ان القيمة الاقتصادية للملكية الفكرية تتمتع بحماية افضل من اي وقت مضى، وخصوصا بعد ان اعربت الصين عن رغبتها بالانظمام الى منظمة التجارة العالمية، فقد اصبحت الملكية الفكرية عاملا فعالا في المعركة العالمية من اجل تحقيق ميزات تنافسية، ويلاحظ تاثير ذ لك في جميع الصناعات، وليس فقط في الصناعات التقليدية القائمة على حقوق النشر...
يعتقد اندور ويلي الذي وصف انه اشهر وكيل ادبي في العالم ان من حق الناس ان يمتلكوا الحقوق الفكرية بالقوة نفسها التي يتسطيعون بها امتلاك ملكياتهم المادية، فأصحاب العلامات التجارية الماركات يمتلكونها بشكل كامل والى الابد، اما اصحاب الحقوق الادبية فلا، ونتيجتا لذلك يقول "تستطيع شركة والت دزني، والتي تعمل كعلامة تجارية ان تستثمر في ملكيتها الفكرية بالثقة نفسها التي يبديها من يستثمر في منزله، لكن الاشخاص الذين يمتلكون مشاريع تعتمد على حقوق النشر او براءات الاختراع لا يستطيعون ذلك، فليس لأليس في بلاد العجائب لــلويس كالون والتي هي ذات حقوق نشر اي وجود دائم وليس لمالكيها ان يبرروا استثماراً في بلاد العجائب.
واعمال العلامات التجارية اكثر مهارة في جمع رؤوس الاموال للتمويل والتسويق، وغالبا ما يمكنها اعتصار المزيد من القيمة الاضافية من حقوق النشر، ويشرح ويلي كيف تقوم شركات مثل مايكروسوفت وغيتي ايميجز بشراء حقوق اعادة الانتاج للصور في العالم، وكيف تحقق قيماً تبلغ اضعاف مايحققه المالكون الاصليون، وتشتري شركات العلامات التجارية ايضاً حقوق غير حصرية لمكتبات الصور املة في استغلالها بنجاح اكبر مما يحققه المالكون الحاليون، ويقول ويلي ان بيكاسو هو اشهر فنان بالقرن العشرين من حيث القيمة وليس فقط فيما يتعلق بلوحاته، بل وبحقوق اعادة الانتاج، حتى ان احدى شركات السيارات تعيد انتاج توقيعه على موديل يحمل اسم بيكاسو، ويتساءل "كم ستدفع شركة ذات علامة تجارية مقابل ان تحظى بحقوق بيكاسو وتتمكن من حصد رسوم الترخيص الى الابد؟" ويجيب عن سؤاله بنفسه فيقول: "مبالغ طائلة!".
في السوق (مفهوم الملكية الفكرية)
يتحدث اندرو ويلي عن جوهر الملكية الفكرية، فما هي طبيعتها؟ ومن اين تأتي قيمتها الاقتصادية؟ واين يفترض ان تكمن؟ وفي مجال النشر، ماهو التوازن الصحيح بين دفع المزيد للكاتب وتمكين من تبقى منا من الوصول الى كتبه بتكلفة اقل؟ يتبنى ويلي وجهة نظر، فهو يرى انه يجب ان تكون الحقوق اكثر صرامة، اما اخرون من امثال هغ لادي، وهو قاضي بريطاني وجيه، فيتبنون وجهة نظر مناقضة تقول ان حقوق الملكية تدوم سلفاً اطول من اللازم والعقوبات المفروضة على اختراقتها اشد من اللازم، لقد وصفت الملكية الفكرية على انها مجال قانوني مربك ومحصور بفئة صغيرة المتحدث هنا ادرو ويلمان عضو لجنة براءات الاختراعات والعلامات التجارية في الولايات المتحدة ومؤلف الورقة الخضراء الامريكية ( الملكية الفكرية والبنية التحتية المعلوماتية الوطنية)، وكان ليمان يردد ما كان قد ورد في قصة عدالة المحكمة العليا من ان قضايا حقوق الملكية وبراءات الاختراع تقارب اكثر من اي نوع آخر من الحقوق ما يمكن تسميته "ميتافيزيقا القانون"، حيث تكون المناقشات او قد تكون على الاقل في غاية الحذاقة والدقة، وتكاد تكون متناهية في تفصيلها احياناً، فمارك تواين الذي كان يعتقد انه يجب السماح للكُتاب بأمتلاك ادبهم على نحو مضمون كما يمتلكون بيوتهم.
مبادئ الملكية الفكرية
الملكية
اولا، ان الحقيقة الحاسمة حول الملكية الفكرية هي انها ملكية، وتعرف الملكية على انها "ان يعود الشيء الى شخص ما"، اي انها تكتسب سماتها ليس وفقا للشيء او للفكرة نفسها، وانما وفقا لعلاقتها بالشخص، كان توماس رالايت مؤلف"مخطط لقانون الملكية"، قد قال ان الملكية المادية هي "مركب كلي يتكون من العديد من الحقوق، بما فيها الامتلاك والحيازة والحق في الاستخدام والتدمير، والحق في البيع والاعارة والهبة".
اللامادية
ثانيا، ان الافكار التي تشكل جوهر الملكية الفكرية غالبا ما يصعب امتلاكها او الاحتفاظ بها، بالمقابل يصعب منحها ايضا لانها غير ملموسة، وهذه الخصيصة المشتركة كانت هي الحكم في نماذج التفكير القديمة ولا تزال موجودة في بعض النظم التشريعية.
الحكومة
ثالثا، توجد الملكية الفكرية حيث تكون حكومة او محكمة تنص على ذلك، فمن دون قانون لا وجود للملكية، ولهذا يوجد العديد من صناع السياسة الحكومية في السوق الفكرية، ولناخذ مثال مدة براءة الاختراع والتي تكون بشكل عام عشرين عاما، ولا يكمن السبب في الاختراع نفسه او في سوق الاختراعات او في كلفتها، فبراءات الاختراع تدوم عشرين عاما لان الحكومات تقول انها يجب ان تدوم هذه المدة.
الاعراف الدولية
رابعا، ان السهولة والسرعة التي يمكن بهما للمنتجات الابداعية ان تنقل وتنسخ وتستخدم في بلد اخر، شجعت الحكومات على تكريس اعراف دولية لحماية الملكية الفكرية الوطنية اينما تم الاتجار بها، فمن يكتب كتابا او يخترع اختراعا علميا يحتاج الى الثقة في انه سيحظى بالحماية، ليس في بلده فقط، وانما على مستوى العالم.
التبريرات
خامسا، يمكن تلخيص مبررات الملكية الفكرية تحت اربعة عناوين: الحافز، المكافئة، الكشف، وحقوق الانسان، ويعتقد ان الحافز لامتلاك ما ابدعه، والحصول على حقوق ملكية خاصة، يشجع على الابتكار، ما يمكن تاكيده اكثر هو القانون كاساس للمكافاة، فالكتاب والمخترعون يحتاجون الية يستردون به استثمارتهم ويحققون من خلالها ارباحا، وتخص فائدة "الكشف " براءات الاختراع، اذ ينشر مكتب براءات الاختراع كل طلب لبراءة بحيث يمكن للاخرين فهم كيفية عملها والمتابعة به، ولولا الكشف لتمكن المخترعون من الاحتفاظ باختراعتهم سرا لهم.
ان هذه النقاط الثلاث الاولى اقتصادية اولا، الا انه ثمة افتراض اخلاقي ان للناس حقا طبيعيا بامتلاك اي شيء يمتلكونه، والحقوق الطبيعية هي اقوى ما تكون في منتجات التعبير الانساني، واضعف ما تكون في الملكية الصناعية.
عقد الملكية
سادسا، ان اساس جميع قوانين الملكية الفكرية هو ما يسمى ب "عقد الملكية"، وهو مبدا في قانون الملكية الفكرية يراعي تاثير الامتلاك على الرفاه الاجتماعي، وهو يحاول الموازنة بين مبداين: المبدا القائل ان الاشخاص يستحقون المكافئة على جهودهم الابداعية، انهم لن يعملوا ما لم يكافاوا، والمبد القائل ان المجتمع ككل سيستفيد حين توضع المنتجات والاختراعات في النطاق العام ويتم توفيرها توفيرا حرا.
اختيار البقاء خارجا
اخيرا، فان هذه القوانين طوعية بمعنى انه بامكان الجميع الاختراع والابتكار خارج عقد الملكية، فثمة الكثير من المبدعين الذين لا يدخلون السوق اطلاقا، ولا يوقعون العقد، اي انهم يختارون البقاء خارجا، فهم لا يطالبون بحقوقهم، ويقتنع بعضهم ان لمنتجاتهم قيمة اقتصادية ضئيلة او معدومة وان المطالبة بالمال ستئد هذه المنتجات في مهدها، وثمة مجموعة اخرى من الاشخاص تقدم عملا ذا قيمة لكنها ترفض الربح المالي على اسس اخلاقية، وهو ما يفسر عدم وجود حقوق نشر او براءات اختراعات لمعظم بروتوكولات الانترنت.
براءات الاختراع
ان براءات الاختراع هي المثال الاوضح على الملكية الفكرية بوصفها ملكية، فبراءات الاختراع ليست مجرد ملكية، بل هي احتكارات وهذه الصفة ليست مصادفة، ان كلمات جيفرسون الانيقة والمقنعة حول استحالة امتلاك الافكار لم تمنعه من ان يكون واحدا من الثلاثة الذين اسسوا اول مكتب براءات اختراع في امريكا، فقد كان وزير الخارجية في ذلك الوقت، اما زميلاه في البحث فقد كانا هنري كنوكس وزير الحرب، وادموند راندولف النائب العام، وتشير مكانتهما الرفيعتان الى الجدية التي تناولت بها الحكومة الجديدة دوريهما.
