هل ستغادر الاستبداد إلى الديمقراطية، وهل ستنفض تراب السنوات العجاف التي لم تخلّف للسوريين غير المقابر الجماعية، وه سمعتم في العالم أجمع بلدا وجودوا فيه مقبرة جماعية زاد عدد القتلى فيه الـ مئتي ألف فردا، ليس غريبا أن تتشابه أنظمة الظلم سواء كانت عربية أو أفريقية أو من أمريكا اللاتينية...
هل يمكن أن نجزم بأن الحياة ترتكز على الثنائيات المتناقضة؟، فمثلا إذا لم يكن هناك نهار هل سنعرف ما هو الليل، ولو لم يكن هناك صباح هل سنعرف الغروب وطبيعته، ولو لم يكن الشر في حياتنا هل سنعرف قيمة الخير؟، هذه كلها ثنائيات موجودة في حياتنا، لكن هل جربنا الاستبداد والحرية؟
لكل شيء اتجاه وبوصلة، فالذهاب نحو الاستبداد والفوضى والفشل السياسي له بوصلته التي يوجه مساراتها الدكتاتور، أما الحرية والديمقراطية فإن بوصلتها يتم توجيهها من قبل نظام الحكم الديمقراطي الاستشاري الناجح، وسوريا اليوم تقف بين مفترق الطرق، وأخشى ما نخشاه أن تفقد البوصلة، أو أن تتحكم بها إرادة تجهل فضائل وحسنات الحرية والديمقراطية في تشكيل الحكم.
نحن في العراق بغض النظر عن كل الاختلافات، وعن رواسب الماضي التي قد يصعب نسيانها، إلا أننا نتمنى أن تتجه البوصلة في سوريا نحو الديمقراطية والحرية، والخلاص التام من الفردية والاستبداد، لأن هذا المسا سوف ينعكس إيجابا على العراق بشكل فوري، وأول هذه الفوائد الاستقرار الأمني، وضبط الحدود وانتعاش السفر والتجارة والتبادل الاقتصادي والتجاري الزراعي والصناعي وسواهما.
وأعظم ما تم تحقيقه في سوريا اليوم، كشف عيوب الدكتاتورية، وتعدد المقابر الجماعية، والحسرات التي أطلقها السوريون وهم يتطلعون نحو الحرية، ولكن تبقى القضية مرتبطة بعدم فقدان البوصلة نحو الاتجاه الصحيح، فلا فائدة من الفوضى، ولا في تسيّد القائد المستبد، أو الجماعة غير المنضبطة.
احترام خيارات الأقليات وحقوقها
السوريون يطمحون بنظام ديمقراطي، يحفظ حقوق الجميع وخصوصا الأقليات واحترام خياراتها الدينية والثقافية وغيرها، فهل سيتحقق هذا الشرط، وهل سينعم السوريون بنظام حكم عادل معتدل غير مستبد؟
سوريا بلد الثقافة والفنون الأصيلة، بلد الإبداع والتنوع المدنية النظيفة، هل ستغادر الاستبداد إلى الديمقراطية، وهل ستنفض تراب السنوات العجاف التي لم تخلّف للسوريين غير المقابر الجماعية، وه سمعتم في العالم أجمع بلدا وجودوا فيه مقبرة جماعية زاد عدد القتلى فيه الـ مئتي ألف فردا، ليس غريبا أن تتشابه أنظمة الظلم سواء كانت عربية أو أفريقية أو من أمريكا اللاتينية.
فهذا الروائي استورياس صاحب رواية السيد الرئيس يصف السجون التي بناها الطاغية واعتقل فيها ضحاياه، وكلنا نتذكر سرب القمّل الذي كان يسير على رقاب السجناء وظهورهم بسبب الجرب والقذارة القاتلة التي كانوا يعيشون فيها، كان السيد الرئيس يتلذذ بعذابات السجناء، هو جالس في قصوره على الأرض مع جواريه وخموره وخدمه وحشمه، وفي باطن الأرض أسفل كرسيه يعيش مئات الالاف من البشر مطمورين في طوامير النظام لمجرد انهم يخلفون الطاغية في الراي او يرفضون تمجيده وتأييده.
الطغاة على أشكالهم يقعون
حال السوريين لم يكن أفضل من سجناء طاغية رواية السيد الرئيس، بل يتشابهون في كل مكان من العالم، والأنظمة كذلك تعرف نفسها وتؤيد بعضها فالطيور على أشكالها تقع، نعود الى الثنائيات المتناقضة في سوريا فهل ذهب الاستبداد الى غير رجعة بعيدا عن هذا البلد وشعبه الذي تعذب كثيرا، وهل سيحل محله النظام الديمقراطي الذي ينشر العدل بين الناس، العالم كله تقريبا منشغل في هذه القضية، والسوريون أكثر الناس قلقا على حاضرهم ومستقبلهم، وهل سينعمون بنظام سياسي يعوّض السوريين عمّا تجرّعوه من ويلات وعذابات.
لو أننا تابعنا تصريحات القادة الجدد وخصوصا المعني الأول حاليا أحمد الشرع، فإنها في الحقيقة مشجعة، وقد أشادت بها معظم الدول لاسيما أمريكا و أوربا، ولكن هذه الدول تكرر في كل تصريحاتها (إننا ننتظر الأفعال وليس الأقوال)، خصوصا بعد صدور تصريح مثير للجدل من أحد المسؤولين الجدد، يتعلق بأهلية المرأة للعمل، مما أثار مخاوف حقيقية بين الأوساط المدنية والنسوية في سوريا.
هذا التصريح في الحقيقة لم يكن موفقا، لاسيما إنه يأتي بخصوص حقوق المرأة والحرية التي يجب أن ترافق مسيرتها، كذلك هناك مخاوف على حقوق الأقليات، لاسيما إذا تم إقرار نظام محاصصة، قد يفسد مستقبل سوريا والسوريين، نأمل أن يحل النقيض السياسي السليم، وينعم السوريون بنظام حكم ديمقراطي عادل وأمين، يمسك بالبوصلة السياسية ولا يفقد مساراتها الصحيحة والناجحة.
اضف تعليق