الأمانة أكثر عمقاً من رد الشيء إلى صاحبه، فهي ضد الخيانة، والأساس للإلتزام بالحق وإيثاره، وأداء طوعي للحقوق والواجبات. يقول الإمام الشيرازي (قده): (الأمانة والخيانة ملكتان قبل أن تظهرا إلى الوجود، فللأمين صفة نفسية باعثة على إرجاع الأمانة إلى أهلها قلّت أو كثرت، بينما الخائن متّصف بضدّ هذه الصفة فهو لا يخون لأنه محتاج، وإنما يخون لأنه مريض، وأي مرض أعظم من هذا المرض الفردي والاجتماعي الذي لا يُبرأ منه بأي عقار! إنه مرض نفسي يحتاج إلى أطباء النفوس دون أطباء الأجساد).
وأداء الأمانة ميزان الصلاح، قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أدِّ الأمانة إلى البرّ والفاجر، في ما قلّ وجلّ، حتى في الخيط والمخيطِ).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث، وأداء الأمانة).
والأمانة كمفهوم يطرد قسيمه، فإن سقطت أمانة الحاكم تسقط شرعية حكمه، فالخائن كثيراً ما يخون للحفاظ على مصلحته، لكن الأقدار ستعاكسه،
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر).
وقال لقمان لابنه: (يا بُنيّ، أدِّ الإمانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكُن أميناً تكن غنيّاً).
إن ثقل الأمانة تنوء عنه الجبال الرواسي فكيف بالإنسان الظلوم الجهول؟! والالتزام الدقيق بمسؤولية الأمانة يحتاج إلى حزم مع الذات، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من أؤتمن على أمانة فأداها، فقد حل ألف عقدة من عنقه من عقد النار، فبادروا بأداء الأمانة! فإن من اؤتمن على أمانة، وكّل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه، ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه، إلا من عصمه الله).
يقول الله (عز وجل): (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ). والمستظهر أن الخطاب في (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) هو عام للجميع، على عكس ما توهّمه بعض، من أن الخطاب خاص بالحكام فقط.
فإن نداء الأمانة موجه إلى الحاكم، والمحكوم، ورجل الدين، والخطيب، وشيخ العشيرة، والقاضي، والمثقف، والإعلامي، والشرطي، والمعلم، والطالب، والعامل، والفلاح، وغيرهم.
وعلى الإنسان، في أي موقع كان في الدولة أو المجتمع، أن يرد الأمانات إلى أهلها، فإن الأب مؤتمن على أولاده، والطبيب مؤتمن على صحة المريض، والضابط مؤتمن على أمن المجتمع، والموظف مؤتمن على حقوق الناس، وأيضاً مدير المدرسة، فإن تربية التلاميذ وتعليمهم أمانة بيديه.
وإن مبادئ الإسلام وثقافة أهل البيت (عليهم السلام) أمانة عظيمة مؤتمن عليها كل مؤمن ومؤمنة، وينبغي أن يتعلمها جيداً، ويعرّف أسرته وأصدقاءه بها، ويوصلها إلى الآخرين. يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لابد من التعبئة الشاملة المتواصلة والمعمقة لاستيعاب ونشر ثقافة القرآن الكريم وعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، هذين الثقلين العظيمين الذي خلّفهما الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الأمة، وأمر الجميع باتباعهما والتمسك بهما، وأعلن أن التمسك بهما هو الضمان الوحيد للهداية والنجاة من الضلال).
اضف تعليق