كلاعبي كرة القدم، صرنا نراوغ صور المرشحين التي تحاصرنا من الجهات الأربع، حتى لا تكاد ترى شيئا غيرها، فما أن تنتهي من التطلع الى صورة هذا المرشح حتى تصطدم بصورة مرشحة على مقربة منه بمسافة لا تتجاوز أمتارا معدودة، ازدحمت الشوارع والأزقة والقرى والأرياف بلافتات أخذت ألوانا مختلفة بعضها ينطوي على دلالات...
كلاعبي كرة القدم، صرنا نراوغ صور المرشحين التي تحاصرنا من الجهات الأربع، حتى لا تكاد ترى شيئا غيرها، فما أن تنتهي من التطلع الى صورة هذا المرشح حتى تصطدم بصورة مرشحة على مقربة منه بمسافة لا تتجاوز أمتارا معدودة، ازدحمت الشوارع والأزقة والقرى والأرياف بلافتات أخذت ألوانا مختلفة بعضها ينطوي على دلالات، بينما جاءت الأخرى عشوائية بلا قصد سوى الاعجاب ببريق اللون، جميع شخوصها ينظرون لك بعين الود والمحبة في محاولة لاستمالتك بالتصويت لهم، ولا تدري أيهم تختار ؟، فلم نعد نميز بينهم، ليس أمامنا سوى صور ملونة وشعارات عامة وانتماءات محددة وأشكال جميلة وعيون واسعة وبدلات فاخرة، لا توجد عبارة ولو واحدة تدل على برنامجهم الانتخابي، او اشارة الى قضية من التي تشغل الناس، او تأكيد على عقدة يسعون الى حلها في عملية سياسية ملأى بالعقد مضى عليها ما يقرب العقدين .
في كل انتخابات برلمانية او للمجالس المحلية أرصد بحكم الاختصاص الترويج الدعائي عبر اللافتات المكتوبة، وهي أكثر الأنشطة الدعائية الى جانب اللقاءات الجماعية التي تبدأ بالإغراءات المادية وتنتهي بالولائم الدسمة ذات السعرات الحرارية العالية، حاولت في رصدي هذه المرة البحث عن اسم لمرشح دون أن يقترن اسمه بالعشيرة فلم أجد في جميع المناطق التي أتحرك فيها، بينما وجدت من سبق اسمه ( الشيخ ) او ( الشيخ الاستاذ ) او ( الشيخ المهندس )، ما يعني ان الجميع يتعكز على العشيرة ويحاول استمالة الناس عبر الدم الواحد النقي، طبعا ليس بالضرورة الجميع مؤمن بالانتماء العشائري، لكنهم اتخذوه سبيلا للفوز، وأكيد عُقدت في مضيف العشيرة لقاءات، وأطلقت تعهدات، وأعلن المرشحون لشيوخها عن ولاء مطلق، والتقطت صور خلفيتها راية العشيرة .
ان المشكلة في التعكز على اللقب العشائري تكمن في ترسيخها للانتماء القبلي بدلا من تفتيته، ذلك ان المجتمعات المتخلفة تنمو فيها الانتماءات القبلية على حساب الانتماء الوطني، في حين يقتضي نهوض الأمم تجاوز انتماءاتها الضيقة، وتعالي الانتماء القبلي يعني تراجعنا الى مرحلة ما قبل الدولة، بينما تعمل مشاريع الأمم المتقدمة على القفز الى ما بعد الدولة في اطار ما أسميته ( بالمواطنة العالمية ) التي يحاولون صبغ طابعها بثقافتهم وتعميمها على مجتمعات المعمورة .
فكيف يسعى ابن الشيخ أبو حميد لبناء دولة مدنية يُراد لها اللحاق بالأمم الأخرى بينما يؤمن بالقبيلة او يوظفها لخدمة مصلحة شخصية تتمثل بفوزه في انتخابات بلدية، مع ان القبيلة في حقيقتها وهم له كيان اجتماعي، ولا تؤمن به سوى الأمم التي مازالت تراوح في مكانها، فلا دم نقي على الاطلاق، فقد اختلط الدماء ليس داخل المجتمع المحلي فحسب، بل وامتدت الى البلدان القريبة والبعيدة . ومع ان محاولات جادة وحثيثة جرت في العراق لتذويب الانتماء القبلي في اطار الانتماء الوطني، لكن ضعف الدولة واحتياجها لهذا الانتماء بوصفه وسيلة لمواجهة المؤامرات والصمود في الحروب وحلحلة الأزمات أفشل تلك المحاولات، وعاد بنا الى الخلف قرونا .
في الانتخابات الماضية قبع التجار والمقاولون وأصحاب رؤوس الأموال في مناطق الظل مع انهم دعموا هذا المرشح او ذاك الحزب، لكنهم في هذه المرة لم يعد الظهور العلني يخيفهم، او يجلب لهم ما يخشونه، فاصطفت صورهم الى جانب المرشحين المدعومين منهم، كما لم يزعج هذا الاصطفاف زعماء الأحزاب الذين اشترك معهم الأثرياء في دعم المرشحين، فمن أجل المليارات يهون كل شيء، قيل لي ان أحد الأثرياء خصص ثمانية مليارات دينار لدعم مرشحيه المستقلين والحزبيين، والسؤال ماذا يبغي أصحاب رؤوس الأموال من وصول مرشحيهم الى مجالس المحافظات ؟، والجواب حاضر في أذهانكم كما أظن . أرى ان على رعاة العملية السياسية وحماتها أن يفكروا بعمق في مسألة استثمار الأثرياء بالعملية السياسية، فلا أظن من كان المال شاغله يحلم بوطن نتباهى به بين الأوطان.
اضف تعليق