فيمكن بالشورى أولا تشخيص الحقيقة عن الزيف والخداع ومعرفة المحق من المبطل، وتمييز من هو مؤهلا للاسشارة عن غيره، ثم طلب النصيحة والإرشاد.. وبذلك يمكن الوصول إلى إقامة أُسس المعاملة بين الحاكم والمحكوم وعلى رأسها مبدأ التسامح وضمان استقامتها بالشكل المطلوب. وفيما يرتبط بكيفية توظيف طرق التواصل...

ماهي الأسس التي بينها الإمام علي عليه السلام بالتعامل مع المحكومين، وعدم انحراف الحكام عن النهج القويم؟

كيف يمكن ان نوظف طرق التواصل والتربية والتعليم المعاصرة لإبراز سيرة ونهج الإمام علي عليه السلام لتكون اسوة في تحقيق مجتمع متسامح ومتسالم؟

لأميرالمؤمنين الامام علي بن أبيي طالب عليه السلام عدة أُسس وقواعد في بيان كيفية تعامل الحاكم والمحكوم وما لهما وعليهما من حقوق وواجبات، ويعتبر العهد الأشتري المعروف هو الأكثر شمولية في هذا المجال، حيث إنه من خلال كل فقرة من فقراته بيَّن سلام الله عليه تفاصيل جميع الأمور الجزئية والكليَّة، بدءً من طريقة الكلام ونبرة الصوت حتى أوسع الحالات كطريقة إدارة السلطات الثلاث وكيفية مواجهة الأزمات الكبرى وذلك ضمن مبادئ أخلاقية وإنسانية بمعناهما الكاملين.

وكان مما بيَّنه على سبيل المثال لا الحصر؛ طرق استقامة وتطبيق تلك الأُسس والمبادئ؛ حيث إنه حتى لو وُجد نظام من الأنظمة مكوّن من حاكمين ومحكومين ملتزمين بالدستور والقيم الصحيحة والسليمة، إلا أن هنالك عدة عوامل توجب بعض التقصير أو الترك أو الإهمال أو التغافل والنسيان والتي يسبّبها الطابع الاستبدادي للحاكمين والذي يبرز عند أغلب البشر طيلة مسيرتهم الاجتماعية والسياسية، وكان علاج ذلك هو هذه الفقرة من فقرات العهد العلوي الشريف حيث يقول عليه السلام: "وأكثر مدارسة العلماء، ومنافثة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك".

من خلال هذه الفقرة من العهد نستوحي نظريتي "مدارسة العلماء" و"منافثة الحكماء" وفيهما إشارة إلى قانون جامع (المشورة) فالمدارسة تأتي لإعادة النظر والتريث، والمراجعة والمنافقة تشير إلى الدنو والبقاء مع الحكماء، وهم صنف يختلف عن العلماء بما اوتوا من رجاحة عقل وتدبير وإدارة مواقف ومراعاة تقاليد او ما يعبر عنه بالخير الكثير في تأوّل الأمور، ولفظة المنافثة تشير إلى شدة دنوهم من الحاكم او الوالي لاستحصاف الرأي والعقل..

وبهما يمكن مواجهة الاستبداد المحتمل والناشئ عن الأنانية وحب السيطرة والاحتكار وعدم الحاجة إلى الغير، وهذه عوامل تؤدي إلى عدم مراعاة حقوق الآخرين ومصالحهم وبالتالي إلحاق الضرر إلى الأصول والمبادئ المتفق عليها بين الحاكم والمحكوم.

ولا يمكن في هذا المجال المختصر إلى الإطناب في أمر "المشورة" حيث يتطلب إلى بحث مستقل، فنكتفي بحديث موجز عن "الاستشارة مع العلماء" حيث يمكن القول إن "المشورة" تدعو إلى التذكير وعدم الإهمال والنسيان، وتنمي ظاهرة الإبداع والابتكار، وهما مهمان بالنسبة لأمر الديمومة والاستمرار، فمن جانب تتلاقى الأفكار ثم تتلاقح مع أفكار الولاة، ذلك لأن المشورة هذه ليست مشورة اعتيادية مع أي شخص، وإنما هي مع أصحاب العلم والفكر وأهل الإختصاص والخبرة.. ممن ليس لهم مصلحة شخصية أو فئوية، وإنما كل همهم هو معالجة المشاكل والأزمات من خلال إعطاء النصح والتذكير، وخاصة لمن يحمل العلم والفقه المتصف بالتجديد الذي يواكب العصر والتطور الحاصل في مختلف المجالات، فـ "الفقه ثم المتجر" ينطبق على جميع مجالات الحياة.

ولا يمكن لأحد أن ينكر دور العلماء رغم كل الجفاء والجحود والنكران الذي لحقهم من قبل أغلب الأطراف من تشويه وتهميش وتمويه وتقمّص.. 

فيمكن بالشورى أولا تشخيص الحقيقة عن الزيف والخداع ومعرفة المحق من المبطل، وتمييز من هو مؤهلا للاسشارة عن غيره، ثم طلب النصيحة والإرشاد.. وبذلك يمكن الوصول إلى إقامة أُسس المعاملة بين الحاكم والمحكوم وعلى رأسها مبدأ التسامح وضمان استقامتها بالشكل المطلوب. 

وفيما يرتبط بكيفية توظيف طرق التواصل والتربية والتعليم المعاصر لإبراز سيرة ونهج الإمام علي عليه السلام، ففي دراسة العهد الشريف ومقارنته مع القوانين والمواثيق المعاصرة، السبيل الأرسخ في هذا المجال كذلك بالتعمق في رسائله لجملة الولاة في النهج الشريف..

مثلا: لو لاحظنا ميثاق حقوق الإنسان العالمي ثم فتشنا ما جاء في العهد الأشتري سوف نصل إلى مواقع الضعف في مناهج التربية وبالنظر للعهد نصل إلى كيفية معالجتها، أو تحسين مواقف القوة وكيفية تنفيذها..

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات تحت عنوان: (استقامة التسامح في نهج الامام علي عليه السلام)

اضف تعليق