رفض التعامل مع المكوع يعني ذلك بقاءه رافضا للتغيير ولا يتعامل مع النظام السياسي الجديد، فضلا عن ان بناء الدولة يحتاج الى تصفير المشاكل واعادة رص الصفوف، ومن غير المعقول ان يرفض الجميع خاصة وان البداية الجديدة هي الكفيلة بفصل المؤيد والمساند من الرافض. التكويع ليس بين الافراد...

التكويع لفظ تردد كثيراً منذ اليوم الاول لسقوط نظام بشار الاسد في سوريا، وبداية الظهور تمت الاشارة فيه الى الفنانين السوريين ممن غير موقفه بشكل جذري من دعم النظام السوري السابق، وتبقى التساؤلات مستمرة عن فكرة التكويع اكثر من لفظها الاعلامي المرفوض اكاديمياً كون اللفظ عربياً ليس له جذر لفظي واضح الدلالة، فضلا عن كونه اصطلاحاً دلالاته لا تتطابق مع استعمالاته.

 مع ذلك سوف نتعامل مع هذا اللفظ كما هو (كوع، يكوع، تكوع فهو مكوع) بالرغم من دلالاته اللغوية (كوع)، زند اليد (كوع اليد) اي اعوجاجها من قبل الكوع، فالكوع دلالاته عن وضعية الجلوس التقليدية اي الجلوس بالاستناد الى كوع اليد، وعن القول (ضارب كوع) دلالاته عن انعدام المسؤولية، ويؤكد الدكتور انيس فريحة في كتابه (معجم الالفاظ العامية في اللهجة اللبنانية)، ان كوع دلالاته اللغوية (مال وعطف)، واصطلاحاً (تغيير الاتجاه والميل من ضفة الى اخرى).

لذلك فإن التكويع يقصد به (تبديل المواقف السياسية بشكل جذري مفاجئ دون اي مقدمات)، هذا المصطلح فيه خصوصية في استعماله، حيث اقترن استعماله في سوريا اكثر من اي بلد اخر وشمل عدد كبير من (الافراد، الاحزاب، الفنانين والوزراء)، ولكن من المتوقع ان يشيع استعماله في المستقبل في بلدان اخرى قد تشهد تغييرات سياسية.

هناك من تعامل معها بكونها ظاهرة اجتماعية مرفوضة من قبل المجتمع، وهناك من تعامل معها بصفتها حالة سياسية براغماتية يستعملها من يحاول ان يحافظ على حياته ومصالحه الشخصية والسياسية.

سواء كانت ظاهرة او حالة، يوجد من يرفضها ومن يقبلها ويبرر لها تحت سببين: التبرير الاول: ان المكوع كان مخدوع بالنظام الاستبدادي ولا يعرف حقيقته بسبب حجب الحقائق والمعلومات بوجود نظام بوليسي مسيطر. والتبرير الثاني: ان المكوع كان خائف على حياته وعلى اهله لذلك اضطر لاستعمال التقية السياسية لإبعاد خطر السلطة الاستبدادية.

اما بالنسبة للضرر والأثر، للمكوع أثر سابق وأثر لاحق، السابق يتعلق بكونه قد ساهم في إضرار لأفراد آخرين بشكل مباشر من خلال عمله مع النظام او بشكل غير مباشر من خلال دعم بقاءه، اما بالنسبة للأثر اللاحق فهو يتعلق بأزمة الثقة القائمة للمكوع من قبل السلطات الجديدة، دائما تتوقع ان المكوع قد يكون لازال يحن للنظام السابق ويفرحه بسقوط النظام الحالي.

اختلفت الدول في تعاملها مع المكوع، ومن بين التجارب الايجابية هي التجربة السورية كون ان سوريا قد استفادت من تجارب سابقة ولذلك سوريا حاولت لغاية الان فتح الباب امام جميع المكوعين، لغرض فتح صفحة جديدة.

هل التعامل الايجابي مع التكويع حاجة ضرورية للتحول الديمقراطي؟

 ممكن إدراك اهميتها عندما نختار وندرس الضد والتعامل السلبي العكس، حيث ان رفض التعامل مع المكوع يعني ذلك بقاءه رافضا للتغيير ولا يتعامل مع النظام السياسي الجديد، فضلا عن ان بناء الدولة يحتاج الى تصفير المشاكل واعادة رص الصفوف، ومن غير المعقول ان يرفض الجميع خاصة وان البداية الجديدة هي الكفيلة بفصل المؤيد والمساند من الرافض.

التكويع ليس بين الافراد داخليا فحسب، بل في احيان كثيرة يكون هناك تكويع في المواقف السياسية لزعماء بعض الدول في تعامله مع بعض التغييرات السياسية التي تحدث، وهي سمة لأغلب بلدان الشرق الاوسط، خصوصية وجود ظاهرة التكويع في بلدان الشرق الاوسط بسبب الاستبداد، فالعلاقة بين التكويع والاستبداد علاقة طردية، متى ما وجد الاستبداد وجد التكويع، كون الانظمة الديمقراطية ليس فيها قسر للأفكار والولاءات، بل ان الولاء والدعم اختياري، في حين ان الانظمة الاستبدادية الولاء قسري من يرفض الولاء او من يتحدث بسوء عن النظام او شخوصه سوف تكون نهايته (قتل، تشريد، غربة، مصادرة للممتلكات، مطاردة وغيرها)، ليس في ذلك تبرير للمكوع ولكن توصيف لحالة في ظل الانظمة السياسية المختلفة.

وفي الختام لا بد من التوضيح ان التكويع بمفهومه العام (تغيير المواقف السياسية)، ممكن ان ينطبق على حالات اخرى منها التكويع الفكري (قياس مع الفارق)، حيث نجد الكثير من الكتاب والمؤلفين ممن بدل افكاره بأفكار جديدة ونجد ممن يعتذر عن افكاره السابقة، من الممكن ان نعطي مثالا لمن كوع فكرياً المفكر خالد محمد خالد في كتابه من هنا نبدأ عام 1950، طرح افكار عن علمانية ومدنية الاسلام ثم تراجع فكريا بشكل جذري عن هذه افكاره في كتابه اللاحق الدولة في الاسلام عام 1981، صحيح هذا النوع من التكويع يعده البعض ايجابياً، بل الاكثر من ذلك يفترض بكل باحث علم موضوعي غير مؤدلج ان يكوع فكرياً ويغير بالأفكار بشرط التغيير يكون لخدمة الحقيقية والعلم وليس الغاية منه خدمة الحاكم والسلطان.

ويبقى التكويع شائعا ومستمرا طالما وجد الاستبداد والانظمة الشمولية ونهايته ستكون مع رسوخ الديمقراطية الحقيقية التي تحتوي على حزمة من الاجراءات والاليات دون ان تكتفي بصندوق انتخابي يعطل ادوار الفرد والمواطن في المشاركة الفاعلة في صنع واتخاذ القرار السياسي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق