في بعض الأحيان يرحل الناس عن أحبابهم ليس لأنه لم يبقَ لديهم سبب مقنع للبقاء، بل لأنهم تعبوا من كثرة الاهتمام!، وق قيل (كل شيء زاد عن حده انقلب ضده)، وبما أن الحياة الزوجية بذرة تحتاج الرعاية والاهتمام حتى تكبر وتعلو وتثمر، من الواجب أن يحدد الزارع مدى اهتمامه وأن لا يزيده أكثر مما ينبغي، لأنه في هذه الحالة سيقتل روح البذرة قبل أن تدخل الى جسدها.
في بعض الأحيان يضيع هذا الاهتمام بين سطور الإفراط والتفريط ويفقد معناه الأصلي!.
من المؤكد إن الماء يمنح الحياة للبذرة ويديمها، ولكن الماء مع خواصه وأنه مصدر للحياة إذا أعطيَ أكثر من اللازم سوف يكون سببا في قتل البذرة.
كذلك ينطبق الأمر على الحياة الزوجية من حيث زيادة الاهتمام، فالقليل من الماء يميت البذرة القليل والكثير منه يكون سببا في موتها.
فالاهتمام الفائض عن الحاجة، أو عن الحد المناسب، أو عن المتعارف عليه، سوف يكون كالسهم الذي يقتل الحب ويحوّله إلى رماد تخلفه نار كبيرة.
في بعض الأحيان يصل الأمر بالشخص المهتم إلى زيادة ومضاعفة الاهتمام حتى يصل الى مرحلة الخطر أو السوء، ونعني بلك الوصول الى درجة الغيرة غير الصحيحة، أو الشك غير المبرر، أو الحسد، وقد يصل به الأمر إلى تفاقم حالات نفسية خطيرة، ربما تدفعه لممارسة العنف ضد الشخص المهتم به، وهكذا يتحول الحب الى كره وانتقام!!.
وبما أن الاهتمام بالشريك يعتبر من أهمّ أسس الحياة الزوجية الناجحة، ولكن ينبغي أن يتم ذلك ضمن ضوابط عقلانية وهي، أن لا يتخطّى حدوده، لأنه في هذه الحالة سوف ينقلب رأسا على عقب، وقد يشعر الطرف المقابل بأنه سجين في سجن شريك حياته، وعليه ان يخضع لما يكره، وقد ينحني مرغماً أمام الألم.
إن الاستقلالية في الحياة الزوجية أساسية، ولها فوائد عديدة، لأنها تساهم في استقرار توازن العلاقات الأسرية، وتحافظ على علاقة الحب بين الزوجة والزوج.
هناك نساء يشتكينَ من سوء معاملة الأزواج لهنّ، فتقول الزوجة: على الرغم من الاهتمام البالغ به لا يعجبه أي شيء في البيت ويفر منه كفراره من وحش مفترس!، ولم يكتفِ بذلك فتزوج عليَّ من امرأة اخرى، وما زاد ألمي أكثر هو أن زوجته الثانية لم تهتم به ذلك الإهتمام الكبير، ومع ذلك هو يعشقها ويلبي جميع طلباتها.
وهناك رجال يشتكون من عدم تقدير الزوجات لهم، رغم ما يقومون به من أعمال واهتمام بهنّ.
يا ترى هل الاهتمام المبالَغ به يعمل العكس ويؤثر سلباً على العلاقات الزوجية، خصوصا أن هذه العلاقة تعد الأهم في حياتنا؟.
لقد أكدت لنا أخصائية في إحدى الجلسات التطويرية، ضمن موضوع ((زوجات ناجحات)) بأن الإهتمام الزائد يسبب النفور ويجعل الشخص يفر من المهتم به، وضربت لنا مثالا كي توضح ما قالته لنا، وكان مثالها جميلا بل أفضل من ألف كلمة وقصة، فقد طلبت الأخصائية ملعقة وكأسا من الماء، ومن ثم طلبت إحدى الحاضرات بأن تتقدم الى الواجهة كي تبين لنا أمراً مهماً كنّا غافلين تماماً عن خطورته، بعد ذلك أخذت ملعقة من الماء وسكبتهُ في فم تلك المرأة وكررت العملية أكثر من مرة، ثم سألت المرأة: بماذا تشعرين، هل تريدين مزيدا من الماء أم أنك شعرتِ بالارتواء؟.
أجابت المرأة: لا لم أشعر بالارتواء بل أرغب بشرب المزيد من الماء، لازلت متعطشة.
بعد ذلك أخذت الأخصائية كاس الماء وجعلتها تشرب الماء رغما عنها، أي بالقوة، فشعرت المرأة بالاختناق وتساقطت قطرات الماء على ملابسها وابتلت. ثم سألتها الأخصائية:
ما رأيك الآن هل ترغبين بشرب مزيد من الماء؟.
أجابت المرأة: كلا لا أرغب بذلك فقد شعرت بأنني أوشكت على الإختناق، وددت أن أدفعك وأخلص نفسي وأقيء الماء عليكِ وكرهتُ فعلتك هذه، أنا لست طفلة كي تفعلين بي هذا.
فقالت لنا الأخصائية: هذا بالضبط ما أردت أن أوضحه لكم، فالإهتمام الزائد يُشعر الطرف المقابل بأنه طفل!!!.
لذلك على الزوج والزوجة أن يتذكرا بأنهما يعيشان الآن في مرحلة الوعي الكامل وأنهما عبرا مرحلة الطفولة، لذلك عليهما أن يعملا بنضج في الفكر والعمل وتقوية العلاقات الأسرية والعلاقة العاطفية بينهما.
لا ريب أن الإهتمام بحد ذاته شيء حسن ومرغوب به، لكنه في بعض الأحيان يؤدي إلى استغلال حاد ومزعج للآخر، مما يؤدي إلى الشعور بالألم والتقييد!، فمطلوب من الزوجين أن يدققا في كيفية ومقدار الاهتمام بالطرف المقابل كي لا يكون هناك إفراط وتفريط في هذا الجانب.
فكل شيء زاد عن حده انقلب ضده، ومن كثرة الإهتمام ربما يشعر احد الزوجين بسلبية العلاقة الزوجية، وربما يكره العيش مع شريك حياته.
تذكرا أن الورد يموت من كثرة الماء.
وشدة النور ربما تكون سببا بالعمى!!
وكثرة الاهتمام تقربنا من حافة الخذلان، لذلك يجب أن نتوقف عن الإهتمام المستمر والمبالَغ به أو فوق الحد المتعارف عليه، كي لا نكسِر ولا نُكسَر، فإذا كنت تبحث عن استمرارية العلاقة الزوجية التي تعيشها آنيا مع الطرف الآخر، عليك ان تكتم مشاعرك كي لا تحرقها بالاهتمام الفائض عن الحاجة!.
جميل أنْ نعرف أنّ الإهتمام لا يعني كثرة الأسئلة ومعرفة أدق التفاصيل في حياة من نحب، الإهتمام الحقيقي ينبع من القلب ناصع البياض، شفاف، بعيد عن الحسد، والغيرة والألم.
الإهتمام يجعلنا نفكر بمن نحبه، نتأمل مزاياه وصفاته الجميلة، وندعو له بصدق دون أن نلتصق به ونقيده!.
اضف تعليق