منذ اندلاع مايسمى" بثورات الربيع العربي" عام 2011 والموقف التركي حول تنظيم" داعش" يثير الكثير من التساؤلات، على حساب عضويتها داخل حلف الناتو وعلى حساب علاقاتها مع دول المنطقة. وجاءت العملية الانتحارية في بلدة "السروج" يوم 23 يوليو 2015 عند الحدود التركية السورية ذات الغالبية الكوردية لتكشف عن بدء مرحلة جديدة في العلاقة الغامضة مابين حكومة اوردغان وتنظيم داعش. تركيا الان تخلط اوراق داعش والكورد، وهل من عمليات عسكرية للقوات التركية داخل الاراض السورية والعراقية؟
خارطة أكراد سوريا
يمثل الاكراد مابين 10ـ 15% من نسبة سكان سوريا ويبلغ تعدادهم اكثر من مليونين نسمة. يتركز غالبية الكرد في المنطقة شمال شرق سوريا في مدينة القامشلي والحسكة والمالكية والقحطانية وعامودا وكذلك في عين العرب وعفرين شمال سوريا عند الحدود التركية. وتعتبر مناطقهم من المناطق الغنية بالنفط وهذا ما كان وراء محاولات داعش مهاجمة مناطقهم ابرزها الحسكة والسويدية ورميلان، الممتدة مع الحدود العراقية. سبق ان اعلنت "وحدات حماية الشعب الكردي" في سوريا بتاريخ 30 يوليو 2013، النفير العام، لحماية المناطق التي تخضع لسيطرتها من هجمات مقاتلي داعش ولغرض مواجهة الجماعات المتطرفة الاخرى.
وقرر حزب العمال الكردستاني البدء في سحب مقاتليه من الأراضي التركية إلى شمال العراق، اقليم كردستان يوم 8 مايس 2013. وفي 21 مارس2013 أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من زنزانته، لسحب منظمته مقاتليها من الأراضي التركية بعد شنها حرب دامت أكثر من أربعة عقود. وابدت واشنطن بعد غزو العراق عام 2003، استياءها إزاء موقف أنقرة الرافض لفتح جبهة عسكرية ثانية عبر الأراضي التركية. وقد تم رأب ذلك الصدع بحلول عام 2007 مما مهد الطريق للولايات المتحدة خلالهما تشجيع أنقرة على بناء علاقة تركية جديدة مع حكومة إقليم كردستان. شهدت مناطق شمال شرق سوريا واحدة من اوسع المواجهات المسلحة منذ اندلاع الحرب عام 2011. كانت وماتزال الخارطة التي يتواجد عليها الكورد في سوريا، نصب أعين داعش وربما يعود ذلك الى الثروة النفطية، وما تمثله من معابر حدودية مع تركيا ونقاط امتداد مع الاراضي العراقية عند "ولاية الموصل" ومن هنا تكمن ديمومة المواجهة مابين اصحاب الارض الكورد والوافدين من تنظيم "الدولة".
وحدات حماية الشعب الكوردي (YPG)
وحدات حماية الشعب الكوردي، تعرف باختصار (YPG) وتعرف محليا باسم "اليبكه" وهي قوات شعبية كردية تختص بحماية مناطقها في سوريا وتعتبر تابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية. وهي إحدى عناصر القوى في سوريا والتي يقدر عددها ب (60) الف مسلح بعد قانون الخدمة الالزامية التي طرحتها الإدارة الذاتية. ووفقا لمعلومات موسوعية فهي تنظم نفسها على شكل قيادة عامة وثلاث قيادات فرعية: (الجزيرة، كوباني وعفرين). وتضم بداخلها قوات مدربة وجزء وبمنها قوات محترفة ذات تدريب عالي، وتمثل المرأة 40% من مكونات وحدات حماية الشعب الكوردي.
