لم يكن متوقعاً أن تتجه جبهة النصرة إلى الإنفصال عن تنظيم القاعدة في ظل الصراع الذي تخوضه ضد الرئيس بشار الأسد من جهة، وضد بعض الجماعات المسلحة في سوريا كتنظيم داعش من جهة ثانية، فوجودها ضمن فصائل وفروع تنظيم القاعدة يمنحها قوة أكبر ضمن عملية الصراع المسلح الذي تشهده سوريا. إذ أن قرار الإنفصال قد جاء ليبلور حقائق خفية تحيط بالمشهد السوري ومستقبل الوضع فيها، فهذا الإنفصال جاء ليغير مواقع مهمة في داخل الجماعات المسلحة ويعيد ترتيب القوة داخل صفوفها.
النصرة والخليج وضرورات قبول الممكن
يرتبط إعلان أبو محمد الجولاني، انفصال الإرتباط بتنظيم القاعدة بطبيعة الوضع الذي تشهده سوريا في الأصل، ومن أجل التقرب من القوى الأساسية في الصراع، فالجولاني يدرك تماماً إنه لا مجال لقبولها من قبل إيران، وهي لن تكون ضمن المحور الذي يدعم الرئيس بشار الأسد، خاصةً وأن الضربات الجوية التي قامت بها روسيا قد أثرت بشكل كبير على مراكز قوتها داخل سوريا.
ومن جهة أخرى يبدو أن الإنتقال الجديد للسياسة السعودية مع المؤسسة الوهابية قد جعل القاعدة في معزل عن القبول والدعم، فقوة تنظيم داعش قد أثرت بشكل كبير على توجه القاعدة، خاصة وأن سياسة الظواهري تختلف بشكل كبير عن بن لادن، الأمر الذي جعل الجولاني يظهر بالزي الذي كان يرتديه مؤسس التنظيم بن لادن للإشارة إلى التحفظ على سياسة الظواهري في هذا الجانب.
ولأن القاعدة لم تعد تمتلك القوة الكافية لدعم جبهة النصرة في الصراع، فإن الجولاني مجبر على الإنتقال بإتجاه خيارات جديدة، فتنظيم داعش الذي يتقاطع معه بشكل كبير ليس خياراً مرجحاً للتفاوض، خاصةً وأن الجولاني قد رفض مبايعة أبو بكر البغدادي والإنضواء تحت تنظيم داعش، الأمر الذي يجعله بحاجة إلى التفاوض مع الدول الخليجية من أجل الحصول على دعم جديد للنصرة.
تنظر الدول الخليجية إلى النصرة بحذر، فالتحول الجديد في نهج القاعدة والأفكار التي يروج لها الظواهري، بعيدة عن المصالح الإستراتيجية لدول الخليج في المنطقة العربية خاصةً المملكة العربية السعودية في هذا الجانب، فهناك حاجة كبيرة إلى تبدل مجال الأولويات من الأهداف البعيدة التي تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إلى الأهداف القريبة التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط برمتها، الأمر الذي يجعل الميول الخليجية وبعض المراكز المؤثرة على القرار السياسي في الخليج تميل إلى دعم تنظيم داعش، كونه يعالج الأهداف القريبة، رغم تخوف المملكة العربية السعودية من هذا التنظيم الذي يحاول بشكل مستمر إستهداف الأسر الحاكمة في منطقة الخليج لتولي السلطة هناك.
ولأجل أن يكون للنصرة إسناد مالي وسياسي يدعم توجهاته فاقدة التأثير في سوريا كان عليه ان يلجأ إلى اقرب أطراف الصراع اليه في التوجه، والذي ارتبط بدول الخليج في نهاية الامر، وكان على النصرة أن تلتزم بالبنود التي تفرضها دول الخليج عليه ومنها فك الارتباط بتنظيم القاعدة وأيمن الظواهري.
ويبدو إن المملكة السعودية ومنذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز تستهدف إعادة نمذجة علاقاتها مع السلفية الجهادية فالإنشطار العشوائي وضعف الإرتباط بين الجيل القديم والجديد يقلق المملكة العربية، خاصةً وأن المملكة فقدت جانباً مهماً في تأثيرها بسبب الجيل الشاب الذي تسنم مواقع القيادة ومراكز القرار في المملكة.
الولايات المتحدة وإدارة المشهد السوري
ان الإستعداد للمرحلة القادمة في سوريا أي سوريا بعد الأسد تتطلب أنموذجاً قابل للمساومة، كي تتجنب الولايات المتحدة الأمريكية تكرار انموذج القاعدة وطالبان في أفغانستان، فحزام سوريا لايشبه الوضع الجيوبوليتيكي في أفغانستان حيث تواجد باكستان التي أدت دوراً مهماً بعد عام ٢٠٠١، وبالتالي فان الاستراتيجية الأمريكية لن تتعامل مع الوضع في سوريا إلا بعد أن تحسم التنظيمات المتطرفة علاقتها مع المعارضة المعتدلة وفقاً لمفهومها، الأمر الذي سيجعلنا أمام تقارب نوعي بين المعارضة وقوات سوريا التي تدربت في تركيا وبين جبهة النصرة -قوة تحرير الشام- بإسمها الجديد.
إن توجه المرشحين الجدد في الولايات المتحدة يجعل الوضع في سوريا بحاجة إلى معادلات ذاتية تساهم في تغيير القناعة الأمريكية بشأن التعامل في سوريا، فحسم هذا الملف بحاجة إلى معطيات جديدة تختلف عن السابق كي تفرض نفسها في ذهنية الرئيس الجديد وهو ماجعل ملف النصرة ينتقل من القاعدة إلى الاستقلالية الذاتية كي يتمكن الجولاني من الحصول على مرونة في الإلتزامات الجديدة التي سوف يقبل بها.
فتح الشام مستقبل بلا ضمان
إن الخروج من قائمة التطرف والإرهاب وفقاً للمدرك الإستراتيجي الأمريكي لايتطلب تغييراً في الإسم وإنما تغيير في الفكر والجوهر، وهذا مايثير إستغراب بعض الدبلوماسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن التغيير جاء في الإسم وهذا لايعني إن فتح الشام سوف يحذف النصرة من قائمة الجماعات الإرهابية، إذ أشار جون كيري وزير الخارجية الأمريكية بأن النصرة حتى الآن ما زالت على لائحة المنظمات الارهابية الاجنبية، فنحن نصنف الناس بأفعالهم لا بأسمائهم، ولعل البعض يرى بأن النصرة قد أخطأت في تقديرها بتغيير الإسم دون أن يسبق ذلك تغيير في التوجهات، ففتح الشام سيضاف تلقائياً عوضاً عن النصرة.
إن ملامح الانشطار في النصرة وإحتمالات تنامي قوة داعش بسبب إنخراط بعض عناصر النصرة إلى تنظيم داعش هي التي ستفصل ميزان القوة في سوريا لصالح تنظيم داعش أو تحالف المعارضة المحتمل. أو أن الوضع سيعيد هيمنة الرئيس بشار الأسد بعد أن فقدت هذه التنظيمات مواقعها الاستراتيجية بسبب التوافقات الدولية.
اضف تعليق