q

لم تكن ادارة الحرب من الناحية العسكرية والسياسية ضد تنظيم داعش الارهابي بالامر السهل، حيث أن طبيعة الاطراف المشاركة في العمليات داخلياً وخارجياً كان لها الاثر المهم في زيادة تعقيدات الحرب سيما في مجال الموازنة العسكرية بين البر والجو. إلا أن إدارة العمليات بالإنموذج العراقي لتقاسم المهام كان له الأثر البالغ في الأهمية من جانب الإنتصار في هذه الحرب. ومع الإنتصارات التي حققتها القوات المسلحة ضد تنظيم داعش الإرهابي فإن التقييم إستراتيجياً لهذه الحرب يشكل مدخلاً ضرورياً للتعامل مع تحديات محتملة في المستقبل.

تعبئة الأمة وتبدلات العقيدة القتالية

مع إعادة تكوين القوات المسلحة وتشييد القطعات العسكرية هيمنت فكرة خصخصة الأمن على عملية بناء القوات المسلحة ولعل تأثير النموذج الأمريكي كان واضحاً في هذا المجال. فإدارة التطوع وتوزيع القطعات العسكرية لم يكن بمستوى يوازي ضرورات الحرب اللامتماثلة التي تشكل التحدي الأكبر بالنسبة للعراق. فالعراق بعد عام 2003 لم يكن في مواجهة جيوش نظامية إنما في مواجهة مستمرة مع جماعات متطرفة تتبنى أنموذج حرب العصابات والحرب العشوائية في هذا المجال.

ومع سيطرة تنظيم داعش الارهابي على الموصل بدأت التوجهات السياسية تختلف بشأن التعامل مع تهديد الجماعات الإرهابية، إذ برز مفهوم حرب الأمة أو التعبئة العامة ليتعامل من خلاله القادة مع عملية التطوع التي جاءت نتيجة لفتوى الجهاد الكفائي. ان بروز مفهوم حرب الامة كمعيار للأداء العسكري حقق إتجاهات مهمة على المستوى الاستراتيجي للدولة من خلال تأكيد مستوى الترابط بين الأمة والحرب على تنظيم داعش الارهابي مقابل تحقيق طفرة مهمة في العقيدة القتالية للقوات المسلحة صاغت بموجبها المهام العسكرية لهذه القوات في الدفاع عن العراق من التهديدات الخارجية بدلاً من مهام فرض الأمن التي أرهقت هذه القوات بشكل كبير منذ عام ٢٠٠٣.

إن طبيعة التبدلات في مستوى التنظيم العسكري سوف يكون لها أثراً مهماً في تنظيم موقف العراق ضد الجماعات الإرهابية من جهة وضد مشاريع الدول الإقليمية من جهة أخرى، فمشاركة 50 ألف مقاتل من أبناء السنة ضمن هيئة الحشد الشعبي سوف يمنح هذا التشكيل من الناحية العسكرية قوة مهمة في رسم السياسة الأمنية وفرض الواقع العسكري في جميع محافظات العراق بعد الإنتهاء من العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي.

إدارة الحرب وإستراتيجيات التعامل مع اللاعبين

لم يكن العراق أمام تحدي الجماعات الارهابية بقدر ماكان عليه أن يكون متوازناً في إدارة جميع الأطراف المشاركة بهذه الحرب. فتعدد الأطراف وتناقض المصالح في سوريا والعراق بين معظم هذه الأطراف شكل تعقيدات وتناقضات كان على العراق تحملها منذ بداية الحرب. ومن هنا جاءت استراتيجية العراق في مجال الحرب الخاطفة أو كما يسميها الألمان حرب البرق لأجل تنظيم الموارد المختلفة للقوة القتالية رغم تعدد وتناقض مداخلها. اذ توزعت العمليات بين ما يمكن تأمينه من قبل التحالف الدولي عبر الضربات الجوية أو من خلال الإنزالات الجوية التي قامت بها، وبين ما يمكن تنفيذه من خلال القوات المسلحة والحشد الشعبي عبر محاور مختلفة حققت للعراق صورة احترافية في طريقة الإدارة.

والملاحظ أن معظم العمليات التي قام بها العراق ضد تنظيم داعش لم تكن بمستوى الذهنية الاستراتيجية التي رافقت عمليات تحرير الموصل خاصةً بعد اعلان القوات السورية بدء العمليات في الرقة، حيث تفتت مشروع العمق العسكري لتنظيم داعش الارهابي باللجوء الى المناطق الحدودية السورية، لاسيما بعد أن تمركز الحشد ضمن طريق الموصل–الرقة في تقاطع عداية، ولعل ماذكره مستشار الامن الوطني فالح الفياض بشأن حماية الحدود وإحتمال القتال في بعض مناطق سوريا بعد التنسيق مع الحكومة السورية شكل حافزاً في تراجع مستويات التنسيق في صفوف تنظيم داعش الامر الذي يفسر الخطاب الاخير للبغدادي بالانتقال الى مناطق جديدة أو القيام بعمليات انتحارية.

ان ادارة الحرب بهذا المستوى من الصياغات ساهم في تحقيق مستوى عالي من الردع بالنسبة للعراق تجاه معظم الأطراف الاقليمية والدولية خاصة تركيا التي أصبحت في موقف متردد من مواقفها تجاه العراق.

إن التوجه الإستراتيجي للقوات المسلحة العراقية في إدارة وتنظيم الموارد القتالية يجعله ضمن أهم نماذج الحرب غير النظامية، إذ سوف تؤدي الإنتصارات المتكررة التي يحققها إلى رسم أنموذج عسكري جديد في هذا المجال ويوجد حالة من الردع أمام التحديات المقبلة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق