأويلية مقبولة نسبياً وقد تُؤخَذ على ظاهريّتها لتحمل دلالةً إطلاقيّة متطرِّفة، إنّ الاجتماع البشري، في سياقاته الثقافية والتاريخية، حسب هذه السردية، هو ما يُحدِّد الذّكَر ويحدِّد الأنثى، أو يُصنِّف الرّجل والمرأة؛ فيكون "النوع الاجتماعي" مستقلاً عن "النوع البيولوجي" وإنْ لمْ يُنكَر التأثيرُ الاجتماعيّ (الثقافي/ التاريخي) في مفهوم الذُّكورة والأنوثة، أو الرّجل والمرأة، وما يترتّب على ذلك من مواقع وأدوار؛ فهل يصلح هذا مبرِّراً لنفْيٍ إطلاقيٍّ للأثر الاجتماعي لما يسمّى "النوع البيولوجي" ذاته؟ ألا تجرّ السِّماتُ البيولوجية والفسيولوجية والنفسية ونحوها تأثيرات جَلِيّة أو محتملة على الإنسان، أو لِنَقُل "النوع الاجتماعي"؛ ماضياً و/أو حاضراً؟

يحسم الخطابُ الجندريّ، أو الخطابات بالأحرى، هذه المسألة بالنزوع إلى ما تبدو – أحياناً – وثوقيةً قطعيّةً مُتعالية، وهذا من الوفاء لمقولات تأسيسية صارمة كالتي عبّرت عنها سيمون دي بوفوار وجوديث باتلر وغيرهما رأت بتلر مثلاً أنّ الشخص بوسعه أن يختار "النّوْع" الذي يريد، وهي مقولة سيكون لها تأثير تحفيزيّ باتجاه "اختيارات النّوْع" بصفة مستقلّة عن الخصائص "البيولوجية" و"الفسيولوجية" وأخواتها مضى الموقف الجندريّ الذي يرفض التحديد المُسبَق؛ إلى افتعال فِصامٍ في كيان الإنسان بمحاولة حصر التمايُز الذاتيّ في "النوْع البيولوجيّ" كي يبرِّر موْقفَه، مع عَزْل "الاجتماعيّ" بصرامة عن الكيان الإنساني المستقلّ، بما يقضي بانتفاء هُويةِ الإنسان المتجاوزة للجسد التشريحيّ في لحظةِ انبثاقه إلى الحياة أو بما يفيد تحييدها على أساس هذا الصّدْع المُتصَوّر.

أيديولوجية صراعية واستراتيجية تقويضية

من عادة العقيدة الجندرية أن تهبط على المجتمعات "مِن فوْق"، ضمن مواثيق ونصوص مُنمّقة، وأن تتسلّل مقولاتها عبر مناهج ودورات محبوكة أو تعبِّر عن ذاتها بهدوء كامن في مضامين ثقافية وإعلامية وفنية بصفة قد لا تُلحَظ لغير العين الفاحصة؛ لكنها تتقدّم في مشهدها الإجمالي المُعولَم بصفة أيديولوجيا صراعية واستراتيجية تقويضية تنزع عن النظام الاجتماعيّ القائم شرعيّتَه بصفة تنشد تفكيكَه لصالح نَفْي النظام؛ وإنْ لم يرغب جميعُ المنتسبين إلى الحالة بذلك، وترفض العقيدة الجندرية الثّبات، فهي تسعى إلى فرض الانصياع لسيولة نسبية لا تملك إلاّ أن تُفضي إلى عدميّة في مآلاتها؛ فهذه العقيدة بأصولها وفروعها ومقتضياتها وتبعاتها مؤهّلةٌ لأن تجرف في طريقها آصرةَ الزّواج ومفهوم الأسرة والعلائق الوالدية ووشائج القرابة؛ فتفرض عليها جميعاً متواليةً لا نهائية من عمليات إعادة التعريف وإسقاط المفهوم ونَزْع المعنى وإغراق الجمهور بتصنيفات اصطلاحية لا يحدّها حدّ.

تتناقض فكرة القبول بالنظام الاجتماعي القائم مع الأسس الفلسفية للجندرية التي تأنف الثّبات وتنبذ النمطية وتنقض الهيكلية وتوزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات بناء على ما تسمِّيه "النوع البيولوجي"، فهي تضع الفرد الذي ينساق خلف "ميْله" المفترض أو "توجّهه" المُتصوَّر في مركز المشهد الذي عليه أن يتشكّل على هذا الأساس، قد تأتي الأيديولوجيا الجندرية، فوق هذا، مُشبّعةً بنزعة تكفير قيميّ بحقّ مَن لا يتماشى معها؛ فيصير بمروقه من المحفوظات – المفروضة حتى دون نقاش ديمقراطيّ أو تشاوُر مجتمعيّ – مُنْحَلاًّ من الالتزامات المبدئية والقيمية ومُنْسَلاّ من المواثيق المغلّظة التي تدين مخالفيها؛ فألواحُها تُرفَع عالمياً إلى مراتب الكتب المقدّسة التي تُقتَبس منها التعاليم وتُجتَزأ منها الوصايا، وإنْ لم يتّضح هذا التزمّتُ الأيديولوجيّ في مرحلة التبشير الجندريّ الذي يخالج المجتمعات "المُحافِظة" على استحياء؛ فقد تستبين شواهدُهُ تباعاً مع رسوخ الاعتقاد الأيديولوجي المترتِّب عليه؛ بما يفرضه من برامج عمل تدفع بتحوّلات جذرية تخرج عن السيطرة؛ على نحو لم يقصده بعض المبشِّرين المحلِّيين بهذه العقيدة التي استهوتهم بعض شعاراتها ومبرِّراتها أو استحوذ بريقُها على أذهانهم ووجدانهم.

