لازلت أتذكر جيدا أحلام عقدِ الاول التي تمنيتها وأنا أطفئ شمعتي العاشرة.. فقد كانت أكبر أحلامي السفر عبر الزمن، كنت أود لو أعود الى الوراء قليلاً او اقفز الى المستقبل.. فقد كان شغف المعرفة يقتلني.. كما أني أتذكر كيف كنت أود لو أن لي جناحين أطير بهما الى حَيْث اشاء.
كنتُ أتمنى وأتمنى وأتمنى.. حتى اقترب مني ذلك العجوز الأصلع، وبنظرة سكينة أهداني علبة صغيرة كهدية لعيد ميلادي وهمس في أذني، هذه هي آلة السفر عبر الزمن.. أتمنى لكِ رحلة سعيدة، ثم اختفى. فتحت الصندوق.. فوجدت بداخله كتاباً.
منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالامتنان لذلك العجوز الذي أهداني حياة فوق حياةِ.. نعم، أقولها بملء الفم أنا بفضل القراءة والكتب أعيش حياتين.
وبعدما كبرتُ قليلا تيقنتُ بأني لا احتاج الى القراءة فقط كي أطير أو أسافر الى عوالم أخرى وأنا في مكاني!، بل احتاج الى القراءة كي أثقف قريحتي واكتسب شخصية واعية وفكرا واسعا، أصبحت أقرأ لأَنِّي اكره ان أكون جاهلة او بدائية التفكير.. أود ان أكون على دراية تامة بكل ما يجري حولي.
أصبحت أقرأ كي أتعلم فن الحديث ولأزن كلامي بالقسطاس قبل أن أنطق ببنت شفة، ولكي أكتسب لباقة الحرف وأجادل بالتي هي أحسن! ولأَني أعلم بأن العلم عبادة.. شرعها الله كمنهج رباني لإنقاذ الأمة من التيه، وأن أول آية أنزلها الله على عبادة كانت فعل أمر وهي (إقْرَأ).
إذاً نحن مسؤولون امام خالقنا عن تقصيرنا وإسرافنا بالجهل، خصوصا بعد التطور الحاصل بالعلم والتكنولوجيا فبنقرة زر يستطيع الانسان الحصول على كل ما يريد من معلومات وكتب.
نحن نقرأ لأننا نعلم جيدا بأن الكتاب هو الذي يصنع منا أناسا مثقفين وواعين لأحداث الحياة، فمن يقرأ يملك خزينة وافية من المعلومات والمفردات تجعله يتكلم بطلاقة وحكمة عالية، إذ أن الإنسان القارئ لا يمل الحديث معه، لان لديه الكثير من المعلومات ليقولها لك والكثير من التركيز ليسمعك.
ولكن كيفَ تنتقي الكتب المناسبة؟.
نحن نتفق على شيء واحد.. هو أننا لا نرضى بأن نأكل قمامة كي لا تتسمم معدتنا، ولأن غذاء العقل القراءة.. إذاً علينا إتباع ذات الشيء مع عقلنا، بأن نكون حريصين على أن لا ندخل معلومات سيئة الى العقل لان ذلك سيؤدي الى تسمم الفكر، إذاً انتقِ كتبك بحذر واقرأ لشخص عبقري كي تغذي عقلك تغذية سليمة.
كما أنه ليس من المفروض أن تصدق كل ما تقرأ.. فبعض الكتب وليدة خيال وظرف الكاتب، إذاً روض نفسك على أن لا تستسلم لكل ما تقرأ وإنما تسأل نفسك عن المسائل التي حاول فيها الكاتب طرحها في كتابه، وماذا أراد ان يقدم من رؤى حول ذلك.
اختر الكتب التي تناسب فكرك وشخصك، اذا كُنتَ هاوياً للطبيعة حاول أن تقرأ كتب عن الطبيعة والحيوان، ولكن هذا لا يمنعك من أن تقرأ في شتى المواضيع، كي تثقف قريحتك بمعلومات مختلفة، فالكتاب بمثابة المعلم الصامت الذي يعطي دون أن يسأل.
اختر المكان والوقت الذي يناسب مزاجك، حاول أن تقرأ مقتبسات او كل ما ينصح به كتّابك المفضلين، وحاول أن تقرأ الكتب الغامضة لتحفز فضولك في تكملتها.. استشعر اسم الكتاب ثم عِش ما ستقرأه.. إقرأ بحواسك الخمس، واعتمد على خيالك الواسع واندمج مع الحروف بعفوية.. فعندما تقرأ كلمات عن الشلالات، ستجد نفسك تسمع هدير الماء المتساقط من أعلى الشلال وكذلك الحال لحاسة الشم والذوق والسمع و...، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية، فبمجرد أن تتخيل نفسك بأنك تعصر ليمونا في فمك سيتفاعل الجسم لا إراديا مع الخيال.. ويفرز عصارات ولعابا في فمك..
إذاً مارس القراءة بروحك وقلبك قبل عقلك.
لديك كتب؟! إذاً أنت لست وحيدا.
لا توجد لذة مشروعة تقيك من حرب الذاكرة وتنتشلك من تعب الحياة وجهلها سوى التأمل في القراءة، فالقراءة تنقلنا الى عالم آخر تفيض منه رائحة السعادة والمعرفة، بلون تختاره بمحض إرادتك.
ففي عز انكسارك إقرأ بشغف.. سيساعدك ذلك على انتزاعك من بوادر الحزن والتفكير وستحلق بك الكتب عاليا الى حيث النقاء والوعي.
سيجعلك ذلك تواجه عالمك بإدراك أكبر لأنك استفدت من تجارب العظماء والعباقرة، وأصبحت واعيا أكثر لأمور الحياة اليومية، فالإنسان الذي لا يملك وطنا سيجد الكتاب خير وطن ورفيق.
وهكذا سننتزع جذور الجهل من أرضنا.. لأننا باختصار جيلٌ يقرأ!.
اضف تعليق