اليوم ليست سوريا وحدها من تشكل ازمة تهدد الامن والسلم الدوليين، بعد ان تحولت الى مصدر للإرهاب العالمي العابر للحدود، فالأزمة التي عصفت بليبيا وهددت شمال افريقيا بانفلات أمنى كبير تصل اخطاره الى اوربا، أصبحت تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات بانفجار الوضع الأمني بعد ان فشلت الجهود الدولية في دمج الحكومتين المتنازعتين للسلطة في حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد من الفوضى، سيما وان الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، تخشى القيام بعملية عسكرية فيها من دون طلب رسمي من حكومة شرعية تبسط سيطرتها على كامل الأراضي الليبية.
في كانون الأول من العام الماضي، تعهد أوباما بالقضاء على الإرهاب، في "خطاب الامة" الأخير (وهو ثالث خطاب له منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل سبع سنوات) عندما قال إن "التهديد الإرهابي حقيقي ولكننا سننتصر عليه، سنقضي على تنظيم الدولة الإسلامية وعلى أي تنظيم آخر يحاول إيذاءنا"، لكنه أعاد التذكير باستراتيجيته التي اتبعها منذ وصوله الى سدة الرئاسة في أمريكا بالقول "يجب علينا ألا ننجر مرة أخرى الى حرب برية طويلة ومكلفة في العراق وسوريا، فهذا ما تريده تنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية".
الخلاف بين الدول الإقليمية والغربية المشاركة في "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الامريكية كان يدور حول طرق القضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة التي تكاثرت في سوريا لتنتقل الى ليبيا ومصر والمغرب العربي.
فقد ايدت عدد من الدول التدخل العسكري بقوات برية للسيطرة على المناطق الخاضعة تحت حكم التنظيمات الإرهابية، خصوصا تنظيم داعش، في حين عارضت الولايات المتحدة الامريكية ودول أخرى الانخراط في حرب برية لا يمكن التكهن بعواقبها، سيما وان ازمة معقدة بمستوى الازمة السورية، على سبيل المثال، تداخلت فيها مصالح أكثر من دولة، لا يمكن ان تحل بتدخل بري قد يؤدي الى اشتعال فتيل ازمة أكبر من الازمة السورية نفسها.
وقد وجهت الاتهامات الى الرئيس الأمريكي "أوباما" بالتردد والضعف، من حلفائه في تركيا والخليج، نتيجة لموقفه الرافض من خوض حرب برية وان كانت تستهدف الإرهاب، خصوصا وان 18 عشر شهرا من الضربات الجوية للتحالف الدولي لم تستطع القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق او شل حركته بالكامل، في حين كانت أسابيع قليلة أكثر من كافية لغزو العراق عام 2003.
ويبدو ان التوسع الذي شهده تنظيم داعش مؤخرا في ليبيا، بعد ان سيطر على مدينة "سرت" الساحلية، معقل الرئيس الليبي السابق "معمر القذافي"، وسيطر على عدد من حقول النفط، إضافة الى التقارير الاستخبارية التي اشارت الى وجود (5) الاف مسلح انظموا الى التنظيم، مع وجود مراكز للتدريب والتجنيد، فضلا عن وجود نوايا حقيقية للقيام بهجمات انتحارية داخل اوربا التي باتت على مرمى حجر منها، قد دفع اوربا والولايات المتحدة الامريكية للتحرك نحو فتح الملف الليبي بالتزامن مع الملف السوري، وربما القيام بضربات جوية على نفس شاكلة الضربات التي تقوم بها في سوريا والعراق، لكن هذا لا يعني الغاء احتمال القيام بعمل عسكري بري تبادر اليه القوات الاوربية.
أمريكا بدورها بادرت الى أولى الضربات الجوية على "معسكر تدريب لتنظيم داعش قرب صبراتة" مع انباء غير مؤكده اشارت الى مقتل "الزعيم الميداني لداعش نور الدين شوشان" المشتبه الأول بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية التي طالت متحفا وفندقا يرتاده أجانب في تونس عام 2015، وقتل وجرح فيهما العشرات... لكن بالتأكيد لا تكفي هذه الخطوات لمنع تمدد تنظيم داعش نحو شمال افريقيا واوربا، بل تحتاج الى وضع استراتيجية واضحة المعالم لاحتواء خطر الجماعات المسلحة التي تنشط في ليبيا ومنع انشطارها نحو المزيد من المدن والدول، مثلما انشطر تنظيم القاعدة وداعش من قبل، وبالتالي تكرار سيناريو سوريا والعراق من جديد.
اضف تعليق