q

يبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت تفقد معظم أدواتها في صياغة تحركاتها الإقليمية منذ دخولها الحرب ضد الحوثيين في اليمن، لاسيما وتكرار الأخطاء الإستراتيجية في إدارتها للمتغيرات الإقليمية والداخلية، خصوصاً بعد حادثة منى ورغبة معظم الأطراف الإسلامية في نقل إدارة موسم الحج إلى هيئة إسلامية عامة تشمل تركيا وإيران الداعين الأكبر لوجودها.

ولأجل إستعادة مكانتها في هذه القضايا، لجأت المملكة إلى تجديد قضية الحكم بشأن الشيخ نمر النمر مرة أخرى، والتي تجد فيها وسيلة للضغط على محور المقاومة في المنطقة، إذ قامت محكمة الاستئناف والمحكمة العليا على المصادقة على إعدام الشيخ النمر مما يعني أن حياته الآن أصبحت بيد الملك سلمان بن عبد العزيز نفسه الذي يمكنه التصديق على الحكم أو تعليقه.

مساومة مجهولة: النمر مقابل قضايا المنطقة

يرى المراقبون أن فقدان السعودية لخياراتها الإستراتيجية، علاوةً على أحداث الفشل المتكررة جعلها تسعى إلى إستخدام ورقة ضغط جديدة للتأثير على التفاعلات الإقليمية، إذ كان لفقدان السعودية هيبتها في موسم الحج أثراً على سياستها الخارجية، وما زاد على هذا الأمر كذلك هو توتر العلاقة بينها وبين مصر لصالح روسيا، الأمر الذي جعل المملكة في إنتكاسة كبيرة بعد أن كانت تقترب من صياغة المقتربات النهائية في قيادة المنطقة.

إلى جانب ذلك، كان لتبدل الموقف العسكري في سوريا بفعل قوة الضربات الجوية الروسية وتقدم الرئيس بشار الأسد في مناطق جديدة منها، مدعاةً للقلق السعودي، خصوصاً بعد الإعلان عن مشاركة طهران في مفاوضات جنيف بشأن سوريا الأيام القادمة، الأمر الذي يعني أن الرياض قد فقدت جميع أوراقها الإقليمية، بإستثناء الشيخ النمر الذي قد يكون له أثراً في المساومات القادمة.

يعتقد الجيل الحاكم من الشباب في المملكة أن المفاوضة على ورقة الشيخ النمر سيكون لها تأثيراً على مصداقية الإستراتيجية الإيرانية تجاه شيعة المنطقة، خصوصاً في منطقة الخليج، والتي لم تكن بمستوى القبول في البحرين أو اليمن من قبل، الأمر الذي قد يفقد طهران التأثير على الطائفة في هذه المنطقة، فضلاً عن أن المساومة بشأنها مع قضايا المنطقة، سوف يزيد من إرتباك طهران في المفاوضات، وهذا ما جعل طرح القضية يتزامن مع محادثات جنيف بشأن سوريا، والقبول الدولي بوجود بشار الأسد في المرحلة القادمة. لأجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب في المفاوضات.

لم تبدي إيران مواقف حاسمة في هذا الأمر، فالحسابات الإستراتيجية في طهران تركز على الوضع العسكري في العراق وسوريا، علاوةً على ضمان إستمرار الحوثيين في الدفاع عن حقوقهم في اليمن، وهذا مايعني أن إختراق الوضع في الخليج، سوف يؤثر على بقية الملفات التي تديرها إيران في الحرب ضد تنظيم داعش، رغم أن طهران لاترغب في فقدان صورتها في عين الشيعة كدولة مدافعة عنهم، لذلك سوف تبذل إيران كل مابوسعها للتعامل مع قضية النمر في مؤتمر جنيف وبالشكل الذي تحاول من خلاله تقديم مقاربات جديدة بهذا الشأن، لاسيما بعد أن قامت المملكة بتقديم خيارات جديدة تتعلق بوقف العمليات العسكرية التي تقودها في اليمن ضد الحوثيين، وهذا مايزيد من تعقيد التفاوضات بسبب تباين تأثير المكاسب على دور إيران الإقليمي.

خيارات حاسمة: النمر مقابل آل سعود

يصعب التأمل في الخيارات التي سوف يلجأ إليها الملك سلمان بن عبد العزيز بشأن الشيخ النمر، فالوضع الإقليمي الذي أصبح ينذر بتراجع الدور السعودي في المنطقة يجعل المملكة أمام لعبة صفرية مقابل إيران المتحمسة لبقاء الأسد والإنتصار في العراق، علاوةً على التخوف من ردود الفعل الداخلية في الإحساء والقطيف من أي تصرف سيقوم به الملك بهذا الشأن.

فضلاً عن ذلك، يرى بعض المراقبين إن ولي العهد محمد بن نايف يسعى إلى إفشال دور الملك في إدارة المملكة، فالفشل في موسم الحج، والتورط مع الإيرانيين في قضايا متعددة منها اليمن وسوريا، سوف يضعف من قدرة المملكة في إدارة الشؤون الخارجية، علاوةً على الفوضى المتأججة في القطيف والإحساء التي لن تتمكن المملكة من السيطرة عليها إذا مادخلت إيران على خط الأزمة. وبالتالي فإن المملكة العربية ستجد نفسها أمام تحديات كبيرة لاسيما مايخص نفوذ تنظيم الخراساني في المملكة، الذي قد يكّون الجيل الرابع من السلفية الجهادية بعد تنظيم داعش، والذي يتحدد مجاله الحيوي بالسيطرة على المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن المملكة سوف تواجه إلى جانب التمرد في الإحساء والقطيف تحديات جديدة أخرى تتعلق بالأجيال الجديدة في السلفية الجهادية والتي لاترغب بإستمرار التعاقد من آل سعود لإدارة الحكم في المملكة.

