أعلن البيت الأبيض يوم 21 أوغست 2015 أن الرجل الثاني في تنظيم "الدولة الإسلامية"، فاضل أحمد الحيالي، قُتل في غارة أمريكية شمالي العراق. وقال مسؤولون أمريكيون إن الحيالي قُتل في هجوم على سيارته في مدينة الموصل يوم الثلاثاء، وإن موته سيضر عمليات التنظيم. وكان الحيالي منسقا رئيسيا لعمليات نقل كميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات وأعداد كبيرة من المركبات والأشخاص بين العراق وسوريا، حسبما قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في بيان.
انزال جوي لقوات اميركية في الموصل
العملية هذه جاءت وسط تسريبات تنفيذ القوات الاميركية عملية إنزال جوي شمال الموصل، حيث أفادت مصادر عسكرية رفيعة في العراق يوم 20 اوغست 2015 بقيام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنزالين جويين في محافظة نينوى، في سابقة تعد الأولى من نوعها. وذكرت المصادر أن الإنزال الأول كان في منطقة ربيعة الحدودية مع سوريا شمال غربي نينوى، حيث تسيطر عشائر شمر وقوات البيشمركة الكردية على المنطقة.
تقديرات الخبراء المعنين في الدفاع، ذكروا في تحليلاتهم، ان مثل هذه العمليات، كانت ربما تحضيرا لعمليات واسعة لتحرير الموصل او تنفيذ مهام محددها والانسحاب، مؤكدين ان إنزال القوات من هذا النوع يحتاج الى حماية الخطوط الخلفية وامداد خطوط الاتصالات. لكن الشيء الملفت للنظر انه جاء في منطقة ربيعة وسنجار والتي تقع تحت سيطرة اقليم كوردستان العراق، اما لماذا ربيعة فهي مشهود لها بمقاتلة تنظيم داعش وهنالك تماسك في قوات العشائر العربية العراقية وهي تقع عند الحدود العراقية السورية شمالا. وفي ضوء هذه المعطيات فانه ليس من المستبعد ان تكون تسريبات الانزال الاميركي مرتبط بتنفيذ عملية قتل نائب ابو بكر البغدادي، والذي يعتبر الشخص الثاني في التنظيم.
تصفية قيادات داعش
يواجه تنظيم داعش حملات تصفية بعض عناصره وكذلك قياداته ربما من الخط الثاني او الثالث، ويشهد تراجعا على الارض. التنظيم يتبع سياسة جديدة ضد عناصره تقوم على اساس المراقبة والفحص للتأكد من ولائهم، وهذا كان وراء الصاق التهم بعدد من عناصر التنظيم في سوريا والعراق. حملات التصفية هذه من شأنها أن تصعد حالة القلق وعدم الثقة داخل الجماعة وهذا كان وراء تخلي اعداد من عناصره وربما بعض قياداته وهروبهم عبر تركيا. التنظيم يتبع سياسة امنية شديدة تقوم على المراقبة بوضع الحواجز والمفارز مابين المدن وعلى المعابر الحدودية مع تركيا.
لقد غيرت قوات التحالف الغربي من سياسة الضربات الجوية لتستهدف معقل التنظيم باستهداف مدينة الرقة السورية. وتقول شهادات ناشطي من داخل مدينة الرقة، بأن التنظيم سحب شرطة "الحسبة" من شوارع المدينة واستبدلها بكاميرات المراقبة، لتجنب الضربات الجوية وفي هذا السياق كشفت تقارير اعلامية وفقا الى مصادر وشهود عيان من داخل الموصل بان داعش نشر نحو 200 عنصر من المسلحين المراهقين الذين يطلق عليهم “أشبال الخلافة” عقب اغتيال عدد من عناصره وارتفاع وتيرة استهدافهم في مدينة الموصل. وهذه دلالات على ان التنظيم بدأ يخسر قياداته بالاضافة الى مسالة عدم الثقة بين قياداته الميدانية التي شهدت الكثير من المواجهات المسلحة بسبب النزاعات حول الغنائم والزعامة والنساء. عملية انزال اشبال التنظيم تأتي لسد خسارة قياداته الميدانية وعامل الثقة، التنظيم يعتقد بأن هذه المجموعات من الصبيان تمنحه ولاء وثقة اكثر من قياداته الميدانية.
هذه العمليات النخبوية تعيد الى الاذهان عمليات اصطياد قيادات القاعدة في وزيرستان وفي افغانستان وفي اليمن والعراق مابعد عام 2006 والتي انتهت بمقتل قيادات الخط الاول من التنظيم ابرزهم ابو مصعب الزرقاوي، وابو ايوب المصري وابو عمر البغدادي والعولقي في اليمن وابو يحيى الليبي وابو زبيدة في افغانستان. لكن التحدي الذي تواجهه وكالة الاستخبارات هو تمترس التنظيم وقياداته في المدن والمراكز المدنية وضعف مصادر المعلومات على الارض، وخسارة واشنطن ثقتها عند عملائها بسبب تغير مواقفها وتذبذبها في مواجهة داعش.
النتائج
إن مقتل فاضل الحيالي، المكنى ابو مسلم التركماني الذي كان له دور فاعل في تأسيس هذا التنظيم الى جانب "الحاج بكر" الذي قتل في دير الزور عام 2013، ويرجع لهما الفضل بإدارة وتوسع التنظيم والتخطيط الى العمليات العسكرية. ابو مسلم التركماني كان وراء كسب اعداد من المقاتلين التركمان الى التنظيم خاصة من منطقة تلعفر شمال العراق وفي حوض حمرين شمال شرق بغداد. وكان التركماني وراء تأييد وبيعة العديد من العشائر للتنظيم في الموصل وكذلك في ديالى. وبما ان هذا التنظيم يقوم اساسه على قيادات عسكرية، فانه يستثمرها بشبكة علاقات للتنظيم تمتد من سوريا والعراق وتركيا الى ليبيا، لإيجاد شبكة علاقات عمل واسعة ترسم خارطة جديدة للتنظيم.
بات واضحا ان التنظيم يواجه مشكلة تقلص المساحة التي يقف عليها كثيرا في العراق امام القوات العراقية وفي سوريا ايضا امام الكورد وربما بعض الفصائل السورية المعارضة. التنظيم يشهد الان بالفعل تراجعا وايام صعبة، فلا يستبعد ان يكون البغدادي الان هو الاخر مستهدفا، في اعقاب حصول الاستخبارات المركزية معلومات وتفاصيل في عملية مقتل ابوسياف واعتقال زوجته وحصول الاستخبارات على وثائق وشهادات من قبل يزيديات كان يعتقلهن التنظيم في سوريا والعراق. الاهم ان توضح واشنطن عزمها أكثر في مواجهة هذه الجماعات.
هذا النوع من العمليات تحتاج الى مصادر بشرية على الارض ربما أكثر من غيره من المصادر. التحقق من هكذا عمليات هي الاخرى ليست بالسهلة، كثيرا ما كذب التنظيم اعلان واشنطن بمقتل قياداتها في وقت سابق، لكن هذه العملية يبدو انها مرجحة ان تكون دقيقة، في ضوء تأكيدات البيت الابيض بالإضافة الى البنتاغون. التنظيم لم يصدر عنه تأكيد او نفي على اقل تقدير في الوقت الحالي.
لقد صعدت الولايات المتحدة الاميركية حملتها ضد قيادات تنظيم داعش خلال الاشهر الاخيرة منذ مطلع عام 2015. ويبدو إن استهداف رؤوس داعش في العراق والموصل، هي إستراتيجية اميركية جديدة قديمة استخدمتها ضد قيادات القاعدة في وزيرستان واليمن وشمال افريقيا، وهذا يعني ان مشهد العمليات ضد داعش يتجه نحو مزيد من عمليات نخبوية استخبارية تنفذها فرق "كوماندوز" مباشرة لتكون بديلا عن العمليات العسكرية الواسعة.
* باحث في قضايا الارهاب والإستخبار
اضف تعليق