وجدت في كتاب (الإتحاف بحب الأشراف) للشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي قصة من زمن تهتك الخلفاء العرب، وانشغالهم باللهو عن المخاطر التي تحيق بالبلاد والعباد، وبهم أنفسهم، وتتهدد عروشهم. وجدتها تنطبق كليا على حال العراق والعراقيين اليوم مع حكامهم وسياسييهم، وكأن التاريخ يأبى إلا أن يعيد نفسه ويكرر تجاربه، متحديا من يرى أن التاريخ لا يعيد نفسه، فلا يجد أذنا واعية، تفهم قصده وتفيد من حصده....
تقول الرواية، وملخص الحكاية: أن إبراهيم بن المهدي، قال: استأذنت على الأمين بن هارون الرشيد وقد اشتد الحصار عليه من كل جهة، فأبي أصحابه أن يأذنوا لي بالدخول؛ إلى أن كابرت ودخلت، وإذا هو قد قطع دجلة بالشِباك، وكان في وسط القصر بركة عظيمة لها مخترق إلى الماء في دجلة، وفي المخترق شِباك حرير، فسلمت عليه؛ وهو مقبل على الماء، والخدم والغلمان قد انتشروا في تفتيش الماء في البركة، وهو كالواله، فقال؛ وقد ثنيِّت بالسلام عليه: لا تؤذني يا عم لقد ذهبت مقرطتي من البركة إلى دجلة.!
والمقرطة يا سادة يا كرام هي سمكة، نعم مجرد سمكة، كانت قد صُيدت له؛ وهي صغيرة، فقرطها، أي ألبسها قرطا، بحلقتي ذهب فيها حبتا در. والظاهر أن سمكة أمير المؤمنين وقائد الملايين المقرطة، كانت قد خرجت من البركة إلى نهر دجلة من المخترق، أو الفتحة الموجودة بين البركة والنهر، فترك أمير المؤمنين كل مخاطر البلاد وشؤون العباد، وأهمل القوات التي تحيط بقصره، تريد أن تخلعه عن العرش وعصره، لتُجلِسَ أخاه المأمون مكانه أميرا للمؤمنين.
يقول إبراهيم بن المهدي: فخرجت وأنا بائس من فلاحه، وقلت: لو ارتدع في وقت، لكان هذا الوقت لا غيره.!
وربّاط هذه القصة، التي أحدثت في القلب غصة، أن الأعداء يحيطون بنا اليوم من كل جانب، بعضهم ينخر العمار والأعمار في أرض السواد، وبعضهم أدخل قواته إلى شمال البلاد، فعاثت في الأرض فساد، والآخر يجمع شذاذ الآفاق من دولستان والواق واق في جنوب غرب العراق، ناويا الاختراق، ليزيد في سوريا وشعبها الاحتراق، ويدعم قطاع الأعناق أبناء جهاد النفاق، وحكامنا وولاة أمورنا وأمراء مؤمنينا من سياسيي الغفلة، وأرباب الجفلة؛ الأغبياء الجهلة، مشغولون بأقراط فسادهم، ويتقاتلون لجني مكاسبهم، ولا يهتمون لمفاسدهم، وحينما تطالبهم بالرحيل يزداد عنادهم، ويكثر الصهيل، وكل منهم يظن نفسه رب الأرباب، وما هو إلا أهون من جناح ذباب.! سادرون بغيهم، أعماهم طيشهم، خانتهم رجولتهم، وضاعت منهم وطنيتهم، وسيصحون ولكن بعد خراب البصرة، فيا لهم من زمرة؟!
اضف تعليق