الموت حقيقة واقعة على الجميع لا مفرّ منها ولا ملجأ، وهذا ما اشارت اليه العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث والروايات الشريفة، وقد قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٥٧ العنكبوت﴾، وقوله تعالى (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ آرْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). ويقول الإمام علي (ع) في ذكر الموت: ".. وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات....". والموت كما تشير المصادر، هو حالة توقف المخلوقات (الحية) نهائيا عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية (مثل التنفس والأكل والشرب والتفكر والحركة والخ) ولا يمكن للأجساد الميتة أن ترجع لمزاولة النشاطات والوظائف الآنفة الذكر.
وتتنوع الطقوس المرتبطة بالموت بحسب الثقافات المختلفة، هناك ثقافات تعمل على التخلص من جثّة الميت إما بدفنها أو بحرقها كما قامت الحضارات الفرعونية في مصر القديمة في تحنيط الجثث وذلك لاعتقادهم بان الروح سترجع مرة أخرى ومن يمس الجثة ستنزل عليه لعنة الفرعون.
يقوم أتباع بعض الديانات كالإسلام بغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. وفي الثقافات الغربية عموما، يتم تجهيز الميت بشكل مقبول نسبيا وذلك في إطار طقوس توديعه وإلقاء النظرة الأخيرة. اما في الهند بالنسبة للهندوس فهناك طقوس للميت حيث يجتمع اقاربه في المحرقة ثم يحضر خشب بوزن خاص ويوضع بشكل طولي بين أعمدة من الحديد مثبته في الأرض خصيصا لهذا الغرض ويوضع هذا الخشب ثم يؤتى بالميت ويدهن وجهه بقليل من المواد المساعدة على الاحتراق ثم يوضع فوق الخشب المصفوف سابقا" ثم يوضع فوقه بقيه الخشب ثم يبدأ بالحرق ويوضع بعض من روث البقر اعتقادا منهم ببركتها للميت ثم يأتي الأقارب ويبدؤون برمي بعض الأشياء الصغيرة من روث وغيرة وهذا بعد أن يحترق أغلب جسده ثم تأتي عائلته وتأخذ رماد جسده وتتجه به نحو النهر المقدس ثم ينثر هناك الجدير بالذكر انه في السابق فأن الرجل الهندي الهندوسي عندما يموت فيحرق فان الزوجة تحرق معه.. وبعد أن جاءت الدولة الهندية الحديثة منعت ذلك وعاقبه من يفعله بشدة، ولكن الهندوس اعقبوا بأن من تخلص لزوجها فأنها ولا شك بأنها ستحرق نفسها معه. ولايزال الموت وحوادث الموت التي ازدادت بسبب الحروب والمشكلات المتفاقمة محط اهتمام وسائل الاعلام التي تسعى الى نقل كل ما هو غريب ومميز من اخبار ومتابعات في مختلف دول العالم.
العيش مع جثة
وفي هذا الشأن عاشت أسرة كندية مع جثة في غرفة النوم الموجودة في الطابق العلوي في المنزل الذي تقيم به لمدة ستة أشهر لاعتقادهم أن المتوفى قد يبعث إذا ما صلوا من أجله لكن الجثة أكتشفت عندما طردت الأسرة من المنزل لعدم دفعهم الرهن العقاري المستحق. وقال محامي كالينج والد (50 عاما) إنها أدينت بعدم إبلاغها الشرطة عن وفاة زوجها ويعد عدم الإبلاغ هذا جريمة طبقا لقانون الطب الشرعي وحكم عليها بأن توضع تحت المراقبة والإرشاد. وقال المحامي بيتر بوشي إن السلطات تعتقد أن بيتر والد (52 عاما) توفي في مارس آذار 2013 نتيجة لأسباب طبيعية في أعقاب عدوى غذائية أصيب بها مرتبطة بمرض السكري المصاب به.
