لابد للعراق أن يسعى لتحقيق التكامل الأمني الإقليمي مع دول المنطقة، بالإضافة إلى استعداده الذاتي الداخلي في معالجة الأوضاع التي تصب في تدعيم وتقوية الأوضاع الداخلية، فالدولة تمتلك عقلية سياسية معينة، وعليها أن تضع مصلحة العراق والعراقيين في المقدمة وبشكل دائم يعتمد استراتيجية ثابتة ودقيقة...
يُقال أن الدول تشبه الأفراد في علاقاتها، وفي صفاتها، وحتى في أعمارها، وبعضهم يذهب بعيدا فيصف الدولة بأنها تشبه الكائن الحي، تولد وتنمو وتموت، وتمر بهذه الدورة للولادة والحياة ومن ثم التلاشي، لهذا يجب أن تعيش الدولة في بيئة مسالمة مستقرة.
ببساطة شديدة لا يمكن لدولة أن تعيش آمنة في منطقة مليئة بالنزاعات والحروب، فعندما تكون الدولة محاطة بمجموعة دول قلقة، فإن هذا الاختلال الأمني سوف يتسلل إليها آجلا أم عاجلا، وطالما أن بلدنا العراق يعيش في بؤرة أو محيط من هذا النوع، تعجّ فيه الصراعات والنزاعات بحكم موقعه وجغرافيته وثرواته، فإن هذه الاختلالات الأمنية سوف تنعكس على العراق حتما.
وقد أثبتت الأحداث الماضية التي تقع ضمن تاريخ العراق المنظور، بأنه سرعان ما يتأثر بالأحداث الأمنية المجاورة، لهذا ينبغي أن تكون لدينا في العراق حالة استباقية لمعالجة مثل هذه الاحتمالات، والتصدي للاختراقات المحتملة، ولابد أن نحصل على الخبرات التي يمكنها معالجة مثل هذه الأمور والتعامل معها بدراية وذكاء وتوازن يحفظ للعراق مكانته بين الدول المحيطة ودول العالم أيضا.
بالإضافة إلى أهمية تأمين أوضاع العراق عسكريا وأمنيا بالدرجة الأولى وفي المقدمة من ذلك، حماية الحدود (كما تفعل الأجهزة الأمنية اليوم)، وكما استعدت لهذا الهدف، لاسيما عند الحدود السورية العراقية، وفي منطقة سنجار عند حدود محافظة نينوى، وفي مناطق حدودية أخرى من العراق، مع أهمية متابعة الوضع الداخلي، ومحاولة تصحيح المسارات السياسية (والخدمية الخاطئة)، وتأجيل المنازعات بين الأحزاب والكتل السياسية، وأحيانا تحدث داخل الكتلة الواحدة.
تأمين الحماية داخليا وخارجيا
فهذه الظروف العصيبة لا تسمح بالنزاعات ولا المناكفات، ومن الأفضل أن يكون الدرس السوري تجربة لساسة العراق كي يصححوا ما حدث من أخطاء في المجالات كافة، وأن يسعوا بجدية للكف عن السياسات الخاطئة، خصوصا ما يتعلق بمصالح الأحزاب، واللجان الاقتصادية التي تستنزف أموال الفقراء.
وعلى الدولة إصدار جملة من الترتيبات الرسمية لمنع النهب المنظم للأموال تحت ما يسمى بالمشاريع الوهمية أو الخدمات الشكلية مثل تغيير الأرصفة والتشجير الزائف وما شابه من فعاليات هدفها نهب الأموال وذر الرماد في العيون، حتى يقال أن الحكومات المحلية لا تزال تقدم الخدمات للمواطنين.
علما أن هذه الخطوات ليست كافية خصوصا إذا كانت ذات طابع ترقيعي غير جاد، كأنها تؤثر بطريقة أو أخرى على جدية القرارات التي تؤمن حماية العراق كله على الحدود أيضا، فهناك تشابه وتشابك بين الأمن الخارجي والداخلي، ومثل هذه التأمينات تمثل خطوة جيدة ومتقدمة جدا، لمواجهة أي حالة اضطراب أمني قد تنتقل من الدولة التي تحدث فيها إلى العراق، فما جري في سوريا، يمكن أن يتأثر به العراق، وليس بعيدا أن تتكرر حالة (داعشية) جديدة إذا لم تأخذ الجهات العراقية المختصة هذا الأمر بالحسبان.
الخبرة التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية كفيلة بضوع الخطوات الصحيحة لتأمين الوضع العراقي، مع أهمية التنسيق الأمني الإقليمي، فحماية العراق وحدوده وأراضيه لا يمكن أن تحصل في معزل عن التنسيق مع الدول الأخرى، كذلك من المهم أن تكون قضايا التعامل مع ما يحدث واضحة وصريحة وقائمة على مبادئ ثابتة تتطابق مع قوانين الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت تراعي العلاقات الثنائية للعراق مع الدول المجاورة له.
قرارات هدفها الاستقرار والتوازن
وانطلاقا من هذه الرؤية لابد للعراق أن يسعى لتحقيق التكامل الأمني الإقليمي مع دول المنطقة، بالإضافة إلى استعداده الذاتي الداخلي في معالجة الأوضاع التي تصب في تدعيم وتقوية الأوضاع الداخلية، فالدولة تمتلك عقلية سياسية معينة، وعليها أن تضع مصلحة العراق والعراقيين في المقدمة وبشكل دائم يعتمد استراتيجية ثابتة ودقيقة.
ومن المهم للجهات المختصة أن تتخذ القرارات التي تهدف أولا وأخيرا إلى استقرار العراق وضمان وحدته، وفي نفس الوقت، أن يُصار إلى عملية تنسيقية متواصلة مع الدول الإقليمية التي تسعى لضمان أمنها واستقرارها وهذا حق مشروع ومكفول لجميع الدول من دون استثناء.
من الواضح أننا نعيش اليوم في واقع سياسي محتدم، وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع وفق الأوضاع الأمنية التي تحمي أرض العراق وشعبه ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية، ومثل هذه الأهداف الكبيرة، لا يمكن أن تتحقق مالم تتصدَ لها إرادة سياسية وعقلية ذات رؤية عميقة، تزاوج بين حماية الأمن الذاتي، ودعم الاستقرار الإقليمي كونه يصب في نشر الأمن والسلام في العراق وفي المنطقة الإقليمية كلها، ولعل التطمينات التي أطلقتها بعض رموز السلطة الجديدة في سوريا يمكن أن يتم تجريبها ويمكن أن تسهم في صنع رؤية جديدة للشرق الأوسط إذا ما تحقق التكامل الإقليمي بصورة متوازنة..
اضف تعليق