q
آلاف من الذين نجحوا في الحياة.. بل وأثروا في حياة غيرهم من الناس.. لم تكن لديهم قدرات خاصة سوى الاهتمام بقيمة وكيفية ما يقولون، والانسان الناج

"أدب الحوار ليس فقط قول الكلام المناسب في الوقت المناسب، ولكنه أيضا السكوت عن الكلام الغير المناسب في الوقت المناسب".

في أحد السجون بين ضجيج وتذمر المسجونين، كان هناك رجلا واحدا فقط لا يتكلم ولم يبدِ أي اهتمام بما يحدث من عراك وضجيج واختلافات، كانت تعامل الشرطة مع هذا الشخص مختلفاً تماماً عن الآخرين، وقد بدأت هذه المعاملة تؤثر على باقي المساجين وبدؤوا يشكون في أمر الرجل المسكين، بعضهم كان يشك بأنه جاسوس والبعض الآخر بدأ يشك بأنه يدفع لهم الرشوة ليتعاملوا معه بلطف.

ولكن في أحد الأيام لم يتحملوا المزيد من الصبر، فاقتربوا نحوه ليسألوه عن السبب، فأجاب الرجل بصراحة لست مثلكم، فأنا لا اشتم الشرطة ولا أقسو عليهم، بل اعرف كيف أتكلم معهم بأدب كي يتركوني وشأني، فوجودي في السجن يكفي لا أريد حرق أعصابي وأعصاب الآخرين أكثر من هذا.

ثم أردف قائلاً عندما أكتب رسالة لأهلي أبدأ بمدح الشرطة ومسؤول السجن وبعد ذلك اتكلم عن باقي الأمور واسألهم عن أحوالهم، ولكن لم يمضِ الوقت طويلاً حتى بدأ الشرطة والمسؤولين يعاملون الرجل المسكين بعنف فأصبح حاله كحال باقي المساجين!.

الرجل المسكين كان يعرف بأن الشرطة يقرؤون الرسائل والسجناء تحت المراقبة، لذلك كان يستخدم الكلمات اللطيفة كي يجلب اهتمامهم ويحصل على رضاهم فيتركونه وشأنه، ولكن هذا الرجل المسكين، لم يعرف بأنه ليس كل كلام يقال لأي شخص كان، وربما يستخدم بعضهم كلماتك الجميلة ضدك أو يخربوا عليك مستقبلك.

ما حدث انه في اليوم الذي كتب السجناء رسائل لأهلهم أخبروهم بأن هناك شخصا بينهم يتكلم بلطف مع الشرطة كي يحصل على رضاهم، فيحسنوا الشرطة معاملتهم معه رغم حقده لهم... بعد ذلك اليوم تغيرت اخلاق الشرطة وبدؤوا يعاملون الجميع بعنف وهذا المسكين بات يتعرض للضرب والتعذيب والإهانة اكثر من أي شخص آخر في السجن.

بعض الأحيان يفكر الانسان أن يخدم الآخرين بإعطاء النصائح لهم، ولكن للأسف قد ينقلب الأمر ضدّه كما حدث مع هذا الرجل وأصبح مذنباً في نهاية المطاف، فليس صحيحا أن يقال بعض الكلام المهم لأي شخص، فأحيانا ظرف وجود بعض الأشخاص ضيق جداً ولا يمكن أن يصيب فيه أكثر مما يحتمل، أو ربما يكون ظرف وجودهم من النوع الذي يفوق طاقة تحمّل بعض الأشياء والمواقف.

مثلا الإناء المصنوع من البلاستيك لا يحتمل أن يُجعل على النار أو في المايكرويف، فعند الكلام يجب أن ينظر المتكلم الى الذين يريد أن يتكلم معهم، أو يعطيهم النصائح أو بعض التجارب، فربما يخرج من الساحة وعليه لاصقات التهمة بجرم أو ذنب لم يقترفه أبداً.

النصيحة مصدر نصح كالنصح بضم النون، وقيل النصيحة اسم مصدور والنصح مصدر، وهما في اللغة بمعنى الإخلاص والتصفية، ومن نصحت له القول والعمل أخلصته ونصحت العسل صفيته، والنصيحة إرادة بقاء نعمة الله تعالى على أخيك المسلم مما له فيه صلاح، وهي ضد الحسد ولكن في نفس الوقت يجب ان يعرف الانسان "لكل مقام مقال" وليس على الإنسان ان يبوح بكل ما في قلبه، فحسن الكلام وإسداء النصائح بمراعاة احوال الاخرين وشخصياتهم كفيل بأن يجعل الانسان في مرتبة جيدة وعالية.

وعلى العكس تماما بعض الكلمات حتى وان كانت جيدة ربما يقال للشخص الغير المناسب في الوقت الغير المناسب وتتبدل الى شحنات غضب وتحرق الانسان أو الناس.. ولعله من انجح العلاقات الاجتماعية طريقة الكلام وكيفية المحادثة واختيار المكان والوقت المناسب والاهم بكثير اختيار الشخص المناسب!.

"آلاف من الذين نجحوا في الحياة.. بل وأثروا في حياة غيرهم من الناس.. لم تكن لديهم قدرات خاصة سوى الاهتمام بقيمة وكيفية ما يقولون" والانسان الناجح يعرف جيداً أهمية اختيار الكلمات والأشخاص والوقت المناسب، ويعرف جيدا متى عليه أن يصمت ومتى يجب عليه ان يتكلم، ومن يستحق أن يسمع أسرار النجاح ومن لا يستحق أن يجلس ليحسب خطواته فقط. ويعرف جيدا من يستحق أن يستلم خارطة الكنز ومن يسيء المعاملة ويحرق ويخرب مستقبل الآخرين، اذن كل شيء في هذا العالم يجب ان يختار بدقة كي يعطي النتيجة المطلوبة.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
لايغفل قيمة الحوار الا الغوغاء وأنصار الدكتاتورية
الغوغائيون يشتتون صوت المحاور ..والدكتاتوريون يصادرون الحرية
الحوار المقترن بآدابه هو الوسيلة السوية للوصول الى حلول لمشاكل البشرية
ونحن ندعو اليه منذ عشرات السنين بصورة تطوعية
ونؤمن بصدق ويقين أنه هو سبيل التواصل الحق للأنسانية
أحبائي
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-07