في العراق اليوم، تسود التفاهة، ويحظى التافهون بالتبجيل والتكريم والمتابعة، ساعد في ذلك وسائل التواصل التي توفر فرصة الانتشار السريعة عبر اقتحام المتلقين وتزريق التفاهة في وعيهم، المال الحرام يدعم التفاهة، ويحتضن التافهات بالترف والسيارات الفارهة، بما يعزز دورهن التخريبي في المجتمع...

أبدى كثير من العراقيين سرورهم للحكم الصادر بحق الفتاة التي تعرف باسم «أم اللول» لتورطها في نقل مخدرات. قبلها تشفّى كثيرون بمقتل «أم فهد» ثم «وفاة» الملقب بـ»جوجو» في السجن. لم يسأل أحد عمن وراء مخدرات أم اللول وهل أن المعتقل الذي اعترف عليها، هو رئيس الشبكة أم واجهة تسويق فقط. الأفلام التلفزيونية التي تتناول قضية شبكات المخدرات علّمتنا أن «رأس البلاء» عادة ما يكون مسؤولا أو صاحب نفوذ كبير في البلاد، أو خارجها وهو خارج الأضواء ولا يراه أو يعلم بأمره سوى القلّة القليلة ممن يثق بهم فيما الواجهات لهذه الشبكة وادواتها البشرية هم في الواجهة.

ومن الأدوات المستخدمة في تهريب المخدرات النساء، خصوصا المشهورات منهن بغض النظر عن موضوع الشهرة.

في المجتمعات التي تسود فيها التفاهة فان الشهرة لا تأتي عبر العلم أو الفن بالضرورة، بل قد تأتي من التفاهة التي تلقى صدى لها عند عامة الناس.

في العراق اليوم، تسود التفاهة، ويحظى التافهون بالتبجيل والتكريم والمتابعة، ساعد في ذلك وسائل التواصل التي توفر فرصة الانتشار السريعة عبر اقتحام المتلقين وتزريق التفاهة في وعيهم.

المال الحرام يدعم التفاهة، ويحتضن التافهات بالترف والسيارات الفارهة، بما يعزز دورهن التخريبي في المجتمع.

لا تقتصر دوافع الفاسدين على تلبية نزواتهم، بل إن هذا الاحتضان وراؤه استغلالٌ لهؤلاء الفتيات كغطاء في تمرير الممنوعات من آثار مسروقة أو مخدرات. يساعدهن في انجاز هذه المهمة تهافت البسطاء والتافهون عليهن أينما ذهبن واستثناؤهن من إجراءات تفتيش أو مراقبة.

قد يتدخل ضباط ومسؤولون في تأمين حركة آمنة لهن عبر باجات أو اتصالات بالمعنيين.

كثير من مراكز التجميل تشكل غطاءً لإدخال وتوزيع المخدرات، وغالبا ما تحصل هذه المراكز على حماية من صاحب نفوذ.

ما يجري في المجتمع اليوم هو تفاعل مزيج من الفساد المالي والأخلاقي و»المخدراتي»، من خلال واجهات خدمية أو تجارية لتسهيل تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

الضحية الأولى هي المجتمع، وتحديدا جيل الشباب الذي يضيع في بحر المخدرات الكيمياوية منها والرقمية ممثلة ببرمجيات النشر، التي تهيمن على عقول مستخدمي وسائل الاتصال وتعمل على تأطير توجهاتهم الفكرية والذوقية نحو مزيد من الضياع.

في النتيجة فإن الأسرة التي تشكل لبنة البناء الاجتماعي تكون ضحية هذا المخطط التدميري. المخدرات التي تفتك بالمجتمع لا تقتصر على المواد التي تدخل المعدة والدم، بل أن المخدرات الرقمية لا تقل فتكاً عن سابقتها.

هي تفتك بالوعي والذوق والأخلاق، فضلا عن الاعصاب فيتحول بعدها الانسان إلى روبوت تحركه الخوارزميات المبرمجة وفق مصالح حيتان المال والهيمنة الدولية.

أخطر ما يواجهه مجتمعنا اليوم هو هذا التخادم بين السياسي الفاسد وتجار المخابرات وبعض رجال الأمن من ضباط الداخلية والدفاع.

لا تجد بين رموز التفاهة والانحراف الأخلاقي من لا تستند إلى ضابط أو رجل أمن أو سياسة، وما نراه من عقوبات لبعضهن ليس علاجاً للظاهرة، ما دام هناك من يشجع ظهور المزيد منهن تحت إغراء المال، لكنهن يتحولن بعدها إلى مجرد أدوات لنقل ممنوعات من مخدرات وغيرها، أو أدوات دعارة للإيقاع بهذا وذاك من خلال التصوير والابتزاز.

بات من يُعرفن جزافاً بالفاشنستات حلم المراهقات اليوم، بدل حلم الشهادات العليا، أو تكوين الأسرة.

التفاهة الممزوجة بالكذب الذي تمارسنه، وراء الكثير من حالات الانتحار أو هروب الفتيات من بيوتهن سعيا وراء هذا الحلم الخادع، وحالات الطلاق التي تعج بها المحاكم تحكي حجم الدمار الذي يتعرض له المجتمع بسبب هذه الظاهر المتفشية.

أم اللول وام فهد وغيرهما مجرد ضحايا وأدوات بيد شبكات كبيرة، يرأسها أصحاب نفوذ سياسي أو أمني، والاقتصار على معاقبتهن دون ملاحقة من ورائهن لن يكون سوى عملية إعلامية- دعائية كما حدث مع حملة مكافحة المحتوى الهابط، بعدما تبين أن بعض رموز تلك الحملة متورطون في هذا المستنقع.

اضف تعليق