نعم.. انهم مهندسو الجمال، ذلك أن الجمال لا يمكن أن يكون على مساحة من القاذورات والفضلات.. وحتى لو تم استخدام بقايا الأخشاب والحديد والكارتون والزجاج.. مثلا في أعمال فنية؛ إلا أنه يتم تنظيفها أولا، ومن ثم يبدأ تنظيمها وليس تقديمها للمتلقي بشكل عشوائي. ذلك أن كل ما هو عشوائي...

نعم.. عمال النظافة؛ هم مهندسو الجمال، ولولاهم ما كان لبغداد والمحافظات أن تصبح صباحا يليق بها. هؤلاء، هم من يعيد للأشياء مكانها المعتاد.. ذلك أن فلسفة النظافة تقوم على مبدأ، أن كل شيء يفترض أن يكون في موضعه وموقعه، ومن دون هذا المكان يصبح قذارة تعافها النفس. الورقة البيضاء على المنضدة في دفتر أو كتاب؛ هو مكانها المألوف، أما أن تكون مرمية في الشارع؛ فإنها تصبح ورقة خرساء لا فائدة منها، ويحسن أن يكون مكانها في سلة المهملات.

غير أن الكثرة من أفراد مجتمعنا، لا ينظرون إلى هذه الطبقة المسحوقة من المجتمع، الذي يحمل ويجمع كل الفضلات، التي نرميها ويحول مكانها إلى مكان نظيف، حسن الإضاءة على حد قول همنغواي في قصة جميلة له بهذا العنوان.. لا يتعاملون باحترام يليق بهذه الشريحة من المجتمع، وانما يتنكرون لها ويعدون أصحابها، فئة هامشية في أحسن الأحوال وهو أمر يدل على تنكر وجفاء ونظرة دونية غير مقبولة، وغير حضارية وغير إنسانية.

إن كثرة من عمال النظافة، يحملون شهادات عليا، إلا أنهم لا يجدون فرص عمل تليق وتتلاءم مع تخصصاتهم، الذي درسوها لسنوات عدة، وهو الأمر الذي يلزمهم البحث عن عمل ـ أي عمل ـ يدر عليهم أجرا يقيهم طائلة الجوع ويحميهم من اللجوء إلى التسول أو إلى السرقة أو إلى الجريمة اضطرارا.

مهندسو الجمال، هم فئة أساسية في مجتمع لا يحترم نظافة الشارع الذي له تماس بمنازلهم، ولا المكان الذي يجلسون عليه في حديقة عامة؛ لذلك بدت كل مدننا خالية من النظافة، وتسودها القاذورات وعلى وجه الخصوص الأسواق الشعبية غير النظامية، التي نتناول منها مأكلنا وبضاعتنا وحاجاتنا اليومية، من دون أن يفكر هؤلاء الباعة تنظيف بضاعتهم ولا مكان عملهم. وهمهم الأول تحقيق الأرباح السريعة، حتى إذا كانت هناك مناسبة ما؛ وجدنا تلك الأسواق تضاعف في غياب نظافتها وتعمل على رفع أسواق كل بضاعتها، التي لا تفكر بنظافتها ولا بتخفيض أسعارها لهذه المناسبات!.

واذا كانت نظرة الكثرة من الناس هامشية وعابرة ومتدنية إزاء هذه الفئة من عمال النظافة؛ فإن من الأولى والأهم أن تولي الحكومة هذه الطبقة العمالية الرثة في فقرها، وذلك بزيادة أجور عملها على وفق ما تقدمه من خدمات حسنة وتتجمل عن طريقها الشوارع والأزقة لتظهر بشكل لائق.

وقد علمنا أن السيد رئيس مجلس الوزراء، قد قام مؤخرا بتكريم هذه الطبقة وأجزل لها العطاء.. وهو موقف جليل ومبادرة طيبة؛ الا أننا نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك، بحيث يصدر أمر بتحسين أجورهم، التي تجعل منهم يعيشون عيشا افضل مما هم عليه الآن. ذلك أن غيابهم ليوم واحد، من شأنه أن يحول بغداد العاصمة وكل المدن إلى مكب كبير للنفايات، وبالتالي يلحق الاضرار الصحية بالجميع.

نعم.. انهم مهندسو الجمال، ذلك أن الجمال لا يمكن أن يكون على مساحة من القاذورات والفضلات.. وحتى لو تم استخدام بقايا الأخشاب والحديد والكارتون والزجاج.. مثلا في أعمال فنية؛ إلا أنه يتم تنظيفها أولا، ومن ثم يبدأ تنظيمها وليس تقديمها للمتلقي بشكل عشوائي. ذلك أن كل ما هو عشوائي؛ هو شيء قذر لا يصح استخدامه بوصفه فوضى، وكل فوضى عدوة لدودة للنظام، الذي نريد ونطمح ونتمنى لأنفسنا ولبلادنا أن يعم.

مهندسو الجمال، هم مهندسو نظافة البلاد ومعمرو الأوطان، وهم الطبقة التي يفترض أن ننظر اليها نظرة محترمة ونبيلة جديرة بهم.. فلولاهم لم نتنفس الا الروائح النتنة والمنظر الذي تشمئز منه نفوسنا.

إنهم العناصر المضحية والنبيلة، التي يفترض أن نتعامل معها المعاملة الجيدة ونتواصل على مساعدتها ودعم الأجور التي تستحقها عن هذه الخدمات، التي تتحول فيها مدننا إلى مدن نظيفة وأنيقة وجميلة.

اضف تعليق