q
مع كل ذكرى سنويَّة لسقوط النظام البائد، يتجدد النقاش بين العراقيين، حول الموقف مما حدث آنذاك، هل هو احتلال أم لا؟ نعم هو احتلال بنص قرارات الأمم المتحدة، كثيرون كانوا يرفضون هذه التسمية، بل إن الكثيرين كانوا يعتبرونها دعما أميركيا للعراقيين لتخليصهم من نظام جائر...

مع كل ذكرى سنويَّة لسقوط النظام البائد، يتجدد النقاش بين العراقيين، حول الموقف مما حدث آنذاك، هل هو احتلال أم لا؟ نعم هو احتلال بنص قرارات الأمم المتحدة، كثيرون كانوا يرفضون هذه التسمية، بل إن الكثيرين كانوا يعتبرونها دعما أميركيا للعراقيين لتخليصهم من نظام جائر، هذه نظرة نابعة من وعي بسيط وعدم خبرة في السياسة ولعبة المصالح للقوى الكبرى. هي أيضا نتاج ظلم وجور كبيرين، مارسهما النظام السابق ضد غالبية الشعب العراقي لدرجة أن كثيرين منهم كانوا يريدون الخلاص فقط ولا يهمّهم على يد من يكون، بالنسبة لهؤلاء فان أي بديل لذلك النظام سيكون أقل منه وحشية وبطشاً.

العراقيون عاشوا عقودا من العزلة عن العالم، يسمعون بشيء اسمه «فاكس» أو تلفون موبايل ويحلمون باستقبال المحطات التلفزيونية الفضائية دون خوف من السلطة، الجوع فتك بهم وباع الكثيرون أبواب غرف بيوتهم، ليشتروا الطعام وهم يرون رأس النظام وعائلته يعيشون في بذخ كبير، بينما ماكنة الموت تطحنهم، في الحروب العبثية أو في أقبية الأمن والمخابرات. كان طبيعيا أن يطلبوا الخلاص من أيّ كان. حتى الاحتلال الخارجي كان – برأيهم- أرحم بهم من ذلك النظام. المهم بالنسبة لهم هو الخلاص أولا وبعد ذلك لكل حادث حديث، بعضهم جرفته العاطفة وسعادة الخلاص من الدكتاتورية الى درجة اعتبار الاحتلال الأميركي هبة من السماء.

أتذكر أننا دعينا – ضمن شخصيات عراقية مقيمة في أميركا- كنت حينها بدأت عملي في قناة الحرّة- الى لقاء مع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عام 2004، في يوم نقل السلطة الى حكومة السيد علاوي المؤقتة.

بعدما بوش أنهى كلمته تجمّع حوله عدد من الحضور، أحدهم أخذه الحماس العاطفي فقال له: يجب أن نصنع لك تمثالاً من ذهب في العراق، فردّ عليه بوش: تمثالي هو بناؤكم لديمقراطية حقيقية. طبعا هو كلام استهلاكي سياسي، لكن حماس صاحبنا تصاعد فالتفت الينا قائلا وبحماس شديد: انظروا الى حجم التواضع والصدق في ما يقول.

بعد خروجنا قلت لمن كان معي: هذه سذاجة شديدة، فأميركا ليست جمعية خيرية، ولا هي منظمة دفاع عن حقوق الانسان، إنما دولة كبرى لها مصالحها وبرامجها، وقد التقت الآن مع مصلحة لنا بإزالة النظام الجاثم على صدورنا.

قبل أن انهي كلامي انفجر بوجهي أحد المشاركين في اللقاء قائلا: لماذا لا نعرف نحن العراقيين قول كلمة الشكر لمن يقدم لنا خدمة؟ بعد شهور انقلب ذلك الشخص وأصبح معارضا عنيفاً لسياسة الإدارة الأميركية في العراق.

على الجانب الاخر هناك من وقف بالضد من اسقاط النظام ككل أو على يد احتلال خارجي على الأقل. من رفض اسقاط النظام هو من لم يكن متضرراً منه أو كان مستفيداً، أو ينتمي الى بيئة اجتماعية رأت في اسقاطه بذلك الشكل ضياعا لامتيازاتها واحتكارها للسلطة.

نعم، كان يوم 9 نيسان احتلالاً أميركيا للعراق حقق لغالبية العراقيين حلم الخلاص من كابوس كبير كان سيستمر مع أبناء صدام واحفاده، بإنصاف وتجرّد: من أوصل العراق الى مرحلة الاحتلال؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق