نحتاج الى الكثير من العمل حتى نتمكن كشعب عراقي من بناء هذا الوطن بناءا حقيقيا, فبناء الاوطان لا يكون عن طريق الكلام المجرد من العمل, فالدعوات والتمنيّات لا تحقق للفرد ما يريد ولو حتى على مستوى الاحلام, وأول الاعمال هو بناء النفس, وافضل المصاديق لذلك قول الله عز وجل (ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم).
وتلك اشارة الى ان التغيير يبدأ من حيث الحلقة الاولى التي من خلالها تبنى الاوطان ,والفرد هو نواة المجتمع, لذلك يبدأ التغيير منه والاصلاح منه ايضا, وهذا يتطلب جلدا للذات ودراسة للسلوك دراسة مجردة وخالية من حب النفس والنظر للمصالح الشخصية على حساب الاخرين, والتعالي حتى على من يجدهم الفرد انهم اقل منه شأننا في كل الجوانب, كما يحتاج الانسان قبل اصلاح النفس الى النظر الى عيوبه اولا قبل عيوب الاخرين والاعتراف بها والعمل على اصلاحها ,ولنا في حديث الرسول محمد (ص) اسوة حسنة على ذلك حيث قال :(طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ), فالواعظ لاقيمة لوعظه ان لم يكن متعظا.
وهذا ما يؤكد سبب عدم تصديق رسالات البعض وتكذيبها, وعدم تاثيرها في الاخرين ,كما وان ذلك يؤكد ويوضح سبب نجاح رسالة النبي محمد بن عبد الله (ص) وانتشارها وتصديق الامم لنبي الرحمة والهدى (ص) مع وجود النصر الالهي للرسالة الاسلامية المجيدة فما عند النبي من مكارم الاخلاق والمنزلة الربانية والعظمة الالهية والصدق والفضائل التي لاتعد ولا تحصى لو كانت عند غيره ممن يحبون ويفضلون الدنيا على الاخرة, ومن الذين تتعاظم عندهم ما يملكون من توافه الامور لفشلت كل دعواته، ولما كان الاسلام دين اغلب سكان الارض, لكن رسول الرحمة (ص) كان مثالا للتواضع على عظمة ماعنده من منزلة كبيرة وعالية, لقد كان صادقا فيما يقول وامينا على مصالح الامة وهيبتها وكرامتها وشرفها وعزتها.
لذلك كان لكل قول او فعل يصدر منه له الاثر البالغ في سلوك الامة, واهم الاسباب لنجاح رسالته هو الصدق في الحديث والتواضع وحب الخير للاخرين, والنزول الى حيث مواضع اقل الافراد منزلا في الامة.
لذلك قال بحقه عز من قال (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك),وتلك هي ملامح وصور وصفات القائد الناجح, وان سبب فشل قادة الامة الاسلامية اليوم هو تركهم وعدم الوقوف على سلوك وسمات القيادة الرشيدة التي اتصف بها نبي الامة وقائدها (ص).
ان القلم هو اشد واكثر تاثيرا بالناس ولكن بشرطه وشروطه, واول الشروط هو ان تتطابق الكلمات والاقوال مع من يخط كلماته بهذا القلم ,فلا قيمة لكلمات ثورية ووطنية تصدر من خائن لا يتصل والوطن بشيء من صلة, بل لا يملك الشعور بالمواطنة والانتماء للوطن, ولا يذوب بحب شعبه ويتصدى لقضاياه المصيرية بكل حب واخلاص, كما لا قيمة للثقافة ان لم يكن المثقف في حديثه وكتاباته ونبضه لم ينزل الى حيث فهم المواطن والعمل على الارتقاء به الى مستوى الذي يؤهله لبناء الوطن ,فلا قيمة للثقافة اذا كان المثقف ينظر للاخرين نظرة الاستخفاف والتعالي, لا لشيء سوى لانه استطاع ان يكتب في اي مجال من مجالات المعرفة والادب ,او كتب بيتين من الشعر او الف كتابا او كتب مقالا في صحيفة او قصة قصيرة او بحث في جانب تاريخي او كتب شيئا في النقد او ربما البعض يجد نفسه قد وصل الى مصاف رموز الادب والثقافة الذين ملأت نتاجاتهم بطون كتب التاريخ لمجرد انه ربما استطاع ان يكون جليس البعض ممن يعدون من المثقفين او ربما اصبح من المحسوبين على الوسط الثقافي كونه يعد رقما في المناسبات الثقافية البائسة منها.
ان المثقف العراقي اليوم مطالب ان يكون على قدر من المسؤولية الانسانية والوطنية ,عليه ان يخرج من صومعته وان يعمل بتجرد حقيقي فالامة تحتاج اليوم الى كلمة صادقة وواعية تدلها الى حيث الخلاص من كل اوجه الذل والهوان والتبعية والجهل والتخلف, المثقف اليوم مطالب بالخروج من قاعات اماسيه المغلقة, الخروج الى حيث يكون العامل والفلاح والطالب, الخروج الى الشارع والساحات العامة والمقاهي, على المثقف ان يكون كما كل المسلسلات والبرامج التي يذهب اليها المواطن بشغف وحب.
المثقف مطالب اليوم ان يكون وطنيا في طرحه ,انسانا في تعامله مع من حوله, متواضعا في سلوكه ,محبا للاخرين ,ان لا يقول انا وكفى ,فالجميع لازال يطلب العلم والثقافة, وان كان هناك وجود لنقطة نهاية للثقافة والعلم واستطاع احد ان يصل اليها ويدركها فعند ذلك سوف لن اطالب احد بما اطالبه اليوم من تواضع ونزول الى حيث مواضع الجميع, وتلك مسؤولية تقع على عاتق المثقف الذي يدعي الوطنية في حله وترحاله, ودون ذلك فهو الجهل والنفاق بعينه.
اضف تعليق