القوات الكوردية تطرد داعش من مناطقها
سيطر مقاتلون كورد يوم 16 يونيو 2015 بشكل كامل على مدينة "تل ابيض" السورية على الحدود مع تركيا، بعد طرد أخر مقاتلي تنظيم "الدولة" منها. والزحف باتجاه "عين عيسى" يجعل القوات الكوردية وفصائل مسلحة أصغر تقاتل إلى جانبها على بعد 50 كيلومترا فقط من الرقة التي تعتبر "عاصمة الدواعش والتي تدير منها "دولة خلافة" وتشمل مناطق واسعة بسوريا والعراق. إن الهدف من التقدم وفق تصريحات قيادات كوردية ميدانية هو السيطرة على الطريق السريع الذي يربط بين الشرق والغرب من خلال "عين عيسى" التي تربط مدينة حلب بمحافظة الحسكة في شمال شرق البلاد، اي ربط المناطق الكردية مع بعضها.
تمكن المقاتلون الكورد (YPG) يوم 22 يونيو 2015 مدعومين بالضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي، من طرد مقاتلي"الدولة الاسلامية" من شمال الرقة، المحافظة التي تحولت الى "ولاية التنظيم" في سوريا. وهذه هي الضربة الثانية التي يوجهها المقاتلون الاكراد في اسبوع "للدولة الاسلامية" بعد سيطرتهم على مدينة "تل ابيض" على الحدود التركية. وتمكنت وحدات حماية الشعب الكردي المدعومة بطائرات التحالف من السيطرة على "اللواء 93" الواقع على بعد 56 كلم شمال الرقة.
تغيير في الموقف التركي
وفي اعقاب الضربات الجوية للطيران التركي يوم 23 يوليو 2015 ضد "داعش"، فرضت تركيا منطقة آمنة شمال شرق سورية في اول خطوة نحو سياستها التي تدعو لها بفرض مناطق عازلة على حدودها مع سورية. وقالت مصادر في المعارضة السورية في ريف حلب لإذاعة العراق الحر ان "القوات التركية وكتائب الجيش السوري الحر باتت تسيطر على منطقة تمتد لنحو 98 كليومترا على الحدود السورية التركية وبعمق نحو 40 كلم داخل الاراضي السورية تمتد من مدينة "مارع" التي يسيطر عليها الجيش الحر الى مدينة "جرابلس" التي تحت سلطة داعش، ومنع الجيش التركي تقدم تنظيم داعش وجبهة النصرة ووحدات حماية الشعب الكردي من تلك المنطقة". وفي هذا السياق، قال حزب العمال الكردستاني يوم 25 يوليو2015 إن هدنته مع أنقرة فقدت أي معنى لها بعد هجوم شنته الطائرات الحربية التركية بعد ذلك التاريخ على مخيمات للجماعة بشمال العراق.
الاستنتاج والتحليل:
• إن تغير الموقف التركي بهذه الدرجة والسرعة بإنهاء حالة المهادنة مع تنظيم داعش، يأتي من قراءة الى صعود دور الكورد في سوريا ومحاولة منها الى موازاة الدور الكوردي في المنطقة بعد ان حصل الكورد على تحالفات وتقارب مع الولايات المتحدة الاميركية لمقاتلة داعش. وهذا ما أكده الاعلامي والكاتب في دوتش فيللة الالمانية عارف جابو، المعني بالشأن الكوردي في حديث خاص، واضاف جابو قائلا: "ان الموقف التركي هو موقف حقيقي وليس تكتيكيا لمقاتلة داعش، لكنه يستهدف الكورد ايضا".
• الفكرة تقوم على اساس اضعاف الدور الكوردي، فقد وجدت أردوغان ان محاربة الكورد الى تنظيم "داعش" يمنحهم غطاء سياسي وقوة عسكرية اكثر من السابق وهذا من شأنه يمثل تهديدا الى الامن القومي التركي من وجهة نظر انقرة. أن مواجهة واحتواء الكورد هو من ثوابت إستراتيجية حكومات انقرة.
• استمرار الدعم الاميركي للكورد هو بسبب محاربة داعش، وهذا يقوي الكورد مستقبلا بإقامة الحكم الذاتي عند حدودها. إن الدعم الاميركي الى وحدات حماية الشعب الكوردي في شمال شرق سوريا كان واضحا بتقدمهم بأتجاه مشارف الرقة خلال شهر يونيو 2015 والسيطرة على تل الابيض وعين عيسى. التحالف الاميركي الكوردي ايضا كان في استعادة مدينة كوباني ـ عين العرب، مطلع عام 2015، الولايات المتحدة قدمت الغطاء الجوي والدعم المعلوماتي الى وحدات الشعب الكوردي. وجاء تأكيد الدعم الاميركي للكورد قي تصريحات وزير الدفاع الاميركي كارتير يوم 24يوليو 2015 قال إن القوات الكردية هي "قوات برية قوية وناجحة". ذلك قبل زيارته الى بغداد ولقائه بمسعود البرزاني رئيس الاقليم.
• طرحت تركيا نفسها بديلا عن الكورد في سوريا لمحاربة داعش من اجل الغاء الدور الكوردي واضعافه. وبالتزامن مع محاربة داعش، الطيران التركي ضرب مواقع وحدات حماية الشعب الكوردي، اذا القرار التركي جاء ليخلط الاوراق مابين "داعش" والكورد في سوريا.
تداعيات تغير الموقف التركي ضد "داعش" وضرب الاكراد:
• احتمال كبير ان تشن تركيا عمليات عسكرية واسعة ضد وحدات حماية الشعب الكوردي في سوريا وكذلك في العراق، العمليات العسكرية على الارض تأتي دائما بعد ان تحقق الضربات الجوية اهدافها، وهذا يعني ان العمليات على الارض باتت قريبة. تركيا تملك تفاصيل على الارض عن خارطة القوى المسلحة في سوريا، فهي تعاملت وتعايشت مع اغلب اطراف هذه الجماعات ابرزها جبهة النصرة واحرار الشام وجماعات اخرى. وإن ضربات الطيران التركي الى "داعش" والكورد في سوريا والعراق سوف تستمر.
• اضعاف تنظيم "داعش" نتيجة الضربات الجوية وكذلك ماتملكه انقرة من معلومات وبيانات حول تنظيم داعش، ممكن ان يمثل ضربة قوية الى داعش تعمل على اضعاف التنظيم من الداخل، اي العمل استخباريا ضد التنظيم من داخله بالاضافة الى الضربات العسكرية. انقرة تمسك بقيادات داعش ربما من الخط الاول وهذا يعني ستكون هناك نقطة تحول في قدرة التنظيم العسكرية.
• تغيير في مقرات سيطرة تنظيم داعش وتغيير في قياداته.
• اضعاف شبكة عمل "داعش" في تركيا لما يمثله التنظيم من شبكة عمل وغسيل اموال وتهريب مقاتلين ومعسكرات تدريب.
• سوف يشهد تنظيم "داعش" شحة في تدفق المقاتلين عبر الاراضي التركية، بسبب الحملة التي شنتها اجهزة امن تركيا ضد التنظيم وكذلك ما اتخذته انقرة من إجراءات عند مطاراتها ومعابرها الحدودية، ربما بسبب الضغوط الدولية.
• صعود كفة الجماعات والفصائل المسلحة الاخرى في سوريا على حساب اضعاف "داعش"، فمن المتوقع ان تدعم تركيا الفصائل الاخرى هذه المرة لمقاتلة داعش وليس القوات النظامية السورية.
تدفق لاجئين سوريين مدنيين الى المناطق العازلة المحتمل انشائها، باعتبارها مناطق امنه وربما تخضع برعاية اميركية واممية.
اضف تعليق