وتركته زوجته كالينج والد في سريره وأحكمت غلق غرفة النوم في منزلهما الكائن في هاميلتون بأونتاريو لمنع رائحة التحلل من إزعاج السكان المشغولين وهم خمسة من بين أبنائهما الستة بالإضافة إلى أشخاص بالغين أخرين يعيشون في المنزل. وأكتشفت الجثة في سبتمبر أيلول 2013 عندما حضر قائد الشرطة المحلية لطرد الأسرة من المنزل بعد تخلفها عن دفع الرهن لعقاري المستحق عليها. وفي حين اجتذبت الجثة القوارض كما تحللت بصورة سيئة لكن الأسرة كانت تستعد للإخلاء ولم تحاول اخفاء الجثة.
النعوش في باكستان
من جانب اخر تتخبط باكستان منذ عقد من الزمن في اعمال عنف دامية بشكل شبه يومي، لكن مصائب قوم عند قوم فوائد، كما الحال بالنسبة لجهانزيب خان صانع النعوش الذي ازدهرت اعماله جراء هذه المأساة المستمرة. فهذا الباكستاني الستيني الذي كان يعمل سابقا بائعا للخردوات لم يكن ليصدق انه سيصبح الرائد في موجة جديدة اطلقها في مطلع الثمانينات في تصنيع النعوش، في بلد ينقل موتاه تقليديا الى المدافن على سرير من الحبال المتشابكة ثم يوارون الثرى داخل اكفان.
لكن لدفن ضحايا الهجمات الانتحارية او التفجيرات بالعبوات الناسفة الذين يسقطون بشكل شبه يومي في باكستان، يبقى استخدام النعوش ملائما اكثر. ويحقق جهانزيب صاحب اللحية البيضاء النظيفة ايرادات طائلة بسبب ازدهار مهنته، من دون ان يبدي سعادته بهذا الوضع. ويقول هذا الرجل من مشغله الواقع في محلة يكه توت في بيشاور، احدى اكبر المدن الباكستانية على تخوم افغانستان "عندما انطلقت في هذه المهنة، لم اكن اتوقع ملاقاة هذا النجاح كله. اليوم، يسقط أناس يوميا في هجمات ارهابية ويحصل أنني لا استطيع تلبية كل الطلبات في بعض الاحيان".
في وقت سابق اقتحم مسلحون من حركة طالبان مدرسة في بيشاور ولاحقوا عددا كبيرا من التلامذة حتى مقاعدهم الدراسية وارغموهم على الاصطفاف امام اللوح قبل تصفيتهم بدم بارد. وبعد هذه الهجوم الذي اودى بحياة 150 شخصا، وهو الاعنف في تاريخ البلاد، زادت انشطة جيهانزيب. وفي ذاك اليوم، باع 60 نعشا ما ادى الى استنفاد كل مخزونه. الا ان هذا الوضع ليس مصدر ارتياح له ابدا. ويصرح جيهانزيب "كنت منهارا. لقد حصلت هجمات عدة في هذه المدينة انفطر قلبي بسببها، الا ان هذا الهجوم كان بلا شك الافظع والاكثر اثارة للقلق. هؤلاء الاطفال اطفالنا".
الا ان هذا اليوم المأسوي لم يحمل رقما قياسيا بالنسبة لهذا التاجر، بل ان الرقم القياسي في بيع النعوش في يوم واحد سجله سنة 2013، عندما فجر انتحاريان نفسيهما امام كنيسة في بيشاور لدى خروج المصلين من القداس. لكن على رغم مشاعر الحزن التي تلت الهجوم، فإن الغضب الشعبي خفت سريعا. لكن بعد الهجوم على مدرسة بيشاور التي كان يرتادها اطفال عناصر في القوات الباكستانية، اكثر المؤسسات التي تحظى باحترام في البلاد، بدت باكستان وكأنها تنخرط سريعا في دوامة عنف اكبر. فقد كثف العسكريون غاراتهم على طالبان الذين يحاربون السلطة في باكستان وتعهد الجيش باستهداف "جميع الارهابيين" بمن فيهم اولئك الناشطون في الخارج انطلاقا من الاراضي الباكستانية.
قبل انطلاق عمليات طالبان في باكستان في العام 2007، لم يكن جيهانزيب يبيع سوى نعش واحد الى ثلاثة يوميا في هذه المدينة التي تعد اربعة ملايين نسمة. وكان زبائنه في تلك الفترة خصوصا من اللاجئين الافغان الراغبين في دفن اقربائهم في الناحية الثانية من الحدود وبالتالي نقل جثامينهم داخل نعوش، او من العائلات الحريصة على احترام التقليد المحلي المعروف بـ"بورده" والقائم على عزل النساء عن الرجال وذلك للتأكد من عدم حصول اي احتكاك بين الجنسين حتى بعد الوفاة.
حاليا، تلقى النعوش المصنوعة من الخشب والمبطنة من الداخل رواجا اذ يبيع جيهانزيب يوميا حوالى خمسين منها لدفن ضحايا اعمال العنف، ولكن ايضا لاشخاص توفوا "بسلام" لاسباب طبيعية. وانتقل هذا التوجه حتى الى قوات الامن. إذ أن محال اخرى مثل محل شريار خان (23 عاما) تتخصص في النعوش الخاصة بالعسكريين الذين هم في مقدمة المواجهة مع المتمردين الاسلاميين. ويقول شهريار خان ان "العسكريين يطلبون خشبا بنوعية افضل ومسكات على الجوانب لنقل الجثمان بسهولة اكبر. النعش العادي يكلف حوالي ثلاثة الاف روبية (30 دولارا) لكن النعش العسكري يقارب ثمنه 10 الاف روبية (مئة دولار). بحسب فرانس برس.
ولدى شهريار خان موظف يدعى نياز علي شاه ينام في المحل الواقع في بيشاور تحسبا لأي تطورات قد تستدعي بيع نعوش خلال الليل التزاما بضرورة دفن الموتى نهار وفاتهم او في اليوم التالي. ويوضح شاه ان "المسعفين يعرفوننا وعندما يحتاج اشخاص لنعوش فإنهم يدلونهم مباشرة الى متجرنا"، وهو واحد من بين خمسة عشر محلا لبيع النعوش في بيشاور. ويضيف "الناس يصلون الينا باكين. بيع النعوش يذكرنا بأن مصيرنا جميعا في النهاية هو الموت. هذه الحياة فانية".
مخاطر إحراق الجثث
الى جانب ذلك دعا أنصار حماية البيئة السلطات الأوروبية إلى التصدي لانبعاثات الزئبق الناجمة عن إحراق جثث البشر، وأظهرت بيانات أمريكية أن إحراق البشر لجثث الموتى بسبب نقص الأراضي المخصصة للمقابر أو غلو أسعارها تسببت في زيادة انبعاثات الزئبق السام في الهواء. وطالب أنصار حماية البيئة بفرض قيود على انبعاثات الزئبق السام الناجمة عن إحراق جثث البشر وذلك في إطار الضوابط الخاصة بالتلوث التي تعتزم السلطات الأوروبية مناقشتها.
وأظهرت البيانات التي جمعها باحثون أمريكيون أن زيادة أنشطة إحراق جثث البشر -الناشئة عن نقص الأراضي المخصصة للمقابر وغلو أسعارها- تقترن بزيادة في انبعاثات عنصر الزئبق السام الناجمة عن حرق حشوات الأسنان. وأشارت البيانات إلى أن عملية الإحراق الواحدة ينطلق منها من اثنين إلى أربعة غرامات من الزئبق في المتوسط.
ويرتبط الزئبق بمشاكل تتعلق بتأخر النمو العقلي وبعد انطلاق هذا العنصر السام في الجو وسقوطه مع الأمطار يتركز في الأسماك وفي حالة وصوله لأجسام الحوامل فقد يسبب أضرارا للأجنة. وتوصل الباحثون في مجال الصحة العامة إلى أن نحو 200 ألف طفل يولدون في دول الاتحاد الأوروبي سنويا يعانون من وجود مستويات من الزئبق بأجسامهم تمثل ضررا على نموهم.
ويقول المكتب الأوروبي لشؤون البيئة -الذي ينسق جهوده مع منظمات غير حكومية في بروكسل في جدل يثير استقطابا متزايدا بشأن جودة الهواء- إن إحراق جثث الموتى يتعين أن يخضع لمعايير جديدة خاصة بإحراق المخلفات. وتتمثل إحدى الخيارات في (نزع أسنان المتوفين) قبل إحراق الجثث رغم أن أنصار حماية البيئة يعترفون بأن هذا الإجراء قد يثير قضايا أخلاقية.
وألمانيا هي الوحيدة بين دول الاتحاد وعددها 28 دولة تفرض قيودا على الانبعاثات من الزئبق رغم وجود ضوابط على المحطات التي تعمل بالفحم وهو أكبر مصدر للتلوث بالزئبق. ومنعت السويد والدنمارك استخدام الزئبق في حشوات الأسنان. ومن بين بنود مسودة تشريع جودة الهواء للاتحاد الأوروبي عام 2013 وضع حدود قومية قصوى للملوثات والانبعاثات من محطات الاحتراق المتوسطة الحجم التي تضم من الناحية النظرية محارق جثث الإنسان.
واقترحت المفوضية الأوروبية العام الماضي التخلي عن الأهداف القومية ومناقشة محطات الاحتراق متوسطة الحجم وذلك بناء على طلب من الدول الأعضاء. وأظهرت بيانات من جمعية إحراق جثث البشر في بريطانيا العظمى أنه خلال عام 2012 في أوروبا كانت أعلى نسب إحراق في سويسرا الدولة غير العضو بالاتحاد الأوروبي بنسبة 85 في المئة تلتها الدنمرك بنسبة 77 في المئة ثم بريطانيا 73 في المئة.
على صعيد متصل فنعوش مصنوعة من الكرتون المقوى والقطن العضوي وجرار جنائزية مصنوعة من القصب وأكفان، هذا ما تقترحه تعاونية بلجيكية تحاول ان تنشر الحس البيئي والممارسات الاخلاقية في قطاع دفن الموتى. وأسس هذه التعاونية لدفن الموتى التي تعرف باسم "ألفوس" فسيدريك فانهوريبيكي (30 عاما) قبل عام تقريبا، وهو ابن عائلة معروفة في هذا القطاع. ويهدف مشروع سيدريك، صاحب الخبرة الواسعة في العمل التعاوني، الى "تخفيف تأثير المآتم السلبي على البيئة" فضلا عن "التخلص من الممارسات المافيوية لكارتل شركات دفن الموتى" على حد تعبيره.
وهو يندد بالوضع القائم قائلا "انه قطاع تصل هوامش الربح فيه الى خمس او ست مرات، وحيث التجديد يواجه عوائق بسبب النزعة المحافظة السائدة في هذا الوسط". ومراعاة للبيئة، يمنع سيدريك استخدام كل المواد الاصطناعية "ولا سيما الملوثات في عملية حرق الجثث". وقد تدرب الرجل الشاب شخصيا على حرفة صنع السلال لكي يصنع بنفسه النعوش والجرار الجنائزية "من قصب الصفصاف البلجيكي".
ويوضح "ان الامر يتطلب ثلاثة ايام او اربعة، اي ضمن المهل الاعتيادية في مراسم الدفن "في بلجيكا. ويضيف "بالنسبة للجرار فهي تصنع من القصب الذي يمكن ان ينمو مجددا بعد طمره". ويعمل ايضا على مشروع لصنع نعوش من معجون الورق مع دوميدو وهي فنانة كانت تبحث عن شركة دفن موتى تسمح لها بتصميم نعشها الخاص. وقد صنعت مجسما يحاكي ناووسا مصريا.
وتقول هذه الخبيرة السابقة في العلاجات البديلة ان "معجون الورق يسمح بحس ابتكاري اكبر في الاشكال" حتى لو تطلب ذلك بنية مصنوعة من القصب والورق المدهون بالبرافين لضمان متانة النعش وعدم حصول عمليات نش. اما على صعيد اخلاقيات المهنة، فلا بد من تحديد اثمان مقبولة. وتباع النعوش الخشبية انطلاقا من سعر 300 يورو، والكرتونية بسعر 200 يورو. بحسب فرانس برس.
