أن الأكثر إثارةً في الذكاء الاصطناعي هو قدرته على فهم الحياة بمستواها الأكثر حميميَّة والقدرة على العبث بها، كذلك إمكانية على تكوين علاقات وديَّة مع الناس، واستخدامها لتغيير ارادتنا ووجهات نظرنا، على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه أي وعي أو مشاعر خاصة به، فإنه يكفي لتعزيز العلاقة الودية المزيفة مع البشر...

أثار المقال المهم والمتقن، الذي نشره الدكتور عادل كنيش مطلوب بعنوان «القدرات المستقبليَّة الخارقة للذكاء الاصطناعي « ـ مجلة : الثقافة الجديدة / ع439 / أيلول 2023 ـ الكثير من التساؤلات. ففضلا عن أن موضوع (الذكاء الاصطناعي) بات موضوعا يثير جدلا في الأوساط المعرفيَّة والعلميَّة والشعبيَّة، على حد سواء وعلى نحو لافت للانتباه، من دون معرفة بتفاصيله والذي أخذ مداه الأوسع من التفكير العلمي والمعرفي الدؤوب، باتت تجد فيه الأوساط الشعبية نوعا من استئثار هذا الاختراع الجديد، وعلى إمكانات ومقدرات البشر، بما يشبه الثورة الصناعية في القرن الماضي، وهيمنة الأتمتة الآلية في استغنائها صناعيًا عن عددٍ كبيرٍ من العمال.

إلا أن الأكثر إثارةً في (الذكاء الاصطناعي) هو قدرته على «فهم الحياة بمستواها الأكثر حميميَّة والقدرة على العبث بها، كذلك إمكانية على تكوين علاقات وديَّة مع الناس، واستخدامها لتغيير ارادتنا ووجهات نظرنا، على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه أي وعي أو مشاعر خاصة به، فإنه يكفي لتعزيز العلاقة الودية المزيفة مع البشر».

إزاء ذلك نتبيّن أن هذا (الذكاء الاصطناعي)، تعامل بوجهين: أحدهما لصالح البشرية واستثمارها في بناء حياة جديدة ورغيدة العيش، إلى جانب قدرته على تدمير الحياة البشرية، وذلك على وفق ما يتم تخزينه.

كما نجد أن العواطف التي يتعامل على وفقها، تعدُّ عواطفَ جميلةً ودبلوماسيَّة ومريحة للآخرين، إلا أنها تخلو من المشاعر النقية، والتعامل الإنساني الحميمي السليم.. فهل نستجيب نحن البشر لهكذا تعامل كما هو قائم في الكثير من العلاقات البشريَّة المنافقة والمزيفة والكاذبة، أم نستقبل هذه الحفاوة الآلية بمسرّات تريح نفوسنا وتبعث المشاعر في آفاقنا؟

من جانب آخر، نرى أن (الذكاء الاصطناعي) يبحث ويؤكد أن السببيَّة في التعامل مع الأشياء ومع البشر كذلك.

يقول كوكو أوغلو من جامعة بوردو ـ في المقال الوارد نفسه:

«أي شيء يتجاوز التوقعات؛ يتطلب نوعًا من الفهم السببي، فإذا كنت ترغب في التخطيط لشيء ما، وإذا كنت تريد العثور على أفضل سياسة؛ فأنت بك حاجة إلى نوعٍ من التفكير السببي»، و(الأسباب) هنا تؤشر أمامنا إلى جملة من الأسئلة في ما يتعلق بأوضاعنا الراهنة، ذلك أن حياتنا باتت عرضة للتجارب.. وهو أمرٌ يلحق بالبلاد الكثير من الخيبات والفشل المتراكم، وبالتالي ثقل معالجة هذه الإخفاقات مجتمعة، وفي (سلة واحدة) ومن قبل الأشخاص أنفسهم.

فاختيار شخصيَّة سياسيَّةـ أيا كان انتماءها ـ لموقع لا خبرة له فيها؛ سيكون بالتأكيد أحد أهم أسباب الفشل في أداء هذه المهمة.. فلا يكفي أن يكون هناك عنصرٌ مخلصٌ لمبادئه، في وقت يجهل تنفيذ المهمة المناطة به.. انه سيكون أداة من أدوات الفشل، التي تلحق الضرر لا بالبلاد وحدها؛ وإنما بالجهة السياسيَّة التي تمثلها هذه الشخصية.. كذلك لا يمكن الموافقة على أي مشروع من المشروعات، أو أي عملٍ من الأعمال، التي يراد إنجازها؛ ما لم تكن هناك أسبابٌ حقيقيَّةٌ فاعلة، تتجاوز الفشل الذي يمكن أن يلحق بها، وذلك نتيجة لمعطيات أو اجتهادات أو أمزجة غير مدروسة من قبل متخصصين.. الأمور لا تقاس بالنوايا الحسنة وحدها، ولا بالمشاعر الطيبة التي نحملها؛ وإنما بمدى صلاحية وأهمية وجدوى ما نفكر في إنجازه على صعيد البناء الإنساني والعمراني معا.

ولو تيسر لذوي الخبرة أن يعملوا بخبراتهم كافة، وبعقلية العالم والمفكر والخبير والوطني الحميمي كذلك؛ لكنّا قد قطعنا أشواطًا من النجاحات المثمرة، بدلا من الإخفاقات والأزمات والاشكالات، التي تمنو يوميا وتتفاقم بشكل مستمر، بحيث لا نجد سبيلًا لمعالجتها معالجةً ستراتيجيَّةً خلّاقة، ولسيت تكتيكيَّة مؤقتة.. لتبقى المشكلات معلقة ومتفاقمة لا نجد حلولًا لها.. فهل نترقب من (الذكاء الاصطناعي) أن يحلّها نيابة عنا؟

.....................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق