المشكلة أساسها أخلاقي تربوي وقانوني يتعلق بإجراءات المحاكم. المشكلة تكمن في أن ثقافة المجتمع تنظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة غالب ومغلوب، وأن الطلاق يجب أن تتبعه عملية انتقام متبادلة. حتى لو أعطيت الحضانة للرجل، فإنه سيتفنن في حرمان ابنه من امه. نحتاج إلى ثقافة في هذه التفصيلة...

لماذا هذه المنازلة بين الرجال والنساء حول تعديل مادة في قانون الأحوال الشخصية؟ النقاش يبدو من جهة صراعا بين الرجال والنساء، كأنهما فريقان متحاربان، ومن جهة أخرى بين اتجاهين ديني والآخر علماني (بالمعنى الشرقي المعادي للدين).

من قال إن الإسلام يظلم المرأة؟ كيف يمكن لعاقل أن يقول بأن الإسلام لا ينصف المرأة التي تشكل نصف المجتمع، ودورها أساس في بناء الأجيال بشكل سليم ومتوازن؟ مشكلة المجتمعات هي أنها تمزج الدين بالعادات الاجتماعية، فتبدو الأخيرة حكما دينيا وهي ليست كذلك. 

من يعرف ذلك ويصر على رفض الحكم الديني الخالص في قضايا الأسرة والمجتمع، فهو في موقف معادٍ للدين أساساً وهذا شأنه وهو حر فيه لا يحق لأحد فرض عقيدة أخرى عليه، لكنه لا يستطيع فرض رأيه الأقلوي على مجتمع يعتنق غالبيته عقيدة دينية معينة.

في بلد يطبق نظاما ديمقراطيا ويمنح الحق لمواطنيه في حرية الاختيار، تكون القوانين التي تحظى بموافقة أغلبية نواب الشعب في البرلمان هي السائدة. 

والأكثر حضارية وانفتاحاً هو أن تُعطى الحرية للمواطنين باختيار القانون، الذي يتعلق بحياتهم الشخصية، وفق ما يعتقدون ويتبنون من مناهج فكرية، دينية وغير دينية.

هذا ما جاء به التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية. هو يتيح حرية للمواطن لاختيار القانون الحالي أو اعتماد الشرع الإسلامي، وفق مدونات ستوضع لاحقا وستخضع لنقاش داخل البرلمان وهي تمزج بين التشريع الديني والمعالجة القضائية.

تنقسم الأحكام الدينية إلى قسمين: الأول وارد في القرآن الكريم بشكل واضح وصريح لا مجال فيه للتأويل كأحكام الإرث وغيرها، والثاني: أحكام مستنبطة من القرآن وسنة الرسول والروايات الواردة في هذا المجال، والوصول إلى هذه الأحكام يخضع لعملية معقدة من التمحيص والفحص للتأكد من صحتها، وهذه الأحكام قد تبدو متباينة بين فقيه وآخر، بسبب تباين النتائج التي يتوصل إليها في عملية الاستنباط. هنا يعطي بعض المراجع مقليهم حرية الأخذ بفتوى مرجع آخر. 

ما يتداوله معارضو حرية الاختيار الذي يريده التعديل هو موضوع زواج القاصر، وهو موضوع لا وجود له في التعديل أبداً، يتداوله بشكل واسع صنفان، الأول قاصد ويستخدمه سلاحاً ضد التعديل من الأساس، من أجل تهييج الرأي العام ضده، والثاني غالبية غير واعية تتحرك بعقل جمعي يتأثر بما يقال دون تدقيق، هناك أيضا من يتحدث عن الأمر من باب الخوف من حدوث ذلك فيما لو أرجع الأمر إلى الرأي الديني، رغم أن المدونة الشرعية الدينية لم توضع بعد. 

يقولون انه زواج أطفال ويتحدثون عن فتاة بعمر 15 أو 16عاما فهل يسمى هؤلاء أطفالاً، علما أن زواجا بهذا العمر بات نادراً. هناك دول “علمانية” إقليمية وأخرى غربية تجيز الزواج في هذين العمرين فماذا نسمي ذلك؟ في أميركا وكندا هناك قوانين تعطي الحق لأطفال بعمر 5 سنوات لتقرير جنسهم وتغييره حسب رغبتهم دون علم الأهل، وهذا ما تحرّكه ذات المنظمات والجهات المعنية بحقوق المرأة التي تعمل في مجمعنا اليوم، وترفع صوتها ضد التعديل محل النقاش. طبعا لا نعني أن تلك القوانين الغربية صحيحة، بل هي جريمة بحق الأطفال لكنني أتساءل عن مغزى التناقض في سلوك تلك المنظمات وما تمارسه من جريمة بحق المجتمع، تحت يافطة حقوق المرأة والطفل. منظمات يصرح بعضها بأنه “يناضل” من أجل حق المرأة المتزوجة في إقامة علاقات خارج إطار الزواج.

من نقاط الخلاف التي تشكل مادة الصراع بين الرجال والنساء في القانون الحالي، هو موضوع الحضانة. القانون الحالي يعطي الحضانة للأم وهذا أمر طبيعي فالرسول الأكرم يقول: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك”، لكنه لم يقل إن الأب يتعرض للإذلال من أجل رؤية أبنائه.

نعم هذا ما يجري في المجتمع اليوم، فالزيارة شهرية وفي المحكمة ولمدة قصيرة يكون فيها الابن قد تم شحنه ضد أبيه، فيجلس خائفاً منه ومن نظرات أمه أو جده الذي يراقبه من بعيد. المشكلة أساسها أخلاقي تربوي وقانوني يتعلق بإجراءات المحاكم. المشكلة تكمن في أن ثقافة المجتمع تنظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة غالب ومغلوب، وأن الطلاق يجب أن تتبعه عملية انتقام متبادلة. حتى لو أعطيت الحضانة للرجل، فإنه سيتفنن في حرمان ابنه من امه. نحتاج إلى ثقافة في هذه التفصيلة وهي قائمة على أن الانفصال حق لكن الرعاية المشتركة للأبناء واجب على الطرفين. لو تسلحنا بهذا الوعي فلن يكون مهما أي قانون نطبقه.

اضف تعليق