وتوفر تعاونية "الفوس" مراسم دفن كاملة تراوح كلفتها بين 200 و2500 يورو اي نصف السعر الوسطي المعتمد في بروكسل على ما يؤكد فانهورينبيكي. الا انه ينفي مقولة انه يعتمد سياسة "لو كوست" (اسعار مخفضة) لجذب الزبائن، مؤكدا انه يهتم بالراحة النفسية لعائلة الفقيد بطريقة شخصية اكثر مقارنة بالشركات الاخرى ويشركها ايضا في التحضيرات مثل تلوين النعش والمشاركة في تحضير الجرار الجنائزية.
ولا يزال رقم اعمال هذه الشركة متواضعا ويوضح سيدريك ان 80 % من نشاطه لا يزال يندرج في اطار المراسم التقليدية التي يرجع اليها كثيرون في اللحظة الاخيرة. وللقوانين دور في ذلك فسلطات بروكسل والمنطقة الفلمنكية لا تفرض استخدام النعوش الخشبية وتسمح لذوي الموتى بنثر رمادهم في اراض خاصة. الا ان الوضع مختلف في منطقة والونيا الناطقة باللغة الفرنسية حيث مقر جمعية "الفوس".
تحويل الموتى إلى مخصبات
على صعيد متصل فمن التراب وإلى التراب نعود. هذا بالضبط ما تسعى إليه جماعة محلية لا تهدف للربح.. أن تصبح أول جهة في العالم تتيح خدمة تحويل الموتى إلى مخصبات زراعية يمكن استخدامها في زراعة الأزهار والأشجار بل والمواد الغذائية. لكن تحقيق هذا الهدف قد لا يكون سهلا.
والمشروع المسمى "مشروع الموت الحضري" من بنات أفكار المهندسة المعمارية كاترينا سبيد التي طرحت الفكرة عام 2011. وتصف سبيد الفكرة بأنها بديل بيئي مفيد وصحي للدفن وإحراق جثث الموتى. وهي تقول "الفكرة هي إعادة الموتى إلى المدينة. فلا توجد خيارات لدينا الآن للتصرف في جثثنا سواء من الناحية البيئية أو من ناحية المدلول وربما كان هذا هو الأهم."
وقالت سبيد إنها تأمل أن تبدأ تشغيل هذه الخدمة في غضون ثلاث سنوات. لكن المشروع يواجه عوائق قانونية وإدارية كبيرة لابد من التغلب عليها كي يبدأ تنفيذه. ورغم أن المشروع وضع تصميمات معمارية لمنشأة تحويل الرفات البشرية إلى مخصبات فإن المجموعة لم تستكمل جمع التبرعات اللازمة وإيجاد موقع لبناء المنشأة. وبخلاف ذلك لابد من حصول المشروع على ترخيص للعمل كدار للجنازات وفقا لما تقوله إدارة التراخيص بولاية واشنطن.
كما يتعين الالتزام بالقيود المحلية للتخطيط العمراني والتي تشترط إقامة منشات صناعة المخصبات خارج الكتلة السكنية. غير أنه قبل معالجة هذه الأمور سيتعين على الجماعة وأنصارها الضغط من أجل تعديل قانون يقضي بضرورة دفن الرفات البشرية أو إحراقها أو التبرع بها للعلم أو نقلها خارج الولاية. وتقول سبيد إن هذه العقبات لن تردعها. وتضيف "لابد من إنجاز بعض الأعمال التنظيمية لكنني واثقة. فالناس تريد هذا الخيار."
ويتكون "مشروع الموت الحضري" من مبنى خرساني من ثلاثة أدوار يطلق عليه "القلب" تحيط به مساحات تتيح للزائرين فرصة التأمل. وسيتم تخزين الجثث في برادات (ثلاجات) لمدة تصل إلى عشرة أيام. ولن يكون من الضروري إتخاذ أي خطوات للتحنيط ما دام تحلل الجثث هو الهدف. وبعد مراسم الوداع سواء كانت ذات طابع ديني أو غير ذلك يساهم الأصدقاء وأفراد الأسرة في إدخال الجثمان إلى "القلب". وعلى مدى عدة أسابيع سيتحول الجثمان إلى مكعب من المخصبات يكفي لزراعة شجرة أو مجموعة من الأزهار. ويمكن للأسرة أن تستلم هذه المخصبات الناتجة أو تتركها كي يستخدمها المشروع أو يتبرع بها.
