تصاعدت وتيرة الخلافات داخل دول الاتحاد الاوربي، في أعقاب مطالبة المانيا ودول اخرى بعقد قمة اوربية لمعالجة ازمة اللاجئين، والتي اعتبرتها المانيا بأنها واقع يجب مواجهته.
وحثت المستشارة الألمانية ميركل على تحسين التعاون مع روسيا في مجال مكافحة أسباب اللجوء بالنسبة للأشخاص القادمين من مناطق الأزمات. من ناحيته أبدى زيغمار غابريل وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشارة ميركل إصراره على التوصل إلى حل أوروبي سريع لأزمة اللاجئين. وقال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، يوم 12 أوغست في مدينة هيلدزهايم "الأهم هو مساعدة المناطق المجاورة لمناطق الأزمات والحديث مع تركيا حول كيفية إبطاء التدفق." وتابع غابريل: إنهاء الحرب في سوريا ممكن فقط في حال شاركت روسيا في ذلك. ومن جانب اخر أعلنت لوكسمبورغ التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي أن وزراء داخلية الاتحاد سيعقدون اجتماعا طارئا في 14 سبتمبر 2015 في بروكسل بهدف تقييم الوضع على الأرض والتحركات السياسية الجارية ولبحث الخطوات المقبلة لتعزيز الرد الأوروبي.
المطالبة بعقد قمة اوربية طارئة
وفي هذا السياق طالب وزير الخارجية الألماني شتاينماير بعقد قمة أوروبية عاجلة للتشاور بشأن أزمة اللاجئين. وفي أعقاب محادثات مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي في الخامس من سبتمبر 2015 في لوكسمبورغ وقال "وفقا لقناعتي فنحن بحاجة إلى عقد قمة للمجلس الأوروبي، ووفقا لقناعتي فإن عقد هذه القمة في النصف الثاني من تشرين الأول/أكتوبر المقبل سيكون متأخرا للغاية".
يذكر اخر قمة طارئة للاتحاد الاوروبي كانت في بروكسل في 7 يوليو 2015 خصصت الى الازمة اليونانية. شهد الاتحاد الاوربي توسعا نحو دول شرق اوربا من العام 2004، حيث انضمت عشر دول جديدة هي أستونيا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا ولاتفيا وليتونيا والمجر، كما انضمت كل من قبرص ومالطا. وفي 2007 انضمت رومانيا وبلغاريا وانضمت كرواتيا للاتحاد في أول يوليو 2013، لتصبح الدولة الثامنة والعشرين.
ويأتي تضارب التصريحات وسط تباين المواقف دول اوربا حول ازمة اللاجئين والتي انقسمت بين شطري اوربا الشرقي والغربي لتعيد مرحلة الحرب الباردة. وتأتي تصريحات رئيس الوزراء السلوفاكي "روبرت فيكو" معارضة الى مواقف المانيا حيث دعا إلى الحفاظ على نظام شنغن، مبديا أسفه لكونه على وشك السماح بدخول مائة ألف شخص من دون أي مراقبة، ناقلا عن أجهزة استخبارات بلاده أن بعض هؤلاء قد يكونون مرتبطين بمنظمات إرهابية.
الدور الالماني داخل دول الاتحاد
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للصحافة يوم 7 سبتمبر/ أيلول 2015 "إن ما نعيشه اي ـ تدفق ألمهاجرين ـ هو أمر سيشغلنا في السنوات القادمة وسيغير بلادنا، ونريد أن يكون هذا التغيير ايجابيا ونعتقد أن بوسعنا تحقيق ذلك" وصرحت ميركل لشبكة " Z D F زد دي إف" العامة يوم 16 أوغست 2015 أن "معرفة كيفية تعاملنا مع المهاجرين ستشغلنا كثيرا، أكثر بكثير من اليونان أو استقرار اليورو". الموقف الالماني الثابت جاء قائما على اساس اقتصادي وسياسي متين، تعتبرألمانيا البالغ عدد نفوسها تقريبا (83,251,851 نسمة) وفق اخر الاحصائيات، عملاقًا اقتصاديًا بين دول الاتحاد الأوروبي، ولها تأثير مباشر على سياسات بعض دول الاتحاد الاوربي، وظهر ذلك واضحا في أزمة اليونان الاقتصادية. تلعب ألمانيا دورًا بارزًا فيما وصلت إليه اليونان والتي بلغ إجمالي ديونها اكثر من (319 مليار يورو)، مقسمة بين صندوق الإنقاذ الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي. واستطاعت ألمانيا من تحقيق فائضا في ميزانيتها بقيمة (21.1 مليار يورو) بواقع (24.3 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي 2015. وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي فى مقره بمدينة "فيسبادن" الألمانية في اعقاب ذلك، استنادا إلى نتائج أولية، أن موازنات الحكومة الاتحادية والولايات والمحليات والتأمين الاجتماعي أنهت النصف الأول من العام الجاري 2015 بفائض بلغت نسبته 1.4% من الناتج المحلى الإجمالي. وأكد المكتب أنه بفضل ازدهار التجارة الخارجية، واصل الاقتصاد الألماني نموه في الربيع الماضي، حيث ارتفع الناتج المحلى الإجمالي فى الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 0.4% مقارنة بالربع الأول من 2015 والذي كانت نسبة الزيادة فيه 0.3% مقارنة بالربع الأخير من عام 2014.
أما فرنسا البالغ عدد نفوسها (59,765,983 نسمة) وفق اخر الاحصائيات، فقد شهد نمو اقتصادها توقفا عن النمو خلال الربع الثاني من العام الجاري وسجلت القراءة الأولية 0.0 بالمئة مقابل القراءة السابقة التي أظهرت 0.7 بالمئة عوض 0.6 بالمئة. القراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي الإيطالي عرفت تراجعا إلى 0.2 بالمئة مقابل 0.3 بالمئة التي سجلت من قبل. أما الناتج المحلي الإسباني فقد سجل ارتفاعا بنسبة 1% خلال شهر يونيو الماضي من هذا العام 2015، فيما يتواصل مسلسل الانكماش الاقتصادي في فنلندا لربع السنة الثاني على التوالي بنسبة ناقص 0.4 بالمئة مقابل هبوط بنسبة ناقص 0.1 بالمئة.
خطة المفوضية لتوزيع اللاجئين
يكمن الجدل بين دول الاتحاد الاوربي حول توزيع اللاجئين على الدول الاعضاء وفقا لإمكانياتها الاقتصادية ونسبة السكان. التقارير الصحفية من داخل المفوضية الاوربية كشفت بأن رئيس المفوضية الأوروبية يان "كلود يونكر" حدد لألمانيا استقبال حصة من اللاجئين تبلغ(31443) شخصا في خطته بشأن توزيع اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، وهي ضمن جهود المفوضية بتوزيع مايقارب (160) الف لاجئ. وأوضحت صحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية أن فرنسا وإسبانيا تأتيان في المرتبة الثانية والثالثة بعد ألمانيا، حيث خطط "يونكر" أن تستقبل فرنسا (24031) لاجئا وتستقبل إسبانيا (14921) لاجئا. ووفقا لهذه الخطة سيتعين على الدول الاربع في هذه المجموعة استقبال الاف اللاجئين لكن بنسبة اقل من المانيا التي ستستقبل 26% وفرنسا 20% واسبانيا 12%..
وقالت صحيفة صانداي البريطانية، إن لندن تعتزم استقبال (15) ألف لاجئ سوري، وتوسيع برنامج إيواء الأشخاص الضعفاء وشن عمليات عسكرية على مهربي المهاجرين. لتغير بذلك سياستها تجاه أبرز أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما اختارت لندن سابقا عدم المشاركة في نظام حصص للتكفل بطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي رغم ضغط الاتحاد بهذا الاتجاه. وكانت بريطانيا قبلت على أراضيها (216) لاجئا سوريا منذ عام، كما حصل نحو 5000 سوري على حق اللجوء في بريطانيا منذ 4 سنوات من عمر الأزمة في سوريا وهو رقم يقل كثيرا عن عدد من استقبلتهم دول أوروبية أخرى.
النتائج
إن دول الاتحاد الاوربي اكتشفت سياساتها الناقصة تجاه الحرب في سوريا وكذلك في سياسات مواجهة داعش والارهاب في المنطقة، وهي الان تتحمل ربما جزء من تبعات هذه السياسات. تحاول دول اوربا ودول غربية اخرى الان البحث عن سياسات وحلول سريعة في المنطقة ابرزها موضوع الحرب في سوريا وتدفق اللاجئين الى اوربا، وهذا يعني ان المنطقة سوف تشهد حراكا سياسيا واسعا. إن طلب المانيا بتدخل الولايات المتحدة وروسيا مباشرة في حل الازمة في سوريا من شأنه ان يدفع أطراف اوربية وغربية لعقد مؤتمر دولي حول سوريا يقوم على اساس الحل السياسي. بات معروفا ان الاطراف الدولية اللاعبة في المنطقة دائما تشرعن قراراتها وسياساتها من خلال مجلس الامن وهذه الخطوة ممكن ان تكون لاحقة الى اي اجتماع دولي. تأتي هذه التطورات مع طروحات لمشروع تقسيم سوريا تحتل فيها حكومة بشار الاسد الجزء الساحلي والجماعات الاسلامية والاكراد في الشمال الشرقي وربما ينحصر داعش في المناطق الصحراوية المجاورة للعراق دير الزور والقائم.
إن القمة الاوربية القادمة ان كانت طارئة والتي باتت مستبعدة او قمة اعتيادية المقررة منتصف اكتوبر من هذا العام 2015، من المرجح ان تبحث القضايا التالية: توزيع اللاجئين على دول اوربا وفق مبدأ المحاصصة، بحث اتفاقية شنغن جديدة في حالة رفض دول شرق اوربا، اعادة تصنيف الدول الامنة ومناطق النزاع الخطرة من اجل البت في قضايا اللجوء العام، تسريع مراحل طلبات اللجوء والاندماج في المجتمع والعمل، ايجاد مراكز استقبال من هذا النوع أو "نقاط ساخنة" بالقرب من مناطق الحروب خارج أوروبا، ايجاد معايير لجوء واحدة في عموم اوربا. يبدو أن الانقسام الحالي بين شطري اوربا يعيد الحرب الباردة من جديد الى الواجهة.
اضف تعليق