تبين براءات الاختراع ولع الحكومات والصناعات الكبيرة بخصخصة المنتجات الابداعية، ويقصد بالخصخصة هنا عملية توسيع حقوق الملكية الخاصة لتشمل المنتجات الابداعية، وخصوصا تلك المنتجات التي لم تكن تعامل كملكية خاصة على الاطلاق من قبل، او كان تعامل كذلك على نحو محدود فقط، وقد بدات هذه العملية في القرن الخامس عشر، وتوسعت ببطء وبشكل اعتباطي خلال القرون التالية حتى اصبحت في نهاية القرن العشرين صيغة تسيطر على مواقفنا حيال الافكار و الاختراعات الجديدة، ففي العقود القليلة الاخيرة اخذ المزيد من المبدعون يولون اولوية اكبر للقيمة المالية لانتاجهم، كما شرعت الكثير من الاعمال التجارية التي كانت تتجاهل الملكية الفكرية بتقديرها تقديرا اكبيرا، وثمة توجه عالمي نحو توسيع حقوق الملكية الخاصة لتشمل مسائل كان ينظر اليها على انها جزء من الملك العام كالمادة الجينية مثلا، وعلى الرغم من تذمر المخترعون في كثير من الاحيان من صعوبة الحصول على براءة اختراع، فانها تسير بسهولة يوما بعد يوم، حتى اصبح مكتب براءات الاختراع و العلامات التجارية في الولايات المتحدة يمنح ثلاث براءات كل عشرين دقيقة في كل اسبوع عمل.
على الاختراع ان يكون مفيدا وان يتمتع بما يسمى عادة الاثر التقني، ويجب ان يكون له استخدام صناعي او ان يكون قابلا لذلك، وليس من الضروري ان يكون الاثر حاسما، وقد منح مكتب البراءات البريطاني براءة لكرة سكواش خضراء ليس لانه اعجب بالون بل لان اللاعبين كان بمقدورهم رؤية الكرة على نحو اوضح من الكرة السوداء التقليدية، وقد بدا هذا الفرق بالنسبة اليهم فرقا تقنيا.
اما الطرائق التجارية التي تمنح براءات اليوم فهي واسعة ومتنوعة، اذ يقول جميس غليك ان "الشركات قد نالت براءات على الاحتفاظ بتقاويم على الشبكة العنكبوتية العالمية، وعلى تحميل الصفحات على فترات منتظمة، وتخزين المستندات في قواعد البيانات، وعلى عرض السيارات في مزادات، وعلى انشاء ملفات للمستخدمين، وعلى محركات للبحث، وعلى كل تفصيل من تفاصيل الالة النظرية للاعمال التجارية المجراة على الانترنت"، كما منح براءة على نظام "خفض سعرك اذا سال زبونك عن اقل سعر لدى منافسك".
يمكن التصريح بسهولة عن الحالة الاقتصادية لبراءة الاختراع، فاستثمار الوقت والمال في تطوير اجراء علمي جديد او منتج جديد عملي ومفيد وذي قيمة اقتصادية، حيث يرغب المجتمع التمتع بالمنافع الاجتماعية والاقتصادية للابداع، وهو يمنح احتكارا مؤقتا بحيث يمكن ان نجني ارباحا.
كانت امريكا، وهي لوح القفز بالنسبة الى العولمة، اول بلد يصرح عن مدى اعتماد صادراته، وبالتالي اقتصاده ككل على الملكية الفكرية، فقد ارادت تحرير التجارة العالمية، لكنها ايضا ارادت حماية صادراتها، وعندما كان العالم يرتعد امام زيادة اوبك لاسعار النفط بين عامي 1973_1974، عقدت لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية جلسة طارئة لتقرير ما اذا كان من الممكن رهن البلاد في حالات اخرى من الاقتصاد، وقررت اللجنة ان المعلومات والافكار قد تكون هي التالية، فتسالت بتبصر"اذا كانت المعلومات واتصلاتها تمثل موردا استراتيجيا في الشؤون الدولية، وتقارب من قيمتها قيمة الطاقة".
ان القيمة الاقتصادية للملكية الفكرية تتمتع بحماية افضل من اي وقت مضى، وخصوصا بعد ان اعربت الصين عن رغبتها بالانظمام الى منظمة التجارة العالمية، فقد اصبحت الملكية الفكرية عاملا فعالا في المعركة العالمية من اجل تحقيق ميزات تنافسية، ويلاحظ تاثير ذ لك في جميع الصناعات، وليس فقط في الصناعات التقليدية القائمة على حقوق النشر وعلى براءات الاختراع التي لا تنفك تتوسع، بل في جميع الصناعات التي تعتمد على العلامات التجارية والماركات والتصاميم، من الاطعمة الى الرياضة، وتسعى الشركات الى الوصول بعوائدها من كل فكرة وكل منتج ابداعي الى حدها الاعظم، وبالتالي فانها تحدث اكبر قدر ممكن من الميزات والحقوق الفكرية، فاذا ما استغلت بشكل مناسب فانها توفر عوائد مالية ضخمة يمكن الاستفادة منها في بناء وتطوير مشاريع جديدة.
اضف تعليق