وقالت سبيد "في هذا النظام نتحول من بشر إلى شيء آخر. وفي النهاية ما ينتج أي المادة التي نستخدمها ستكون شيئا مميزا ومقدسا لكنه ليس بشريا." وقالت سبيد إن تحويل الرفات البشرية إلى مخصبات تتم من خلال نفس العملية التي تتحول بها الرفات الحيوانية لمخصبات وتدفن فيها الأبقار والجياد وغيرها من الحيوانات النافقة تحت نشارة الأخشاب والقطع الخشبية. واتفق معها في الرأي توماس باس خبير الشؤون البيئية لصناعة تربية الماشية بجامعة ولاية مونتانا. بحسب فرانس برس.
وقال باس إن تحويل رفات الماشية إلى مخصبات ازدادت شعبيته لانه خيار أقل كلفة من الحرق وأكثر فائدة للبيئة. وراقت فكرة أن يتحول الانسان بعد رحيله إلى غذاء لشجرة تفاح أو ثمار الأفوكادو للفنانة جريس سايدل (55 عاما) التي أعلنت لاصدقائها وأسرتها في سياتل رغبتها في تحويل رفاتها إلى مخصبات بعد أن تفارق الحياة. وقالت سايدل إن فكرة التحول إلى تراب يوضع تحت شجرة تبدو لها فكرة جميلة. وقالت سبيد إن الفكرة لاقت ردود فعل ايجابية في الغالب.
استنساخ روائح الأحباء
من جانب اخر تستعد شركة فرنسية لبيع عطور مستخرجة من روائح ملابس أحباء رحلوا عن الحياة، وقد توصلت جامعة لوهافر لوضع تقنية لنسخ الرائحة البشرية، واقترحت هذه الفكرة فرنسية فقدت والدها. تنوي شركة فرنسية اعتبارا من أيلول/سبتمبر البدء ببيع عطور مستخرجة من روائح الملابس لأحباء توفوا أو هم في غياب مؤقت.
طرأت الفكرة على ذهن الفرنسية كاتيا أبالاتيغي بعدما فقدت والدها الحبيب ورائحته التي كانت تحبها كثيرا. وتوضح الموظفة في شركة التأمين البالغة 52 عاما "تحدثت إلى والدتي في الموضوع فقالت لي إنها هي أيضا مشتاقة إلى رائحته وأنها أحجمت عن غسل غطاء وسادته". وبعد مساع عدة، توصلت جامعة لوهافر (شمال غرب) لوضع تقنية لنسخ الرائحة البشرية.
وأوضحت جيرالدين سافاري الأستاذة المحاضرة في الجامعة "نأخذ قطعة ثياب عائدة للشخص المعني ونستخرج منها الرائحة الأمر الذي يشكل حوالي خمسين جزيئية ونعيد تشكيلها على شكل عطر في عملية تستغرق أربعة أيام". وسيطلق نجل كاتيا أبالاتيغي الذي لا يزال طالبا في معهد التجارة، المشروع في منتصف أيلول/سبتمبر بمساعدة عالم كيمياء. وأوضحت أبالاتيغي "نقترح على العائلات عبر شركة دفن الموتى زجاجة صغيرة بعطر الراحل يؤخذ من قطعة قماش توفرها لنا" مضيفة "سيكون السعر بحدود 560 يورو". بحسب فرانس برس.
ووصفت ما تعرضه بأنه "عزاء من خلال حاسة الشم" يضاف إلى الصور وأشرطة الفيديو والتذكارات الأخرى عن الفقيد. وتنوي الشركة أن تتوسع بعد ذلك خارج حدود فرنسا لكنها لا تريد أن تحصر نفسها في المناسبات الحزينة إذ تفكر أيضا بمجالات أخرى مثل عيد العشاق.
اضف تعليق