السيناريوهات المطروحة تستثني وجود دور لفصائل المقاومة في تسنم زمام إدارة القطاع من جهة وتستثني احتمالية فشل العسكريين الإسرائيليين في تحقيق نصرهم التام على قوات الفصائل الفلسطينية المدافعة عن القطاع بشجاعة وعزم من جهة أخرى. من المعلوم أن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة لم تتسرب إلى القطاع من...
كيف تقيم مواقف أطراف المقاومة تجاه الحرب في غزة؟ واي مستقبل سيكون لأطراف المقاومة في المنطقة؟
أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين ليست بطرا أو تنمرا أو استفزازا، إنما هي صرخة ألم ومعاناة طويلة وحرمان مستمر بوجه جبروت متسلط لا يعرف الرحمة ولا يفهم الإنسانية والأخلاق. هي ردة فعل مريرة لظلم وقهر وحصار واعتداءات وتجني واغتصاب حقوق قام بها كيان غاشم إزاء شعب محروم من أبسط الحقوق والمستحقات واللوازم الإنسانية في العيش والبقاء.
هذه الأحداث وما تلاها من ردود أفعال عسكرية إسرائيلية لا تتناسب مع حجم الفعل بل فاقته بعشرات المرات في شراستها وهمجيتها وبشاعتها، بل فاقت ما سجله التاريخ الحديث من وحشية وعدوان، كما كشفت المعدن الحقيقي لإسرائيل ومن والاها وناصرها ودعمها ظالمة وليس مظلومة.
سقطت شعارات وخطابات الإنسانية وحقوق الإنسان والحرص على الجنس البشري وحقه في العيش وفي تقرير المصير التي رفعها العالم المتحضر وصدع رؤوسنا بها، سقطت تحت اقدامه وتبينت ازدواجية المعايير والسلوك والتصرفات. التاريخ لن يرحم والمواقف لن تنسى والحقائق لن تختفي، فعلى من ينتظر الرحمة والانصاف والعطف ممن يتشدق بالألفاظ ولا يكترث بالأفعال أن يتوعى ويهتدي!
هناك من انتقد فعل الحركة الإسلامية الفلسطينية "حماس" في قطاع غزة ووصفها بأنها فعل انتحاري سوف تتمخض عنه مضاعفات ومعضلات، فقد دمر الإسرائيليون من جراء هذا الفعل البنية التحتية الأساسية في قطاع غزة ومستمرون في تدميرها كعقاب جماعي حاقد للفلسطينيين، ودمروا بيوتهم وأملاكهم، وربما سيقضون على مواقع فصائل المقاومة وبنيتها التحتية وموجوداتها في القطاع، وفوق هذا وذاك فقد ازهقت أرواح آلاف الفلسطينيين وبينهم عدد كبير من الأطفال وشرد وهجر قسما آخرا منهم.
بينما يرى آخرون أن فعل المقاومة لا مناص منه لأنه نتيجة حتمية لبطش واعتداء وظلم لا يمكن السكوت عنه أو الاستسلام له، فربما يستيقظ العالم، على شعب محروم من حقوق البشرية، جراء هذه الأحداث التي قد تحرك ساكنا في عالم عاجز عن نصرة المظلوم.
مهما تباينت الآراء ومهما اختلفت الرؤى فهناك حقيقة لابد أن يتفق الجميع حولها وهي أن لابد للعنف الإسرائيلي، الذي ظهر بأبشع صوره اللاانسانية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، أن يتوقف ويتقهقر وينتهي. كما يجب أن تحاسب إسرائيل عالمياً أسوة بغيرها من الدول على كل جريمة حرب اقترفتها بحق الأبرياء كي لا تبقى دولة مارقة خارجة عن قوانين المعمورة وسننها.
أما بقاء الدعم الغربي لإسرائيل ومهما اجتازت من خطوط حمر ومهما تجاوزت واخترقت القيم والشعارات المرفوعة عندها، فسيكون هذا وصمة عار دائمة لا يمحوها التاريخ والزمن! رغم إستمرار المعارك بين القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية في غزة، فقد تناثرت التحليلات والآراء الغربية حول مستقبل المقاومة في غزة ومصيرها وحول مستقبل هذا القطاع المنكوب ومستقبل أهله المستضعفين وساكنيه.
نوجز أهم السيناريوهات المطروحة من قبل المحللين الأجانب بهذا الصدد وندقق في إمكانية تنفيذها وتبنيها:
أولا/ الإحتلال الإسرائيلي العسكري المباشر للقطاع: إن استطاعت إسرائيل تحييد المقاومة وسيطرت على قطاع غزة عسكريا بالكامل واحتلت جميع مرافق الحياة فيه وانهت مظاهر المقاومة بكل أشكالها، فإنها قد تبقي على هذا الاحتلال العسكري كما كانت من قبل والى أجل مسمى أو غير مسمى. غير أن هذا السيناريو مليء بالمخاطر والمؤاخذات مما يجعل الإسرائيليين وحلفاءهم يحسبون له الف حساب. الرجوع لاحتلال قطعة أرض مزدحمة بالسكان وتحمل مسؤوليتهم وتأمين مصادر عيشهم وتأمين الهدوء والاستقرار والأمن بين أبناء شعب ذاق الأمرين من ارهاصات وعذابات هذا المحتل الذي لا يرحم، يتطلب إمكانيات مادية وبشرية هائلة قد لا تتحمل كلفتها إسرائيل لفترة طويلة، وستكون مهمة صعبة عمليا وشاقة للإسرائيليين.
هذا من جانب ومن جانب آخر، فبعد الخراب الذي خلقته القوات الإسرائيلية في غزة عليها إعادة إعمار هذا القطاع وإعادة بناء ما خربته فهي مسؤولة أمام القانون الدولي عن رعاية مواطني الأرض التي تحتلها، وإلا فستكون دائما تحت عيون ومراقبة المنظمات الإنسانية الدولية وانتقادات الدول التي لا زال فيها نبض الأخلاق والإنسانية.
كما أن هذا السيناريو سوف لن يحظى بتأييد الدول الحليفة لإسرائيل وامريكا من ضمنها، لا حرصا على الفلسطينيين أنفسهم وانما لصعوبة المهمة وتعقيداتها وحرصا على إسرائيل نفسها وتورطها في مستنقع قد لا تستطيع الخلاص منه.
السيناريو الثاني/ عودة إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية: يبدو أن الإدارة الأمريكية قد ناقشت هذا المقترح عن طريق وزير خارجيتها " انتوني بلينكن" مع رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس".
حتى وان حصل الإتفاق على تولي الرئيس الفلسطيني الشؤون الإدارية في قطاع غزة بموافقة جميع الأطراف المهتمة، فسيكون هذا المقترح عقيما أن لم يحمل وضعا إداريا جديدا وأسس حقيقية واعدة لدولة فلسطينية واقعية وليس وعود وهمية زائفة يمحوها الزمن وتسحقها الظروف والمستجدات. دون هذا فستبقى الأمور غير مستقرة في هذا القطاع وسيعود الصراع الفلسطيني الفلسطيني الداخلي للواجهة عاجلاً أو آجلا وما بدلوا تبديلا. دون شك سيحاول الأمريكيون ذر الرماد في العيون من خلال إعادة الوعود ونثر الاحلام الوردية على الفلسطينيين لأنهم يرون بأن هذا السيناريو هو الأصح والاصلح لهم وللإسرائيليين، حيث سيخلصهم من عبء ثقيل على الكاهل لا يستطيعون تحمله وحدهم!
السيناريو الثالث/ قطاع تحت الوصاية: هناك من يرى أن يتولى زمام الأمور في هذا القطاع سلطة مدنية فلسطينية محايدة ولكنها تحت حماية عسكرية إسرائيلية أو عربية أو دولية كقوات حفظ سلام متعددة الجنسيات أو قوات مشتركة. تطبيق هذا السيناريو لن يكون اسهل من سابقاته، حيث ستجابهه الكثير من العقبات والمعضلات التقنية واللوجستية والمالية والإدارية والرغبات المتباينة والارادات المتضاربة وغيرها.
جميع هذه السيناريوهات المطروحة تستثني وجود دور لفصائل المقاومة في تسنم زمام إدارة القطاع من جهة وتستثني احتمالية فشل العسكريين الإسرائيليين في تحقيق نصرهم التام على قوات الفصائل الفلسطينية المدافعة عن القطاع بشجاعة وعزم من جهة أخرى. من المعلوم أن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة لم تتسرب إلى القطاع من البحر فهي موجودة في كيان هذا القطاع وفي كيان مكوناته، فحتى لو غابت التسميات والمظاهر عن العلن فسيبقى جوهر القضية في احساس وإدراك ووجدان كل فلسطيني انجبته تربة هذا القطاع مهما تغيرت الاسماء والمسميات وتبدلت المواقع والإرادات، فهل فكر المحللون والسياسيون بقلب القضية وحقيقة المعضلة وجوهرها وحيثياتها ام أنهم في فلك الوهم يسبحون... !؟.
اضف تعليق