من المُتعارف عليه بين الأوساط الاقتصادية والمعنيين بالقضايا التنموية، هي تلك المُسلمات والاعتبارات، التي ينبغي الأخذ بها قبل الشروع بأي مشروع اقتصادي أو خدمي، ومن تلك المُسلمات، دراسة الجدوى الأقتصادية لهذا المشروع، والخدمة المرجوة التي يمكن أن يُقدمها مستقبلاً لسكان المنطقة...
من المُتعارف عليه بين الأوساط الاقتصادية والمعنيين بالقضايا التنموية، هي تلك المُسلمات والاعتبارات، التي ينبغي الأخذ بها قبل الشروع بأي مشروع اقتصادي أو خدمي، ومن تلك المُسلمات، دراسة الجدوى الأقتصادية لهذا المشروع، والخدمة المرجوة التي يمكن أن يُقدمها مستقبلاً لسكان المنطقة.
وإذا حاولنا تطبيق هذه المفاهيم وغيرها الكثير على بعض المشاريع والبنى التحتية، التي تم إنشاؤها بعد عملية التغيير.
فلا نجد صدى لهذه المفاهيم ينطبق على الكثير من تلك المشروعات، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال رحلة عابرة جمعتنا مع أحد الأصدقاء إلى مدينة النهروان، وبما أننا نجهل المكان الذي نروم الوصول إليه، فما كان أمامنا إلا الاستعانة بالمارة للدالة على هذا المكان، وأستمر هذا الحال حتى وصولنا إلى مدخل المدينة، حيث تمت الاستعانة بأحد منتسبي السيطرة الأمنية للدلالة عن المكان المقصود، وكانت المفاجأة عندما أشار إلينا بأن المكان المراد الوصول إليه يقع بعد الجسر الخامس.
وقد أثار استغرابنا هذا العدد الكبير من الجسور، في مدينة تعاني من البؤس والحرمان، ومن بنية تحتية شبه مفقودة، وحتى الشارع الرئيس لهذه المدينة هو أقرب إلى الطريق النيسمي في قرية نائية، فلا رصيف يُؤطر هذا الشارع، ناهيك عن التخسفات التي لا تُعد ولا تُحصى، هذا في الوقت الذي تفتقر فيه الكثير من تقاطعات وساحات بغداد إلى مثل هكذا جسور لعبور المشاة.
وهنا السؤال الذي تم طرحه، ما الداعي لهذه الجسور الخمسة، في ناحية عدد نفوسها لا يستدعي إنشاء مثل هكذا جسور، على أعتبار أنها مدينة مفتوحة ومترامية الأطرف.
وكدليل على ذلك لم نشاهد أحدا يعتلي ظهر هذا الجسور، ومن المؤكد لم يعتلها أحد منذ افتتاحها والى يومنا هذا، باستثناء الأشخاص الذين يقومون بتعليق صور المرشحين واللافتات أثناء الحملات الانتخابية، وكذلك صور ولافتات المناسبات والإعلانات التجارية، وهذا ماهو مُتداول بين سكان المنطقة.
إن هذه الظاهرة المُلفته للانتباه يمكن تعميمها على باقي المدن والمحافظات، فعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة، وخطط تنموية مدروسة، إضافةً إلى غياب مفهوم التخطيط المُبرمج والمُستند إلى دراسات دقيقة، أدّى بالمحصلة إلى هذه النتيجة الحتمية والمتوقعة.
إن الغرض من إثارة مثل هكذا مواضيع ليس القصد منه التشهير بأحد، إنما هو لفت الانتباه إلى أخطاء كارثية قد حصلت في الماضي، وضرورة تلافي هذه الأخطاء مستقبلاً، خصوصاً والحديث يدور عن نهضة تنموية ستشهدها البلاد، نتمنى ان تكون شاملة ومستدامة، لكن قبل الحديث عن مفهوم التنمية المستدامة يجب التخلص من بعض المُعرقلات، التي تقف حائلاً دون تحقيق هذه الحلم التنموي، والذي غادرنا منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن تلك المعرقلات هو هذا الخلط العجيب والتداخل بين المصالح الذاتية، وبين المصالح الستراتيجية العليا، التي تتوقف عليها التنمية الشاملة والمستدامة، وهذه من الأمور التي لم تستطع بعض الجهات السياسية التخلص منها، والتي ظلت كصفة ملازمة لهذه الجهات.
فمن المعروف أن الكثير من الأخطاء الجسيمة قد أرتُكبت بعد عملية التغيير، سواء كان ذلك عن قصد بسبب طغيان الفساد والمحاصصة، وما قد يترتب على ذلك من غياب المحاسبة، وسوء الإدارة، أو نتيجةً لعدم الكفاءة، وقلة الخبرة من قبل الجهات التي تولت زمام الأمور في إدارة مؤسسات الدولة.
إن هذا الأمر بكل ما يعنيه من أحباطات يُحتم علينا البحث عن أساليب جديدة تخرجنا من هذه القوقعة، الأقتصادية، والتنموية، والسياسية، ومنها الإفادة من تجارب الآخرين، ولا سيما البلدان التي مرّت بظروف مماثلة كتلك التي مّر بها العراق، والتي اعتمدت الأساليب الحديثة والمبتكرة للوصول إلى نهضة تنموية شاملة، ومنها أعتماد التخطيط العلمي كمنهج ووسيلة للوصول إلى غاية التغيير المنشود، عن طريق تعبئة وتوجيه الموارد والطاقات البشرية المتاحة لتحقيق أهداف تنموية، واقتصادية، واجتماعية، واستخدامها بكفاءة عالية، لتلبية احتياجات المجتمع المتزايدة.
اضف تعليق