الجائحة والجندر

حيثما ينظر المرء، سيجد أن النساء يتحملن القدر الأعظم من المسؤولية عن تماسك المجتمعات، سواء في المنزل، أو في مجال الرعاية الصحية، أو في المدرسة، أو في رعاية المسنين وفي العديد من البلدان، يؤدي النساء هذه المهام دون أجر ومع ذلك، حتى عندما يتولى مهنيون تنفيذ مثل هذه الأعمال، يميل النساء إلى الهيمنة عليها، ويملن إلى الحصول منها على أجور أقل مقارنة بالمهن التي يهمين عليها الذكور، كانت أزمة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد-19 COVID-19 سببا في إبراز هذه الفوارق القائمة على النوع الاجتماعي (الجندر) بشكل أوضح ويتعين على الأطر الإقليمية، والمنظمات المتعددة الأطراف، والمؤسسات المالية الدولية أن تدرك أن النساء سيلعبن دورا حاسما في حل الأزمة، وأن التدابير المتخذة في التعامل مع الجائحة وتداعياتها الاقتصادية يجب أن تتضمن منظور النوع الاجتماعي.

النوع الاجتماعي لا يختص بالمرأة فقط، ولا بالجنس ولا بالسيطرة على الرجل وليست حركة تهدف لتدمير العائلة، ولا لنقض القيم والعادات والتقاليد المجتمعية، ولا يعني أيضا تخلي المرأة عن رعاية أطفالها ولا ترك أنوثتها؛ بل نعني بالنوع الاجتماعي أدوار وحقوق وواجبات وممارسات المرأة والرجل في المجتمع، المرأة والرجل جسدان بروح واحدة؛ لأن الكون قائم على ثنائية المرأة والرجل، والله خلق البشر على هيئة نوعين وجنسين هما ذكر وأنثى، ولا يستطيع الكون أن يقوم على جنس واحد يستقوي على الآخر كما يجب تعزيز التنشئة الاجتماعية والمساواة ﺑﻳن اﻟﺟنسين والعدالة في تكافؤ الفرص، وإدراك أن أدوار اﻟنوع اﻻﺟﺗماعي ناتجة ﻋن ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟمجتمع وﻳمكن ﺗﻐﻳﻳرها ﻟﻠرﺟل واﻟمرأة.

........................................................................................................................
المصادر
- بروجيكت سنديكت
- الغد
- الجزيرة
- فسحة، عرب 48

اضف تعليق


التعليقات

م ناظم
العراق
من خلال ما اطلعت عليه من طرح حول مفهوم الجندر من النواحي المجتمعيه والدينية والبيولوجية والفيزيولجية ان المسواة بين المرأة والرجل في اعداد مجتمع يتكل بتقدمه على المرأة والرجل على على حد سواء واختيار الفرد المجتمعي بتحديد هويته نحو ما. اذا ان يكون بمصاف الرجال او النساء فضلا ان كان هو رجلا او أنثى
هنا يبدا التخريب ! لربما يسال البعض ما التخريب الذي يفعله الجندر في المجتمعات ؟
لو طبق ما هو مفهوم حول الزوج والزوجه والانجاب في مجتمع الجندر .كيف للرجل ان ينجب اطفال وهو لم يمتلك رحما (هنا ندخل الفهم الفسيولوجي) وهل لو تزوج رجلا مثله علما ان الاول له ميول انثويه مالذي يحصل او العكس نساء بزي رجل واخرى بزيها الأنثوي كيف يحصل التزاوج وهل ينجب كلا الطرفين هنا المجتمع يوما بعد يوم يقل فيه البشر لعدم وجود انجاب هذا من الناحية الفسيولوجيه .
اما من الناحية البيولوجية فان كيان وعضلات المراة ليست كضلات الرجل نقف قليلا لندخل الدين بالموضوع لما قال الله في كتابه العزيز (بسم الله الرحمن الرحيم .الرجال قوامون على على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)
من يعترف بوجود الله سوف ياخذ بكلامه لان بنية المراة ضعيفه لا تقوى على الاعمال الشاقه او بحث اخر لو المراة لها القدرة كقدرة الرجال لجعلها الله لاختارها نبيا ...
هل الله لا يعلم ما قدرة النساء او قدرة الرجال ...لما جعل العمل والرزق والمعيشة على الرجل ولم يجعلها على المراة أفي ذلك شك في الله
ادعو كل من يبحث بهذا الموضوع ان يرجع الى العقلانيه وان يجعل الحياة تسير كما اراد الله ولا يعبث بخلقه ...شكرا لكم2023-07-27