إنّ ما نشهده اليوم في شوارع مدننا من تجاوزات على الشوارع والأرصفة بحجج مختلفة، وبتغافل وتساهل متعمّد من قبل الأجهزة الحكوميّة المسؤولة يمثل اعتداءً صارخاً على حقوق المواطنين سواء من أصحاب المركبات أم المارّة، إذ اتخذ البعض من الأرصفة أو الشوارع أماكن لوضع (بسطياتهم) والمتاجرة بمختلف السلع...
الشارع والرصيف هو ملكيَّة عامة ليس من حق أحد التصرّف بها، أو استغلالها بأيِّ شكل من الأشكال، وعدم أحقيَّة التصرّف هذه تشمل في الغالب حتى الجهات الحكوميَّة إذا ما كان ذلك الاستغلال يسهم في خلق الفوضى، أو يعد من الاستخدام التجاري أو الدائمي الذي يتسبب في أعاقة حركة المواطن؛ لأنَّ الشارع والرصيف حق للمواطن وليس منحة يمكن إيقاف منفعتها وفق رغبة الجهة المانحة.
حرمة الشارع تستند في وجوبيتها إلى الرؤية المستمدة من التعاليم الدينيَّة لمختلف الديانات كما أنّها تستند إلى مستحسنات العقل السليم وما يقرره التصرّف الحضاري.
وقد جاء في أحكام المشرعين الإسلاميين: «أن النبي ص أخبر أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأسباب دخول الجنان، وأنّها من أنواع الصدقة والإحسان، وبالمقابل أن وضع الأذى في الطريق من الإساءة والعصيان ومن أسباب اللعنة والخذلان» وقد ربط بعض علماء الدين حرمة استغلال الشارع تجاريا «بمزاحمة المارة»، وبناءً على ذلك فإنَّ كل استغلال للشارع يتسبب في أذى الآخرين مهما كان شكله تجاريا أم اشغالا يتنافى مع الوظيفة التي وضع لها هو محرّم شرعا.
إنّ ما نشهده اليوم في شوارع مدننا من تجاوزات على الشوارع والأرصفة بحجج مختلفة، وبتغافل وتساهل متعمّد من قبل الأجهزة الحكوميّة المسؤولة يمثل اعتداءً صارخاً على حقوق المواطنين سواء من أصحاب المركبات أم المارّة، إذ اتخذ البعض من الأرصفة أو الشوارع أماكن لوضع (بسطياتهم) والمتاجرة بمختلف السلع، وهو ما يسبب الكثير من المضايقة والزحام وإعاقة للسابلة، فيما قام البعض بتحويل الطرق على ضيق مساحتها إلى أماكن وقوف لسياراتهم مما يتسبب في زحام مستمر وقطع للطرق وإعاقة حتى لسيارات الإسعاف وإطفاء الحرائق عن أداء عملها بالشكل الذي تفرضه خطورة الموقف.
يتحجج شاغلو هذه الشوارع والأرصفة تجارياً بأنّها تمثل مصدر عيش لهم، وتعالج حالة البطالة التي يعانون منها، وهي حجة تبدو في ظاهرها منطقيَّة غير أنّها في الحقيقة غطاء تختفي وراءه الكثير من السلبيات والفساد، فإذا كان ثمة منطقيَّة في هذا التبرير لذوي (البسطيات المتنقلة)، فإنَّ هذه المنطقيَّة تنتفي تماماً لأصحاب المحلات الذين يتجاوزون على الرصيف جاعلين منه مساحة مضافة إلى محلاتهم.
وفي كثير من الأحيان يخضع هؤلاء المتجاوزون إلى عمليات ابتزاز من قبل مفتشي البلديات لغض النظر عن وجودهم اللاقانوني. إنَّ معالجة هذا الأمر تحتاج إلى جهد كبير تتضافر فيه جهود جهات متعددة لكي يكون الإجراء المتبع مقبولا منطقيا وقانونيا وإنسانيا، ولعل من أهم المهام التي تسهم في معالجة هذه الظاهرة هو توفير فرص العمل لهؤلاء الذين يحتجّون بموضوع توفير لقمة العيش لأسرهم لتفنيد منطقيَّة حجتهم، ومن ثمَّ اتباع إجراء صارم تجاه المتجاوزين الآخرين سواء أصحاب المحلات أم أصحاب المركبات الذين يشغلون جزءا من الشارع لركن مركباتهم بدلا من وضعها في (الكراجات) المخصصة لذلك.
إنّ مثل هذه الأفعال لا تمت بأيِّ صلة للحرية التي توهمها البعض، وأن مواجهتها بشكل حازم ليست من وسائل القمع السلطوي بل هي فعل حضاري وقانوني يندرج تحت مبدأ المحافظة على حقوق الآخرين وحرياتهم من الأفعال والتصرّفات الفوضويَّة.
اضف تعليق