عدم الثبات على رؤية موحدة في مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية يجعلنا امام شيوع ظاهرة عدم الاستقرار السياسي قبيل كل انتخابات وما بعدها، ومما يستوجب الثبات في رؤية موحدة تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الناخب العراقي ورغباته وقانون انتخابي يحقق تساوي الفرص، والمحافظة على الاصوات وعدم تحولها بصيغ متعددة بحسب...
السياسة البراغماتية تدعي انها تعمل من خلال النظر الى نتائج العملية المثمرة وعدم التمسك بفكرة مسبقة او ايديولوجية سياسية ثابتة، حيث تركز على العملية المنشودة لذلك تسمى ايضا (الذرائعية)، فهي اذن سياسة مصلحية ليس فيها مبدأ ثابت، بل المصلحة هي المعيار.
السؤال المركزي هنا، ماذا نعني بالسياسة البراغماتية الانتخابية؟ يعني ذلك ان مدخلات العملية الانتخابية غير ثابتة (حساب الاصوات، طبيعة الدوائر، قانون الانتخابات، وقت الانتخابات وغيرها) وبالتالي تنتج عنها مخرجات انتخابية غير ثابتة.
التساؤل الابرز هل هناك ضير من استعمال السياسية البراغماتية الانتخابية في العراق منذ عام 2003؟، الجواب لا ضير اذا كان ذلك في مصلحة العملية الانتخابية بشكل عام وليس لمصلحة حزب معين دون الاحزاب الاخرى؟.
الاحزاب السياسية بشكل عام تحاول ان توظف كل شيء من اجل الفوز، لذلك فهي تمارس سياسة براغماتية مصلحية في تعاملها مع الاحداث التي تسبق الانتخابات وتتعامل ايضا بنفس السياسة مع مخرجاتها.
وقدر تعلق الامر بالسياسة البراغماتية الانتخابية ما قبل الانتخابات فهي تتمثل بما يلي:
1- على مستوى الدوائر الانتخابية، الحزب السياسي الذي يتوقع فوزه ضمن الدوائر الكبيرة يعمل على تقليل عدد الدوائر، والحزب الذي يتوقع فوزه ضمن الدوائر المناطقية يعمل عليها.
2- على مستوى القوائم، الاحزاب التي تمتلك مرشحين يحظون بمقبولية عالية يذهبون باعتماد القوائم المفتوحة، والاحزاب التي تمتلك زعامات كاريزمية دون مرشحين يحظون بمقبولية اجتماعية مؤكدة يرغبون باعتماد القوائم المغلقة.
3- على مستوى حساب الاصوات، الأحزاب السياسية التي لا تمتلك سيطرة على ناخبيها وتتخوف من تذبذب المواقف، تذهب الى استعمال قوانين تجري تعديل على عدد الاصوات (سانت ليغو مثالا)، والاحزاب التي تملك سيطرة على ناخبيها ولديها جمهور ثابت تدعو الى احتساب الاصوات الصحيحة (اعلى الاصوات) دون الحاجة الى معادلات رياضية قد تغير النتائج لصالح الكتل الكبيرة.
4- على مستوى التوقيت، الاحزاب السياسية التي تتوقع فوزها في ظل ظروف سياسية معينة تعمل على التمسك بوقت الانتخابات المعلن دون تأجيل، وترفض التأجيل مهما كانت الظروف، اما اذا كانت تتوقع ان الظروف غير ملائمة فتقدم الف مبرر للتأجيل.
وقدر تعلق الامر بالسياسة البراغماتية الانتخابية ما بعد الانتخابات واعلان النتائج فهي تتمثل بما يلي:
1- على مستوى مصداقية النتائج، الاحزاب الفائزة تؤكد على نزاهة الانتخابات وتؤكد على مهنية المفوضية، والاحزاب الخاسرة تؤكد على تزوير الانتخابات وتؤكد على عدم مهنية القائمين عليها.
2- على مستوى التعامل مع النتائج، الاحزاب الفائزة ترفض فكرة الانتخابات المبكرة وتحاول ان تبقى في مجلس النواب لغاية انتهاء الدورة البرلمانية، وفي حين ان الاحزاب الخاسرة نجدها تبدأ تطالب بالانتخابات المبكرة منذ اليوم الاول لإعلان النتائج.
3- على مستوى تشكل الائتلافات، الاحزاب التي تمتلك الاغلبية وقادرة عليها تطالب بضرورة اعتماد الاغلبية السياسية واحياء المعارضة السياسية، والاحزاب السياسية التي لا تمتلك الاغلبية تطالب بضرورة العمل بالتوافقية وارضاء الجميع بالتساوي والحيلولة دون تشكل معارضة سياسية.
4- على مستوى المشاركة السياسية، الاحزاب السياسية التي تضمن مشاركة جمهورها الحزبي في الانتخابات لا تهتم الى مستوى المشاركة حتى وان حدث عزوف انتخابي، وتقبل بنتائج الانتخابات حتى وان اشترك بها 5% من الناخبين وتعدها شرعية كون ان الدستور والقانون لم يحددا نسبة معينة للمشاركة الانتخابية، والاحزاب السياسية التي عزف مؤيدوها عن المشاركة فهي ترفض التعامل مع نتائج الانتخابات حتى وان اشترك بها 50% من الناخبين، كونها تعتقد ان النصف الاخر ممن لم يشترك هو جمهورها وهو بذلك اعطى موقف سياسي بعدم المشاركة.
عدم الثبات على رؤية موحدة في مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية يجعلنا امام شيوع ظاهرة عدم الاستقرار السياسي قبيل كل انتخابات وما بعدها، ومما يستوجب الثبات في رؤية موحدة تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الناخب العراقي ورغباته وقانون انتخابي يحقق تساوي الفرص، والمحافظة على الاصوات وعدم تحولها بصيغ متعددة بحسب الرغبة، ودراسة كبر وصغر الدوائر المطلوبة بعد التعرف على ايجابيات وسلبيات كل منهما.
في كل دول العالم تساهم الانتخابات ونتائجها في تعزيز الاستقرار السياسي، ولكن في العراق تساهم الانتخابات في تحقيق العكس وذلك بعدم الاستقرار والفوضى، ولذلك فعلى الجميع ان يبحث في الاسباب ويعطي حلول حقيقية تساهم في معالجة هذه المشكلة التي تساهم في اعاقة مسار العملية السياسية في العراق، صحيح ان التحليل العلمي المنطقي قد يتقبله البعض عندما يصب في مصالحه الشخصية والحزبية ويرفضه الاخر اذا ما حقق العكس، ولكن تبقى الامانة العلمية تحتم على الباحث الاكاديمي ان يعطي الحقائق كما هي دون مجاملة، لان تحقيق الاستقرار اعتقد هدف وطموح الجميع وثماره الايجابية سوف يقطفها الجميع وانعكاسات الاستقرار سوف تساهم في رسم مستقبل امن للبلد للسنوات القادمة.
اضف تعليق