ترامب ينظر إلى العراق من زاوية مصالح ومشاريع الدولة العميقة في الولايات المتحدة. فحتى لو تحسنت علاقته بطهران فان العراق يبقى مرتكزا لسياسة أميركية في المنطقة، كل هذه التوقعات أو بعضها، قد لا يحصل، لسبب بسيط هو أن ترامب لا يمكن تخمين تصرفاته ومواقفه...

عندما نتحدث عن العلاقات الأميركية الإيراني فإننا نتحرك بوحي تأثير هذه العلاقات الكبير على المنطقة كلها، وعلينا نحن في العراق. نحن إحدى ساحات المواجهة غير المباشرة بين طهران وواشنطن، وأي تقارب بينهما ينعكس ايجاباً على وضعنا العراقي، والعكس بالعكس.

واحدة من أكثر الأسئلة التي يرددها المراقبون الآن هو: هل يختلف ترامب الحالي عن ترامب في ولايته السابقة؟، كيف سيتعامل الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض بفوز ساحق في الانتخابات، مع ملفات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الحرب في لبنان وغزّة، والعلاقات الأميركية الإيرانية.

خلال حملته الانتخابية استطاع بدهاء استمالة العرب والمسلمين الاميركيين وسحبهم من الحزب الديمقراطي إلى ساحته. استغل سوء تصرف مرشحة الديمقراطي وتعاليها على الناخب العربي والمسلم في عاصمة عرب أميركا (ولاية ميشيغان)، فزار تلك الولاية وتحدث نيّته وقف الحرب في غزة ولبنان، وأنه مع السلام. كثيرون قالوا إنه كلام عام لمجرد كسب الأصوات. 

يستند هؤلاء إلى مؤشرات عدة منها الاتصال شبه اليومي بين رئيس حكومة الكيان الصهيوني مع ترامب أثناء الحملة الانتخابية، وبعد الفوز كان أول المتصلين وتحدث معه لمدة عشرين دقيقة، ثم الفرحة التي أبداها نتنياهو بفوز ترامب واعتبر ذلك "أعظم" انتصار، معوّلا على ترامب لتركه "يواصل الحرب دون المنغصات التي كانت تصدر عن بايدن وادارته"، من خلال دعوته إلى وقف القتال. 

يذهب البعض إلى القول إنه- أي ترامب- ربما يحث نتنياهو على تصعيد الحرب واستكمال أهدافها قبل دخوله البيت الأبيض، كي يبدو أنه يفي بوعده. لم يعرف عن ترامب أنه يعترف بالفلسطينيين وحقوقهم، فقد سبق وأن اقتنع بفيديو مفبرك من قبل الحكومة الإسرائيلية يظهر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحديث أثار غضب ترامب ودفعه إلى التطاول عليه وتهديده، عندما التقاه في رام الله ابان رئاسته السابقة. أصر ترامب على تصديق الفيديو، رغم أن وزير خارجيته بومبيو أكد له عدم صحته، مما يعني أنه كان مصمما على التجاوب مع تحريض نتنياهو له ضد محمود عباس. 

وإذا كان قد تماهى مع تحريض نتنياهو ضد محمود عباس المتعاون مع إسرائيل، فهل يعقل أن يعرقل خطة نتنياهو لمواصلة الحرب ضد حماس وحزب الله؟. إلى جانب ذلك فإن القرار في هذه الحرب لا يبدو بيد الرئيس، إنما بيد الدولة العميقة التي اعترف ترامب في أحد احاديثه الصحافية بوجودها وسيطرتها على القرار.

لا تخرج سياسة ترامب المتوقعة حيال إيران عن تأثير العلاقة مع إسرائيل، رغم الإشارات الإيجابية التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي استدعت مواقف مشابهة من الجانب الإيراني ظهرت في تصريحات محمد جواد ظريف كبير مستشاري الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين. 

الإشارة الأهم كانت حديثه عن عدم نية شن حرب على إيران ولا إسقاط لنظامها، بل يريد فقد منعها من امتلاك السلاح النووي، ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن إمكانية إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، الذي سبق وسحب بلاده منه خلال ولايته السابقة. بعض المعلومات تتحدث عن اتصالات غير مباشرة جرت بين ايران وترامب قبل الانتخابات، وإن هناك تفاهما مبدئيا حول إعطاء شركات أميركية حصة كبيرة من الصفقات، فيما لو تم رفض الحظر وإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة بعد العودة إلى الاتفاق. ربما فَهِم الإيرانيون أن العامل الرئيس الذي دفع ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق كان عدم حصول الشركات الأميركية على صفقات ذهبت إلى شركات أوروبية. 

كما أن محمد جواد ظريف يسوّق منذ مدة لفكرة أن العداء مع أميركا وأوروبا لا مبرر له، وأن بإمكان ايران أن تدخل بعلاقات تبادل مصالح مع هذه الدول. لكن الذي يثير الشكوك في إمكانية نجاح أي تفاهم أميركي – إيراني، هو الرفض الإسرائيلي الشديد لهذا التقارب. الكيان الصهيوني كان ضد الاتفاق النووي، وكان سعيدا عندما انسحب ترامب منه واعتبره نصراً له، فهل سيتصرف ترامب بما لا يرغب نتنياهو؟

عندما نتحدث عن العلاقات الأميركية الإيراني فإننا نتحرك بوحي تأثير هذه العلاقات الكبير على المنطقة كلها، وعلينا نحن في العراق. نحن إحدى ساحات المواجهة غير المباشرة بين طهران وواشنطن، وأي تقارب بينهما ينعكس ايجاباً على وضعنا العراقي، والعكس بالعكس.

ترامب ينظر إلى العراق من زاوية مصالح ومشاريع الدولة العميقة في الولايات المتحدة. فحتى لو تحسنت علاقته بطهران فان العراق يبقى مرتكزا لسياسة أميركية في المنطقة. 

كل هذه التوقعات أو بعضها، قد لا يحصل، لسبب بسيط هو أن ترامب لا يمكن تخمين تصرفاته ومواقفه، بل حتى من حوله يقولون إنهم يعجزون عن ذلك. هكذا كان في رئاسته الأولى، فهل تغير الان؟

اضف تعليق