كعراقيين، نراقب ما يجري لنرى هل أن رسائل الجولاني الى الحكومة العراقية، ستتحول الى خطوات عملية بعلاقات سليمة، وقبل ذلك، ما مصير المجموعات الإرهابية الطائفية غير السورية، وهل ستتحول سوريا الى حكم هذه المجموعات، بحيث تتحول الى مركز إرهاب يستهدف دول المنطقة وأولها العراق؟ ننتظر ونرى...

اتصلت بصديقي الصحافي السوري فور الإعلان عن دخول المسلحين الى دمشق، فأجابني باكياً من فرحه. كان يصرخ: خلصنا يا سالم، لا أصدق أنني أتحدث بالهاتف دون خوف.. وأخيرا تحررنا.

كانت ليلة احتفال صاخبة عاشها السوريون بعد انهيار السلطة بشكل كامل. أحداث السقوط تسارعت وتيرتها بشكل لا يتخيله، ربما حتى القائمون على العمليات العسكرية والداعمون لهم. أعادت مشاهد هذه الليلة إلى أذهاننا مجريات الانهيار التام لنظام صدام في نيسان 2003، حيث العراقيون (أغلب العراقيين) لم يكونوا يصدقون أن صدام سيسقط بعد أكثر من ثلاثين عاما من الحكم الدموي، الذي قاد البلاد الى الحروب والدمار. كذلك كانت مشاعر السوريين الذين عانوا قمعاً وقهراً خلال اكثر من خمسين عاماً، حتى يئسوا من التغيير.

كلا النظامين سقطا بجهد خارجي. صدام سقط على يد جيش أجنبي، ونظام الأسد سقط بتخطيط وتسليح خارجي لقوة سورية معارضة، بدأت كحركة معارضة مسلحة موصومة بالإرهاب وانضمت اليها لاحقاً مجموعات إرهابية غير سورية من الشيشان واوزبكستان وجماعة الإيغور الصينية وغيرها، وهو ما لا يمكن فهمه ولم تبرره هيئة تحرير الشام، التي تؤكد على الدوام أنها ثورة شعب سوري.

كلا الرئيسين (صدام والأسد) مارسا العناد، ولم يفكرا في تخفيف قيودهما على مواطنيهما. حتى أن بعض قوى المعارضة العراقية بعثت لصدام، بعدما لاحت بوادر الغزو الأميركي، بأنها مستعدة للتفاوض والتقارب، شرط القيام بخطوات انفتاح داخلي وتخفيف القبضة الأمنية وحالة القمع. نفس الموضوع قدمه لصدام كنصائح مسؤولون عرب وصلوا في نصيحتهم الى تخلِّ عن الحكم سلمياً لقطع الطريق أمام استباحة البلاد باحتلال أجنبي، لكنه أصرّ على عناده وقناعته بأن أميركا غير جادة في تهديدها، وأنها سترضخ له في النهاية. لم يكن يفهم أبعاد المساعي الدولية، التي تريد توفير ظروف إقليمية لمشروعها في الشرق الأوسط. كذلك فعل الأسد، الذي أصر على عناده وسياسته القمعية الداخلية حتى آخر يوم له. 

لم يسمع نصائح حلفائه من الإيرانيين والروس، بضرورة الانفتاح على المعارضة للتفاهم حول تغييرات سياسية لمنع التغيير الدراماتيكي الخارجي. الحليف الروسي الذي يغوص في حرب أوكرانيا، نصحه بالتجاوب مع طلب الرئيس التركي للتفاهم وترتيب الأمور، وهذا ما قاله الرئيس التركي صراحة. لكن الأسد أصر على موقفه مبررا ذلك بأن على أردوغان أن يسحب قواته قبل أية مفاوضات. 

في النهاية كانت تركيا هي من دربت وجهزت المسلحين – ومعها أوكرانيا- فدخل هؤلاء مجهزين بأحدث الأسلحة والتقنيات، التي تدربوا على استخدامها.

يقال إن الروس تفاهموا مع تركيا على عدم انقاذ الأسد مقابل بقاء القاعدة الروسية في سوريا، فضلا عن مكاسب في أوكرانيا، وربما هذا ما يفسر الموقف الروسي البارد المتردد في دعم نظام الأسد. الجانب الإيراني يعد هنا الخاسر من رحيل الأسد، بعدما كان الدعم الإيراني ومعه حزب الله اللبناني، هو الذي حماه من السقوط قبل سنوات، عندما كانت المجموعات المسلحة على أبواب دمشق. 

الجانب الإيراني لا يفعل ذلك حبّا بشخص الأسد ولا نظامه، لكنه كان في حلف معه في إطار محور المقاومة، وهو ضمانة لتأمين الخطوط البرية بين إيران ولبنان عبر الأراضي السورية. إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، تعمل على قطع خطوط الإمداد عن المقاومة في لبنان. 

الأسد رفض الإشراف الدولي على المنافذ الحدودية، وهو ما أغاض المعنيين، رغم أنه حاول مسك العصا من الوسط، عندما منع وصول الامدادات العسكرية خلال الحرب في لبنان، لكن ذلك لم يرض إسرائيل التي التقت مصلحتها مع المصلحة التركية في تحريك القوات، التي تدربت على مدى سنوات إلى داخل الأراضي السورية.

يبدو أن مخططي عملية سقوط نظام الأسد استفادوا من دروس سقوط صدام، فاتخذوا عدة خطوات للحفاظ على الممتلكات العامة، ولم يلغ المجلس العسكري المؤسسات الحكومية، بل وأبقى على رئيس الوزراء السوري لحين ترتيب الأوضاع، فلم نشهد – حتى الان- عمليات نهب للممتلكات العامة كما جرى في العراق العام 2003 .

كعراقيين، نراقب ما يجري لنرى هل أن رسائل الجولاني الى الحكومة العراقية، ستتحول الى خطوات عملية بعلاقات سليمة، وقبل ذلك، ما مصير المجموعات الإرهابية الطائفية غير السورية، وهل ستتحول سوريا الى حكم هذه المجموعات، بحيث تتحول الى مركز إرهاب يستهدف دول المنطقة وأولها العراق؟

ننتظر ونرى...

اضف تعليق