في كل دول العالم تساهم الانتخابات ونتائجها في تعزيز الاستقرار السياسي، ولكن في العراق تساهم الانتخابات في تحقيق العكس الفوضى وعدم الاستقرار، ولذلك فعلى الجميع ان يبحث في الاسباب ويعطي حلول حقيقية تساهم في معالجة هذه المشكلة التي تساهم في اعاقة مسار العملية السياسية في العراق، التحليل العلمي المنطقي...
الانتخابات في العراق شكلت انتقالة مهمة في تاريخه، واغلب العراقيين علقوا آمالا كثيرة بالتحول نحو الديمقراطية عام 2003، ولكن الاخفاقات التي رافقت الانتقال نحو الرسوخ الديمقراطي جعل الكثير من العراقيين يتراجعون عن التفاؤل، كون التجربة لم تحقق الرغبة والامل نحو تحقيق استقرار سياسي يساهم في تعزيز الهوية الوطنية.
لذلك رافق التجربة الديمقراطية منذ بدايتها تشظي بالمواقف السياسية وتم استعمال الورقة الطائفية والمذهبية كشعار وشعار مضاد مع كل انتخابات، والبعض كان يعتقد ان هذه الممارسات سوف تختفي بعد دورة او دورتين من المراحل الانتخابية، لكن الواقع يشير الى بقاء هذه الظاهرة لغاية الدورة الانتخابية السادسة التي سوف يتم انجازها في شهر تشرين الثاني القادم، بمعنى ان هذه الظاهرة بدأت واستمرت بمدة لا تقل عن اثنين وعشرين سنة، وبالتالي التساؤل الابرز كيف يمكن التحول نحو تعزيز الديمقراطية ومتى يتم التخلص من الاغتراب الوطني الذي يرافق كل انتخابات نيابية.
في كل دول العالم تساهم الانتخابات ونتائجها في تعزيز الاستقرار السياسي، ولكن في العراق تساهم الانتخابات في تحقيق العكس الفوضى وعدم الاستقرار، ولذلك فعلى الجميع ان يبحث في الاسباب ويعطي حلول حقيقية تساهم في معالجة هذه المشكلة التي تساهم في اعاقة مسار العملية السياسية في العراق، صحيح ان التحليل العلمي المنطقي قد يتقبله البعض عندما يصب في مصالحه الشخصية والحزبية ويرفضه الاخر اذا ما حقق العكس، ولكن تبقى الامانة العلمية تحتم على الباحث الاكاديمي ان يعطي الحقائق كما هي دون مجاملة، لان تحقيق الاستقرار هو هدف وطموح الجميع وثماره الايجابية سوف يقطفها الجميع، وانعكاسات الاستقرار سوف تساهم في رسم مستقبل آمن للبلد للسنوات القادمة.
وعند متابعة ماضي التجربة الديمقراطية طيلة اكثر من اثنين وعشرين سنة يتضح ان المشاكل التي رافقت الماضي هي ذاتها ترافق الحاضر، وان لم تتم معالجتها سوف ترافق المستقبل ويمكن التوقف عندها وهي سبعة مشاكل:
اولا: ضعف الوعي الديمقراطي
ضعف الوعي لا يرتبط بالمرشح بل بالناخب الذي يقع على عاتقه العتب الاكبر، والتركيز على الناخب ومستوى وعيه كونه هو الذي يساهم في تعزيز المدخلات الانتخابية، كلما كان الناخب يمتلك وعياً سياسياً عالياً كلما كانت نتائجه على مستوى راقي من الاختيارات النوعية والعكس صحيح، وبسبب ضعف الوعي السياسي بالديمقراطية ومخرجاتها نجد الكثير من المواطنين انتخب على اساس الدين والقومية والطائفة ولم ينتخب على اساس البرنامج الانتخابي.
فضلا عن ذلك الكثير من المواطنين يجهلون واجبات النائب المنتخب تجاههم، فالبعض يعتقد ان واجبه توفير وظائف او توفير بنى تحتية، في حين ان النائب واجبه الاساس مراقبة ومساءلة الحكومة عند حدوث أي اخفاق، بالإضافة الى ما سبق الكثير من المواطنين يعتقدون ان دورهم انتهى بعد انتخاب من يمثلهم، في حين ان المواطن له الحق في التظاهر والاحتجاج وله الدور ان يكون فاعلا في مؤسسات المجتمع المدني لكي يساهم في رسم وتوجيه السياسة العامة للدولة. لذلك وبسبب ضعف الوعي لدى الناخب والمرشح على حدا سواء غابت البرامج الانتخابية وظهرت الدعوات الطائفية والقومية مما جعل ظاهرة الاغتراب الوطني في كل انتخابات حاضرة وبقوة.
ثانياً: تأخير قطف ثمار نتائج الانتخابات
العراق اجرى خمسة انتخابات برلمانية (2005-2010-2014-2018-2021)، ولكن ثمرة النتائج لم تحقق الطموح المنشود، حيث كل الحكومات تأخر تشكيلها، وفي اغلب الدورات تم خرق الدستور من حيث المدد الدستورية، وآخرها انتخابات تشرين لسنة 2021 والتي مر عليها ما يقارب سنة دون تشكيل حكومة منتخبة من قبل البرلمان، والتأخير هنا بالرغم كونه غير دستوري لكن ايضا يساهم في فقدان الثقة لدا من ذهب وصوت وينتظر حكومة تخدمه، كيف يتم معالجة هذه المشكلة في انتخابات 2025 ولغاية الان جميع المؤشرات تؤكد ان حصول كتلة منسجمة من 220 نائب لغرض تمرير اختيار رئيس جمهورية وتكليف رئيس وزراء صعبة التحقق في وقت قريب، بل ايضا تحتاج الى مدة لا تقل عن ستة اشهر بعد اعلان النتائج.
ثالثاً: غياب تحديد الفائز والخاسر
مشكلة الكتلة الاكبر هي من ابرز المشاكل التي ساهمت في عدم استقرار العملية الانتخابية، حيث ان الانتخابات من حيث المبدأ هي سباق انتخابي يفترض ان تكون نتائجه تحتوي على فائز وخاسر، ولكن تفسير المحكمة الاتحادية عام 2010 وتأكيد ذلك في تفسير عام 2022، اكد ان الكتلة الاكبر ليست الكتلة الفائزة بل الكتلة التي تتشكل بعد التحالفات وتُسجل في مجلس النواب انها الكتلة الاكبر، ولو أن المادة الدستورية (76) من الدستور العراقي كانت واضحة بشأن الكتلة الاكبر بعدّها الكتلة الفائزة لتم اختصار وقت كبير وتم تحديد المسؤول عن تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، مما يساهم ذلك في الاستقرار السياسي.
رابعاً: غياب الاغلبية البرلمانية
جميع نتائج الانتخابات في العراق لم تنتج عن كتلة فائزة تحقق الاغلبية السياسية بمعنى النصف زائد واحد، لذلك تجد جميع الكتل صعوبة في صنع التحالفات، لذلك تفشل الكتل السياسية في تشكيل حكومة الاغلبية السياسية المنشودة بسبب عدم استطاعة كتلة واحدة بمفردتها ان تحقق الاغلبية، لذلك نجد الكتلة الصدرية الفائزة بالانتخابات الاخيرة عام 2021 والتي حصلت بموجبها على (75) مقعد تحتاج الى ضعف المقاعد لكي تشكل الاغلبية السياسية، مما جعلها مضطرة للتحالف مع كتل اخرى لغرض الوصول الى تحقيق نصاب الاغلبية السياسية، ولو قدر لكتلة واحدة تحقيق الاغلبية السياسية لتحقق الاستقرار السياسي، ونتائج انتخابات 2025 سوف يعاد سيناريو عام 2021 حيث لا توجد كتلة واحدة تستطيع تحقيق الاغلبية بل لابد ان تتحالف مع كتل اخرى والتحالف ثمنه باهظ ويحتاج وقت مما يجعل التوافقية هي الاساس والاغلبية استثناء صعب التحقق.
خامساً: الصراع بدل التنافس
في كل الانتخابات السياسية التي تجري في الأنظمة الديمقراطية يتم التعامل مع الاخر بعده منافس وليس عدو مفترض، لذلك فان العلاقة بينهما قائمة على اساس التنافس وليس الصراع، لذلك نجد ان الخاسر يتقبل الخسارة ويعترف بالفشل ويوعد جمهوره بانه سوف يراجع افكاره وممارساته لغرض الاستعداد للانتخابات الاخرى بل الاكثر من ذلك يبادر الى تهنئة الفائز ويتمنى له تحقيق ما يصبه له بل ويؤكد الوقوف الى جانبه لغرض تحقيق المصالح العليا للبلد، لكن في العراق الصراع حاضر والتشكيك وعدم الثقة بين الكتل السياسية والاحزاب هي السمة السائدة.
سادساَ: غياب المعارضة السياسية
جميع الكتل السياسية اليوم ترفض الذهاب للمعارضة وتهدف على ان تكون ضمن الحكومة، ولذلك فان غياب المعارضة السياسية في النظام البرلماني يؤثر تأثير كبير على مسار العملية السياسية، حيث الجميع مشارك والجميع معارض، مما يؤدي الى ضياع تحديد المسؤولية مما جعل الجميع يدعي الانتماء الى النجاح والجميع يتبرأ من الفشل.، لذلك لا يمكن تحقيق الاستقرار دون تفعيل المعارضة السياسية باعتبار ان دورها الرقابي اساسي وليس ثانوي، ودونها لا يمكن اصلاح النظام البرلماني بالمطلق.
سابعاً: ظهور الثلث المعطل
الثلث المعطل او يسميه البعض الثلث الضامن بغض النظر عن التسمية يبقى هو ثلث رافض للتصويت لغرض اختيار رئيس الجمهورية، للعلم ان هذا الثلث هو ليس حكراً على الاطار، بل سوف يستعمل بالمستقبل من جميع الكتل السياسية، بمعنى لا نستغرب اذا ما شكل السنة او الاكراد بالمستقبل ثلث معطل، ولا نستغرب اذا ما شكل التيار الصدري ثلثا معطلا مستقبلا، الاساس ان الفكرة من حيث المبدأ تساهم في عدم الاستقرار وتودي الى التعطيل، وهنا تساؤل مهم قد يتساءل عنه البعض، لماذا لم نشهد ثلث معطل سابقاً في الانتخابات منذ 2005 ولغاية 2018، الجواب يرتبط بتفسير المحكمة الاتحادية حيث كان التفسير سابقا يعتمد على ضرورة حصول رئيس الجمهورية على اغلبية اصوات الثلثين في الجولة الاولى حسب المادة 70 اولا واذا تعذر ذلك يتم تمريره بالأعلى الاصوات حسب الفقرة ثانياً من نفس المادة، ولكن التفسير الاخير للمحكمة الاتحادية اكد على نصاب الحضور يجب ان يكون ثلثين وليس عدد المصوتين، للعلم ان فكرة الثلث المعطل سوف يعاد انتاجه من جديد في انتخابات عام 2025، ولكن من قبل كتل تختلف عن الكتل التي شكلته فيما سبق.
في الختام لابد من التأكيد ان دراسة الماضي الانتخابي منذ عام 2005 لغاية انتخابات 2021، في نتائجه ومخرجاته سوف لن يختلف عن نتائج 2025، طالما بقيت الاسباب التي ذكرت انفة، لذلك حتى فكرة تكرر الانتخابات كل اربع سنوات او اعادتها تحت ما يسمى بالانتخابات المبكرة سوف لن يكون حلا مطلقاً ولو تم اعادة الانتخابات الف مرة سوف تبقى المشاكل العالقة ذاتها مالم يتم معالجة الاسباب التي تساهم في عدم الاستقرار الانتخابي، لذلك نجد ان هناك تشابه كبير من كل المشاكل والازمات السياسية التي تنشأ بعد كل انتخابات منذ عام 2005 ولغاية الان، وهذا يعني ان الجميع سوف يبقى يدور في حلقة مفرغة ما لم تعالج الاسباب الحقيقية للازمة.
في النهاية لابد من التأكيد ان الانتخابات ليست وسيلة لتداول السلطة فحسب بل هي وسيلة لتعزيز الحس الوطني والوحدة ووسيلة لتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، بل الاكثر من ذلك هي مفتاح الاستقرار اذا ما أحسن الاستعمال والاختيار وبوابة للفوضى اذا حدث العكس.



اضف تعليق