قرار الاستقطاع يأتي في الوقت الذي يحتاج فيه المتقاعد الى اهتمام مضاعف ودعم مستمر من الناحية المالية والصحية والاجتماعية، فالكثير منهم يتساءل اليوم عن أسباب البدء بهذه الشريحة، وعن الحكمة من اللجوء الى الاستقطاع أيضا، بينما تترك شرائح عريضة من الموظفين هم أفضل حالا من الناحية المادية...

نادرا ما تجد متقاعد لم يعان من مرض مزمن او بحاجة لإجراء عملية جراحية كسحب الماء الأبيض من احدى عينيه، وهذا يعني انه بأمس الحاجة الى مضاعفة دخله الشهري وليس جعله في مقدمة القائمة التي يتم منها استقطاع مبالغ للتبرع بها لغزة ولبنان.

اغلب المتقاعدون هم آباء لمسؤولون حاليين في الحكومة العراقية، ومع هذا لم تراع الخدمات الجليلة وما قدمته هذه الشريحة من جهود مضنية واستثنائية طيلة فترة سنوات خدمتهم الفعلية، فالمكافئة جاءت هذه المرة بصورة عكسية، عبر الاستقطاع الاجباري من رواتبهم الشهرية.

قرار الاستقطاع يأتي في الوقت الذي يحتاج فيه المتقاعد الى اهتمام مضاعف ودعم مستمر من الناحية المالية والصحية والاجتماعية، فالكثير منهم يتساءل اليوم عن أسباب البدء بهذه الشريحة، وعن الحكمة من اللجوء الى الاستقطاع أيضا، بينما تترك شرائح عريضة من الموظفين هم أفضل حالا من الناحية المادية.

الحكومة الحالية يترأسها شخص كان في السنوات القريبة الماضية من اشد المعارضين لنية الحكومة وقتها إيقاف العلاوات والترفيعات للموظفين، عادا هذا الامر من المخالفات القانونية والاجحاف بحق الموظفين والمواطنين المشمولين بقانون الحماية الاجتماعية، لكنه اليوم يصادق على مثل هذه القرار فهل ارتكب مخالفة قانونية؟

حاول رئيس مجلس الوزراء استثمار التعاطف الشعبي مع الشعبين الغزي واللبناني، نتيجة ما تعرضا اليه جراء القصف الإسرائيلي على الاحياء السكنية والمدنيين العزل، فالسوداني أراد ان يكون صاحب المبادرة والبطل القومي بنظر الاشقاء العرب، على حساب الجمهور الداخلي.

الجمهور الداخلي هو القاعدة التي يعول عليها السوداني مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، ولا يريد ان يضعضع الثقة التي بناها خلال المدة الماضية، لكنه بهذا القرار تعرضت سمعته الى هزة خفيفة، فالأفراد غير مستعدين للتفريط بألف دينار من دخولهم الشهرية، وينظرون الى زيادة مرتقبة مع الارتفاع المستمر بأسعار المواد الغذائية والخدمات.

لا اعرف ما الذي يدفع برئيس الوزراء بهذا الاتجاه بهذا التوقيت الخاطئ، فليس من مصلحة الحكومة الحالية الاقتراب من قوت المواطنين، وهي مدركة لهذه الحقيقة التي قد تكون الوسيلة التي تهدم ما بنته في الفترات الماضية.

كان الاجدر بالحكومة ان تخصص مبالغ من الموازنة العامة للدولة، دعما للبلدان العربية المنكوبة، هذا إذا أسلمنا ان القطع والدعم من الضروريات الحالية، في الوقت الذي يوجد في العراق الملايين من المعوزين المنتظرين الى نظرة حكومية عاجلة وعادلة.

التبرع العراقي وان كان يحمل صبغة إنسانية، لكنه يبقى تكسوه الصبغة السياسية، فالتبرع بهذه الكيفية لا ينم عن الشعور الإنساني الذي تحمله الحكومة، كونه سيضر بشريحة كبيرة من المواطنين، الذين يعانون من انخفاض قيمة رواتبهم، نتيجة لتراجع قيمة الدينار مقابل الدولار.

مع تصاعد موجات الاعتراض صوّت مجلس الوزراء على استثناء المتقاعدين من قرار استقطاع نسبة 1% من الرواتب لدعم غزة ولبنان وبأثر رجعي، اعتباراً من تاريخ صدوره في 24 تشرين الثاني 2024.

ومن المتوقع ان يثار الجدل مرة أخرى في الشارع العراقي بشأن استقطاع 1% من رواتب الموظفين لدعم غزة ولبنان، وقد يكون هذا الاستقطاع هو السبب الوحيد وراء خروج المئات الى الشارع مطالبين بإيقافه ودفع المنح من الرصيد المالي للدولة.

رسالة تذكير أخيرة الى الحكومة الحالية، سنوات وستحالون على التقاعد، وربما يأتي من يحاول الاقتراب من رواتبكم لسبب منطقي او غيره، فهل تطالبون برفع الظلم والحيف، ام تشربون من نفس الكأس الذي شرب فيه المتقاعد والموظف الحالي؟

اضف تعليق