مثلما يعيد النحات إنتاج الحيوات بأشكال ناطقة، تنقلنا الى مديات وجود إنساني سابق في ثنائية "الزمان والمكان" فتروي لنا قصة مدينة ورجال وأحداث وتمظهرات سلوكية وتطبيقية.. كذلك يفعل المجتمع وهو ينحت لنا وجوها متعددة تتداخل في المنظور والمستتر من علاقاتنا بـ بعضنا وبالآخرين، وعبر منطلق الاستقبال والإرسال المتداخلان في تشخيص السلب والإيجاب المجتمعي.

نحت المجتمع بظواهر مرفوضة تتغلغل في مسامات السطح الإنساني لتصل بفعل التقادم الزمني الى الأعماق فتفعل فعلها في التغيير "السلبي" لنكتشف لاحقا استمراء وجود حالات تقترب من صفة الهدم في جوانب هامة بتشكيل الشخصية المجتمعية الفاعلة، والتي تنوء بثقل أهمية دورها في بناء الإنسان السوي الذي يكمل مسيرة من سبق، ويضيف للحاضر مكتشفات تسهم في إعادة التوازن للتخلخل إن وجد.. هذا النحت إن استطاع الوصول الى المناطق الكامنة في النفس البشرية فإنه سيستشري ليقتنص أهدافه في زاوية تلو اخرى ويصبح هدف الوصول سهلا معبدا بالكثير من الارتخاء القابل للتمدد والاستحواذ حد التسلق الى مناطق لم يكن يحلم يوما بالوصول إليها.

مجتمعات عربية وإسلامية، باتت اليوم في حاجة ملحة لمعرفة استخدام أهمية "الرفض" المنظم لظواهر القضم السلبي الذي يتلصص على المشتركات الإنسانية الواضحة لأغلب تلك المجتمعات، وما عليها إلا استخدامها باسلوب الوعي الحضاري وليس بطريقة الشجب المستهلك الذي لن يفعل سوى ان يجد له ثغرة متجددة ليعاود التسلل منها.

ظواهر تقترب من البدائية الأولى، أصبحت منهجا لبعض المجتمعات التي نهجت الخط الواضح في سلوكها الايجابي يوما ما، وباتت تستقبل دون رفض ما تفعله الظواهر المستهجنة في تفاصيلها المجتمعية، دون ان تقف وقفة المتصدي لكل ما يخرب الذائقة المجتمعية القويمة التي من المؤكد انها ستدفع ضرائب ذلك التخريب بطريقة تصعب معها المعالجة.

ولا يمكننا تبرئة الإعلام بتخصصاته المتعددة، من حقيقة الإسهام الفعلي فيما يفعله "النحت الاجتماعي" السلبي في إيجاد مناطقه الخاصة لكلا الجنسين، ممن يشكلون الركيزة الأساسية المستقبلية في بناء الطبقات الأدبية والعلمية والإنتاجية والمهنية، وأي تخريب منظم تتعرض له سيترك آثاره على قادم الزمن والمكان فينحت إنتاجه المرفوض في زمن ما والمقبول في الزمن المتردي الآخر!!.

المجتمعات تُبنى ببناء الإنسان المنفتح معرفيا وفكريا وتفاعليا، وتُهدم في غياب كل هذا، وما علينا إلا استخدام " لا " الرافضة بعمق الحجة الواعية وليس بدونها أبداً.

* كاتبة وإعلامية وناشطة مدنية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق