في أعقاب الحرب العالمية الثانية تبنت كل الدول نظام بريتون وودز لسعر الصرف الثابت، ولكن مع سبعينيات القرن العشرين، تم إحلال نظام بريتوم وودز بالنظام الحالي (نظام سعر الصرف المرن)، حيث يحدد العرض والطلب بشكل اساسي أسعار الصرف، ورغم أن نظام سعر الصرف الثابت قد سهل عمليات التبادل التجاري، الا انه انهار في بداية السبعينيات، فبالرغم من مميزات نظام سعر الصرف الثابت، الا انه يتطلب ان تتبع الدول المختلفة سياسات متشابهة وخاصة فيما يتعلق بمعدل التضخم وسعر الفائدة، ولتوضيح ذلك، نفترض ان سعر الصرف بين الولايات المتحدة والمانيا هو سعر ثابت، الا انه لدى الولايات المتحدة معدل تضخم سنوي يبلغ 6%.
بينما في المانيا يبلغ صفر، وبما ان الاسعار في الولايات المتحدة ترتفع بنسبة 6% سنوياً، فأن سعر الصرف الحقيقي بين الولايات والمانيا سيرتفع ايضاً بنسبة 6% سنوياً، هذا الفارق في سعر الصرف الحقيقي سوف يؤدي مع الوقت الى ظهور عجز تجاري في الولايات المتحدة، اذ ستصبح السلع الامريكية أغلى في الأسواق العالمية بما في ذلك المانيا.
ومع استمرار هذا الفرق في معدل التضخم وثبات سعر الصرف، فان سعر الصرف الامريكي الحقيقي سوف يستمر في الارتفاع، كما أن العجز التجاري الامريكي سوف يزداد هو الأخر ايضاً، وتذكر الشواهد التاريخية ان التضخم في الولايات المتحدة كان اكبر من مستويات التضخم في باقي دول العالم لاسيما في اواخر الستينيات، مما أدى الى عجز في ميزان المدفوعات في الولايات المتحدة.
ومن أجل الحد من هذا العجز قام الرئيسي الامريكي حينذاك نيكسون في عام 1971 بتخفيض قيمة الدولار الامريكي مقابل العملات الاخرى، الا ان التخفيض لم يوقف عجز ميزان المدفوعات، في الوقت ذاته حاولت المانيا ان تحافظ على سعر الصرف الثابت للدولار الامريكي عن طريق شراء الدولار من سوق الصرف الاجنبي، اي استيراد التضخم الامريكي، ومع استمرار العجز في ميزان المدفوعات الامريكي فقد كان على المانيا الاستمرار في شراء الدولار الامريكي لمنع السوق من الارتفاع، وقد أشترت المانيا الدولار الامريكي بالمارك الالماني، وبذلك تدخل هذه الماركات الالمانية في التداول ولهذا يرتفع عرض المارك الالماني داخل المانيا مما يؤدي الى ارتفاع معدل التضخم في المانيا.
ومع علم القطاع الخاص الالماني بعدم رغبة المانيا في ادارة فائض تجاري مستمر واستيراد التضخم الامريكي، فقد راهن على ان المانيا ستلجأ الى دفع قيمة المارك مقابل الدولار، مما يؤدي الى رفع قيمة المارك مقابل الدولار، وقد قاموا بشراء كميات كبيرة من الاصول الالمانية مبادلين الدولارات التي لديهم بالمارك لشراء هذه الأصول، لأنهم توقعوا ان قيمة المارك سترتفع بشدة في النهاية، وقد أجبر سلوكهم هذا الحكومة الالمانيةعلى شراء المزيد من الدولارات لدفع سعر المارك الى اعلى وابقائه ثابتاً مقابل الدولار. فكانت النتيجة تدفق رؤوس الاموال الى المانيا بكثافة مما جعل الحكومة الالمانية تستسلم في النهاية وتتوقف عن محاولة تثبيت سعر الصرف للدولار، وبدلا من ذلك تركت سعر الصرف يتحدد عن طريق آليات السوق، وهذه كانت نهاية نظام بريتون وودز.
نظم سعر الصرف الحالية
عمل نظام سعر الصرف المرن بصورة جيدة منذ انتهاء العمل بنظام بريتون وودز، اذ نمت التجارة العالمية بسرعة كبيرة، فضلا عن ذلك، ساهم نظام سعر الصرف المرن في تخطي العديد من المواقف الصعبة، بما في ذلك صدمة النفط في السبعينيات وعجز الميزانية الامريكية في الثمانينات، وكذلك الفائض الكبير في الحساب الجاري الياباني والصيني في العقدين الاخيرين.
وخلال فترة بريتون وودز، وضعت كثير من الدول العديد من القيود على تدفق رؤوس الاموال، فعلى سبيل المثال، منعت هذه الدول مواطنيها من شراء الاصول الاجنبية مقابل تقييد مشتريات الاجانب للاصول المحلية، وفي السبعينيات بدأ الغاء هذه القيود، اذ نمت تعاملات القطاع الخاص في الاصول بسرعة كبيرة، ومع هذا الكم الهائل من الاموال المتداولة في الاسواق المالية، أصبح من الصعب جداً تثبيت او تحديد اسعار الصرف.
ومع ذلك، رغبت الدول التي ترتبط اقتصاداتها ببعضها البعض في الاستفادة من مميزات اسعار الصرف الثابتة، ومن اجل تجنب سلبيات سعر الصرف الثابت بين الدول، هو الغاء العملة المحلية ووضع عملة موحدة، كما هو الحال في مجموعة دول الاتجاد الاوروبي، واسسوا بنكا مركزياً للتحكم في عرض العملة (اليورو)، وقد قررت بريطانيا والدنمارك والسويد البقاء خارج نظام العملة الموحدة الاوروبية.
والان تتنافس عملات هذه الدول، مثل الدولار الامريكي او الين الياباني مع بعضها البعض وكذلك مع اليورو، كما قامت العديد من الدول الاخرى بربط اسعار صرفها اما بالدولار الامريكي او الين الياباني، اذ يعتقد بعض الاقتصاديين ان العالم سيستقر على ثلاث عملات كبرى هي الدولار واليورو والين.
اضف تعليق