قرار انسحاب قطر غير مبني على يأس وفشل المفاوضات بل مبني على ضغوط تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة بالذات من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، خاصة وان الاخير يتصف بانه رجل الصفقات، ومن المؤكد ان يقايض السياسة بالاقتصاد، واي دولة تعارض سياسته سوف يعمل على ضرب اقتصادها...

تتميز دبلوماسية قطر على انها دبلوماسية فاعلة في المنطقة العربية، لاسيما وان اغلب المفاوضات المعقدة والصعبة تعقد في قطر، والجميع يتذكر المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة التي احتضنتها قطر عام 2020، وتمخض عنها انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان في شهر اب من عام 2021.

شاركت قطر مع مصر في مفاوضات وجهود دبلوماسية منذ اليوم الاول لأحداث طوفان الاقصى عام 2023، واغلب المفاوضات فشلت لأسباب متعددة، واغلب اسباب الفشل يتعلق بالرفض الاسرائيلي من مفاوضة حماس كون الكيان الإسرائيلي يحاول ان لا يعترف بوجود حماس بل يعمل من اجل نهاية وجودها.

رسميا قطر لا تعترف بتعليق المفاوضات وانسحابها من جهود الوساطة فهي لم تنسحب بل تفكر بالانسحاب، حيث الاعلان الرسمي يؤكد على ان الانسحاب يرتبط بشرط عدم الاستجابة، ولطالما عدم الاستجابة قائمة فهذا يعني ضمنا انسحاب قطر، ونعتقد ان نفي وزارة الخارجية القطرية انسحابها من الوساطة ذكرت جملة في غاية الاهمية نصها (دولة قطر لن تقبل ان تكون الوساطة سببا في ابتزازها)، وتحليل مضمون النص يدل على ان قطر تعرضت الى ضغوط من قبل الكيان الاسرائيلي او الولايات المتحدة، وواحدة من ابرز المطالبات المتوقعة هو انهاء وجود مكتب حركة حماس في قطر.

سبب اختلاف الموقف الرسمي القطري بعدم الانسحاب والموقف الحقيقي الراغب بالانسحاب، كون قطر تريد ان تمارس سياسة دبلوماسية براغماتية، حيث انها تريد ان ترضي جميع الاطراف، فهي من جهة تريد ان تكون موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية من خلال نفي فكرة الانسحاب، وفي نفس الوقت تريد ان ترضي الموقف الامريكي الراغب بانسحاب قطر وغلق مكتب حماس فيها.

السؤال الابرز هنا لماذا فشلت جميع الوساطات لإيقاف الحرب في غزة ومنها الوساطة القطرية، ممكن ان نذكر أبرز الاسباب:

1- الاستغلال الاسرائيلي للأحداث لصالحها.

منيت اسرائيل بضربة قاسية عندما هاجمت حماس الكيان بعملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر من عام 2023، وهو يمثل اكبر هجوم تشنه المقاومة الفلسطينية تجاه اسرائيل على جميع المستويات، ولذلك اسرائيل ارادت ان تستغل هذا الهجوم بشكل عكسي حيث استعملت اسرائيل اعلى مستويات التصعيد وعلى جميع المحاور، قصفت اسرائيل غزة وجنوب لبنان واليمن وشمال بابل في العراق وطهران كلها في اوقات متقاربة، والاكثر من ذلك استهدفت الخط الاول من قيادات المقاومة في غزة ولبنان بل الاكثر من ذلك استهدفت الشهيد اسماعيل هنية قائد حركة حماس في طهران، واستهداف الشهيد حسن نصر الله، هذا التصعيد الخطير يقرأ ان اسرائيل ارادت ان تستغل احداث طوفان الاقصى ليكون الرد في اعلى مستوياته، بمعنى ارادت اسرائيل ان تشغل الظروف الزمانية والمكانية لكي تحول الخسارة الى نصر شامل ومؤثر، وبالتالي من غير المعقول ان تقبل اسرائيل باي مفاوضات وهي في حالة استعمال سياسة الامر الواقع وفرضه بالقوة.

2- تطبيق الشروط من جانب واحد

اسرائيل في جميع مفاوضاتها لا تريد حلا منصفا وعادلا للطرفين، بل ترغب بحل لجانبها فقط، بل الاكثر من ذلك تريد جميع الاطراف ان تلتزم بالشروط الموضوعة في الاتفاقات والمفاوضات دون ان تلزم نفسها بالتطبيق.

3- ضعف او انحياز الموقف الدولي

واحدة من اهم اسباب فشل المفاوضات لإيقاف الحرب في غزة ولبنان ضعف الموقف الدولي او انحيازه غير المنصف، بالرغم من جميع الجرائم والابادة الجماعية لسكان غزة وجنوب لبنان فشل مجلس الامن من اصدار قرار يلزم اسرائيل بوقف اطلاق النار، وهذا الفشل استمر لمدة عام تقريبا ولغاية الان مجلس الامن عاجز عن تأدية دوره المرسوم وفق ميثاق الامم المتحدة لغرض تحقيق السلم والامن الدوليين، وهذا الموقف الضعيف والمنحاز يساهم في فشل المفاوضات كون وجود قرار اممي من مجلس الامن قد يشكل عنصر ضغط مهم يجبر اسرائيل على القبول بالمفاوضات.

4- غياب الموقف العربي والاسلامي الرسمي

بالرغم من امتلاك الدول العربية والاسلامية قدرات وامكانات هائلة على جميع المستويات (العسكرية والديمغرافية والاقتصادية والجغرافية والسياسية) الان الموقف عن ما يجري في غزة ولبنان غائب او لا يتناسب مع حجم الحرب والدمار، وحتى ان وجد فهو موقف خجول يكتفي بالحلول الرمزية (الاستنكار والاستهجان)، دون الحلول الحقيقية الواقعية الرادعة، لذلك فان هذا الغياب ساعد اسرائيل على استمرار هجماتها وانتهاكاتها لعدم وجود الرادع، وبنفس الوقت ترفض المفاوضات لان اسرائيل في ظل غياب الرد المناسب اخذت تعتقد ان المفاوضات سوف لن تكون متكافئة وعليها ان تفرض الشروط دون اي التزامات.

5- انتظار فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب

تراهن حكومة بنيامين نتنياهو كثيرا على مساعدة الرئيس دونالد ترامب ما بعد فوزه ، هذا لا يعني ان من سبقه (جو بايدن) قد قصر او تخلى عن الكيان، ولكن نتنياهو لديه علاقة شخصية من ترامب من جهة ولديه تجربة سابقة في عهد حكومته عام 2016، عندما اعترف رسميا في عام 2017 بالقدس عاصمة الكيان الاسرائيلي، اضافة الى سبب ثالث يعول عليه نتنياهو في انتظار حكومة ترامب، كون الاخير هو اكثر حسم وعدوانية من سلفه السابق.

في ظل وجود الاسباب السابقة سوف تفشل جميع المفاوضات الحالية والمستقبلية مع الكيان الاسرائيلي، وحتى ان نجحت فأنها لن تكون منصفة بل مفاوضات واتفاقات تعتمد على حلول تتناسب مع الشروط المفروضة من قبل الكيان الاسرائيلي وراعية سياسته الولايات المتحدة الامريكية.

مما سبق يتضح ان قرار انسحاب قطر غير مبني على يأس وفشل المفاوضات بل مبني على ضغوط تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة بالذات من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، خاصة وان الاخير يتصف بانه رجل الصفقات، ومن المؤكد ان يقايض السياسة بالاقتصاد، واي دولة تعارض سياسته سوف يعمل على ضرب اقتصادها، الجميع يعلم ان قطر بلد اقتصادي مهم لا اعتقد ان تفرط بعلاقتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة اذا ما طالبت الاخير باتخاذ قرارات خلاف رغبتها.

واخيرا هل ايجاد الحل اصبح مستحيلا؟، وهل توجد هناك بارقة امل بالحل؟

 نقول في عالم السياسة لا يوجد شيء ثابت لطالما توجد متغيرات تتسارع واحداث متجددة، لذلك قد تضطر الولايات المتحدة اضطراراً للضغط على اسرائيل من اجل ايقاف الحرب ليس حباً بالشعب الفلسطيني، بل طمعاً من اجل الحفاظ على مصالحا الاقتصادية في دول الخليج التي قد تتضرر كثيراً اذا ما توسعت الحرب في منطقة الشرق الاوسط.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق