أرى من الضروري أن تلتفت الجهات المعنية الى هذا الموضوع بحكم كونه موردا ماليا من شأنه تعظيم موارد الدولة. وان لا يكون نشر الاعلانات عشوائيا ومتاحا لكل من يشاء دون اجازة. وأن تنتبه الى تأثيراته السلبية والقاتلة للمواطنين في بعض الأحيان...
ما لفتني في زيارتي الأولى للبنان في العام (2011) نوع الاعلانات وكثرتها. فلا يخلو شارع او ساحة من اعلان. فضلا عن انتشارها على طول الطرق بين المدن صغيرها وكبيرها، وقد غلبت على تلك الاعلانات الاهتمامات النسوية والموضوعات السياسية والأماكن الترفيهية. بينما اعلانات الخدمات تكاد لا تذكر، وكنت توقفت مليا أمام جاذبية هذه الاعلانات وعباراتها الايحائية. فتصاميم الكثير منها مدروسة وألوانها مثيرة وجملها مسبوكة وصياغاتها متينة، الى درجة استهوتني وما زلت لدراستها وتحليلها بوصفي باحثا في الاعلام. لكن لم يكن في الوقت متسع.
بالرغم من طول المدة بين دهشتي بها وحديثي اليوم عنها. فالإعلان فن بحاجة الى مهارات فائقة، ذلك انه قدحة تمر سريعا في ذهن الاعلامي كما تتوهج الصورة في بال الشاعر، فصناعته موهبة، وبتقديري من يتمكن من صناعة الاعلان المؤثر في الجمهور تغدو جميع الفنون الاعلامية الأخرى يسيرة بالنسبة له. ويمكن تلمس آثار الناجح منه مباشرة من خلال مبيعات السلع، وبهذا نعرف مقدار مهارة صانع الاعلان، بينما الفنون الاعلامية كالأخبار والتقارير والتحقيقات والمقابلات تقتضي دراسة الجمهور دراسة مستفيضة. وتتطلب مدة طويلة لكي يكون للتأثيرات تراكماتها في الجمهور.
ومما أذكره عن الاعلانات اللبنانية ذلك الاعلان الذي يروج لطبيب التجميل نادر صعب. اذ تمكن صانع الاعلان من الجمع بين مهنة الطبيب واسمه في جملة من ثلاث كلمات هي (الجمال نادر وصعب). تحيلني مهارة صياغة الاعلان وتكثيف معانيها في عبارات وجيزة الى شعار راديو (سوا) الذي يقول (ننقل لك الحدث بالصوت لتكتمل عندك الصورة) وهذا ابداع لا يتوافر لكل اعلامي. ذلك ان الابداع هو ان تقول الكثير من المعاني بالقليل من الكلمات.
هذا الاهتمام بالاعلان دعاني الى تأمل الاعلانات التي تكتظ بها شوارعنا أيضا. وخلصت الى ان الكثير من الذين قاموا بصياغتها غير مختصين بصناعة الاعلان او في المجالات المتعلقة به كعلم النفس. فعباراتها فضفاضة ومعانيها غير مؤثرة. فضلا عن اعتمادها على اللهجة العامية بالدرجة الأساس.
واذا كان الكلام (بالتفاطين) سألت ذات يوم مسؤولا في بلدية احدى المحافظات فيما اذا كانت الجهات المعلنة قد حصلت على اجازة من بلديتكم لاعلاناتها المنتشرة على جانبي الشوارع العامة والجزرات الوسطية؟. فصدمني بالنفي. مع ان رسوم الاعلانات المتحصلة عبر الاجازات يعد موردا اقتصاديا مهما. وهذا معمول به في كل دول العالم. وكما هي الحال في وسائل الاعلام. ولا أدري ان كان هذا يقتصر على هذه المحافظة ام ان الأمر يمتد لجميع المحافظات.
ويعني ذلك ان هذه الاعلانات لم تفحص من جهات مختصة للتعرف فيما اذا كانت تنطوي على آثار سلبية في المجتمع كانطوائها على معان غير اخلاقية، او فيما اذا كانت مضامينها صادقة ام لا وغيرها من أمور. ويقودني هذا الى ان الجهات المعلنة تختار وعلى هواها الأماكن التي تضع فيها اعلاناتها دون أن يُحدد المكان من الجهات البلدية. بخاصة ان أسعار نشر الاعلانات تختلف بحسب الأمكنة.
فالمناطق المهمة التي يرتادها الناس او يمرون بقربها تكون أعلى سعرا من غيرها. ثم لابد من أخذ رأي الدوائر المرورية في أماكن وضع الاعلانات. ومدى تأثيرها على رؤية سائقي المركبات. فالعديد من الحوادث المرورية كان سببها النصب العشوائي للوحات الاعلانية. لاسيما تلك التي توضع قرب الاستدارات. ليس هذا فحسب. بل ان الجهات التي تنصب هذه اللوحات غالبا ما تخّرب الجزرات الوسطية او الأرصفة. فلا تهتم بإعادة الرصيف او الجزرة الى وضعهما قبل نصب اللوحة.
أرى من الضروري أن تلتفت الجهات المعنية الى هذا الموضوع بحكم كونه موردا ماليا من شأنه تعظيم موارد الدولة. وان لا يكون نشر الاعلانات عشوائيا ومتاحا لكل من يشاء دون اجازة. وأن تنتبه الى تأثيراته السلبية والقاتلة للمواطنين في بعض الأحيان. أقول هذا وربما فاتني حول هذا الموضوع ما يمكنكم تنبيهي اليه.
اضف تعليق