إن الجيل الصاعد إلى السلطة في المملكة قد ساهم في تغيير معادلات الحكم في البلاد، فإنتقال السلطة إلى الأحفاد سوف يزيد من حالة الفوضى داخل المملكة، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار تفرد السديريين في الحكم وتجاهل الآخرين من أبناء الفيصل والملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، وهذا الأمر قد ساهم في إذكاء رغبة الأمراء الأحرار من التصدي للسلطة من خلال التواصل مع أطراف دولية لضمان عدم إنتقال السلطة إلى تنظيمات متطرفة جديدة أعلنت العداء لآل سعود كالحالة مع تنظيم داعش أو تنظيم الخراساني.

وبالتالي فإن المملكة تواجه تحديات كبيرة سوف تعقد من قضية الحكم داخل البلاد في الأيام القادمة، بسبب الصراع بين الأمراء من الجيل الجديد، وتمدد تنظيم داعش داخل الأراضي السعودية، الأمر الذي سوف يجعل بقاء آل سعود في الحكم مرتهن باستقرار الجماعات الداخلية وفي مقدمتهم أنصار الشيخ النمر الذين سيكون لهم موقف سياسي جديد في حال أقدم الملك على تنفيذ قرار الإعدام.

مستقبل غامض وتوازنات مدروسة

إن السيناريوهات المحتملة لقضية الشيخ النمر لاتخرج عن مشهدين، حيث أن المشهد الأول يعتمد على إحتمال إقدام الملك سلمان بن عبد العزيز المصادقة على إعدام الشيخ نمر النمر وهو ما سوف يؤدي إلى فوضى حقيقية في المملكة يشترك فيها أنصاره في الإحساء والقطيف، والتي قد تدفع بسبب الوضع الإقليمي إلى تدخل دولي للسيطرة على المشهد هناك، ولأن التدخل العسكري في السعودية سيكون معقد، فسيتم اللجوء إلى خيارات دولية جديدة تعتمد على تقديم تنازلات لصالح الشيعة في الإحساء والقطيف من خلال منحهم حقوقاً دستورية قد تصل إلى الفدرالية لضبط التمرد هناك، وهذا ما سيؤثر على فاعلية المملكة الداخلية والخارجية.

وفي الوقت ذاته، سوف تسعى إيران وفق هذا الإحتمال إلى تقوية التيارات السياسية والمدنية في منطقتي الإحساء والقطيف لكي تتمكن من تقوية دورها الإقليمي وفق معطيات إقليمية جديدة، علاوةً على دعم الحوثيين في اليمن لتمكينهم من إدارة الوضع في البلاد بعد الحرب. أما في سوريا فإن المملكة سوف تكون مضطرة إلى القبول بخيارات التحالف الروسي–الإيراني. وهذا مايعني أن المملكة لن تكون قادرة على المجابهة مستقبلاً.

مقابل هذا المشهد فإن إحتمالات تعليق قرار إعدام الشيخ النمر سوف تكون موجودة أيضاً، فالربح في سوريا بأقل الحدود لن يكون متحققاً إذا ما قرر الملك إعدام الشيخ النمر، لأن ذلك سوف يفقد السعودية المقدرة على المساومة والتفاوض بشأن الوضع في اليمن أو سوريا، فتحييد الحوثيين في اليمن بحاجة إلى دعم إيراني في الأساس وهذا ما أدركته المملكة عبر حربها ضد الحوثيين.

إلى جانب ذلك يصعب على الملك إدارة الجماعات الإجتماعية داخل المملكة في حال قرر الملك سلمان بن عبد العزيز إعدام الشيخ نمر النمر، علاوةً على القلق الذي أصبح يتنامى داخل مؤسسات صنع القرار السعودي من دخول إيران إلى خط المواجهة داخل المملكة والتي سوف تضعف خيارات السعودية في أي قرار تتخذه ضد الشيعة في الإحساء والقطيف.

ورغم المعطيات التي يحملها كلا المشهدين بشأن الشيخ النمر، غير أن إحتمالات المساومة سوف تكون موجودة أيضاً، فسوريا والشيخ النمر هي أوراق السعودية في صراعها الصفري مع إيران، مقابل ماتمتلكه إيران من أوراق، لعل أبرزها حادثة منى والتي عاد إلى الحديث عنها الرئيس روحاني قبل إنعقاد مؤتمر جنيف لتذكير المملكة بخيارات إيران الواسعة في هذا المجال.

إن قضية الشيخ النمر لايمكن النظر إليها بمعزل عن الظروف التي تمر بها المنطقة، فالوضع في الإقليم يتجه نحو التوازن في الخيارات الإستراتيجية، وبالتالي من غير الممكن أن تتجاهل المملكة العربية السعودية طموحات إيران الإقليمية التي ستتأثر بها في جميع الأحوال، غير أن تقليل هذا التأثير هو الذي ينغي أن تتعامل معه السعودية في هذا الشأن. وهذا ماسيدفعها إلى المساومة في جنيف وتكون ورقة مقابلة لما حدث في منى على أقل تقدير.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق